صفحات سوريةماهر الجنيدي

مهمات داخلية عاجلة أمام المعارضة السورية


ماهر الجنيدي *

عاشت المعارضة السورية أكثف لحظات حرجها في الأيام التي أعقبت الإعلان عن تشكيل مجلس انتقالي، برئاسة الدكتور برهان غليون؛ مجلسٍ جاء نتيجة «مبادرة» طرحها بعض النشطاء، من دون أن ينالوا موافقة أعضائه المفترضين، ومن دون أي عملية انتخاب، بل نتيجة استئناس بآراء البعض، واستمزاج للرأي العام، وتأمّلٍ بنشاط البعض.

تمثل الحرج أساساً في تباين آراء «أعضاء المجلس» بين مندد ومستنكر ومستغرب ومستمهل وموافق، في وقتٍ سارع جمهور المعارضة إلى نشر الخبر وتناقله، ضمن أجواء تفاؤل واسع وترحيب شديد بهذا الإعلان، وتبادل عبارات التهنئة، بل إقامة طقوس احتفالية في بعض الميادين والمقاهي والأماكن العامة والخاصة.

من المؤكد أن هذه المبادرة جاءت بعد تعاظم الإحساس لدى جمهور المعارضة بأهمية حدوث نقلة نوعية في سبل دعم الاحتجاجات التي تشهدها سورية، وبضرورة استحداث منبر سياسي معبّر عنها، يضبط إيقاعها، وينظّم شعاراتها، ويشذّب تفلّتاتها. وساعد في أجواء الغبطة هذه التأييدُ الذي أعلنته تنسيقيات في الداخل السوري لهذا المجلس، على رغم بعض ملاحظات الجميع على هذا الاسم أو ذاك من بين الأعضاء المفترضين، وكذلك على اسم «المجلس الانتقالي» الذي يذكّر بالحالة الليبية.

بيد أن هذه الأجواء انقلبت إلى نوع من الإحباط وخيبة الأمل حين سارع كثيرون إلى التشكيك في آلية ظهور هذه المبادرة، وبعد أن بدأت سلسلة انسحابات من المجلس، وعقب ظهور ردود فعل سلبية، كان أقلها حدة (وأشدّها طهرانية) دعوات لعدم الاستعجال في طرح البديل السياسي. ولم يستشعر أصحاب ردود الفعل أن الأجواء الاحتفالية، والمناشدات التي ظهرت من جمهور الاحتجاجات (وليس فحسب جمهور المعارضة) لقبول المبادرة والمضي بها قدماً إلى الأمام، إنما يعكس مقدار الحاجة لهذه الخطوة، حراكياً وميدانياً وسياسياً. كما لم يستشعروا أن البلبلة التي أصيب بها الإعلام الرسمي نتيجة هذا الإعلان إنما تعكس توقيته الأمثل.

لا بأس، إذ لم يفت الأوان بعد، لكن اللحظة المناسبة قد لا تأتي سريعاً، خصوصاً مع بدء ظهور مبادرات هنا وهناك، تتسلق وتستثمر، بنوايا حسنة أو غير حسنة. لذا، وإلى أن تنضج الظروف، وتُستكمل الجهود، وتحين تلك اللحظة، ينبغي الالتفات إلى بعض المهمات العاجلة التي تنهض أمام قوى المعارضة وجمهورها في الداخل السوري:

– التوافق على ميثاق شرف، يضمن عدم انعطاف بعض أقسام المعارضة نحو تسويات فردية خارج السرب أو لا تتوافق مع الأهداف التي تنشدها الاحتجاجات، أو نحو وجهات لا تتّسق والمبادئ التي توافق المنتفضون عليها حتى الآن، وخصوصاً السلمية ونبذ العنف الطائفي والتدخل العسكري. تكتسي هذه الخطوة أهمية حيوية في ظل حالات التباين والتباعد التكتيكي والاستراتيجي وخريطة التحالفات التي تشهدها أطياف المعارضة، بتنوعاتها الفكرية والإثنية.

– التوافق على مبادئ فوق دستورية. ومن هذه المبادئ وأهمها، على سبيل الاقتراح: وحدة التراب الوطني، الهوية المدنية العلمانية للدولة، احترام حقوق وواجبات جميع الأقليات، ومبادئ المواطنة، وديموقراطية نظام الحكم وبرلمانيته وتعدديته، وتداول السلطة، وغيرها. وإذا كان لهذه الخطوة أن استحقت في مصر بعد سقوط رأس النظام، فإنها تبدو في الحالة السورية مستحقّة في هذه المرحلة بالضبط، مرحلة دعم الاحتجاجات وتصعيدها بطرق «معارضوية».

– استكشاف طرائق احتجاج أخرى تساند حركة الاحتجاج الرئيسة، تتخذ طابعاً يعكس نضج المجتمع المدني وتجاوزه القوالب المتخلفة شبه العسكرية التي حشر النظامُ فيها المجتمع، من نقابات واتحادات وجمعيات وغيرها. إن تحركات الفنانين والمحامين والأطباء وغيرهم تقدّم دعماً معنوياً لا يجارى لحركة الاحتجاج.

– العمل ميدانياً على تشكيل لجان للأحياء والمناطق تنسق جهودها لضبط حالات الفلتان المحتملة، والتي يعمل بعض الأجهزة على التلويح بمخاطرها وبتبعاتها، أو ربما التخطيط لها في حال سقوط النظام.

– إعداد العدّة لتلقّف المؤسسات العامة والحكومية في حال حدوث انهيار مفاجئ أو سريع في أجهزة السلطة، بما يضمن إمساكاً سريعاً بزمام الأمور، والحؤول دون انهيار مؤسسات الدولة عند نشوء حالة فراغ في السلطة.

وسيكون من مهمات المجلس داخلياً تنسيقُ هذه الجهود وتوحيدها ونشرها، والمواظبة على وضع تصورات وسيناريوات المرحلة التالية، وفق المستجدات الراهنة، وتعميمها على المجتمع وقواه المدنية، كي تبقى على أهبة الاستعداد لاحتمالات التطورات المقبلة.

الشعب يريد دولة مدنية عصرية قوية، ونظام حكم ديموقراطياً. وحين يخلي الخصم بعض مواقعه رامياً إلى تعزيز قواه في مواقع يراها أكثر حيوية، ينبغي للخصم الآخر أن يحتل هذه المواقع سريعاً، وأن يبني قواعده فيها، وأن يعدّ العدّة لسقوط سلس لخصمه بأقل الخسائر البشرية والمادية والمعنوية.

وحين يختل نظام الطائرة بما يحتّم سقوطها، تقتضي الحكمة من الربّان أن يطبّق إجراءات «الهبوط السلس»، لتفادي الخسائر البشرية والميكانيكية غير المبررة. أما إذا تجاهل الربّان الخلل، وتغاضى عنه، ظانّاً أن في وسعه المضي في الرحلة حتى خواتيمها السعيدة، فإنه يغامر، ليس فقط بأرواح الركاب، بل بأرواح الطاقم، فضلاً عن الطائرة ذاتها. وحينئذ سيحدث «السقوط الحر»… وهو سقوط انفجاري مدوّ… يأكل الأخضر واليابس.

والربّان، هنا، هو ذلك الوليد الذي لم تشهده الساحة السورية بعد.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى