نهاية الصمت “الرقيّ”
ياسين سويحة
“في الإمكان تصنيف الإعلام الجديد في مدينة الرقّة، بشكل عام، وفق التوجهات التالية: هناك إعلام مستقل، وإعلام التجمّعات المدنيّة والحركات الشبابيّة، ثم هناك إعلام مكرّس لتبييض صور شخصيات لها طموحاتها السياسيّة، وأخيراً هناك إعلام الكتائب المُسلّحة. هذا الأخير هو الأسوأ، فالإعلامي عند هذه الكتائب هو، ببساطة، من ﻻ يصلح لحمل السلاح”.
هكذا يسرد “طارق الشام”، الناشط الشاب من الرقّة، رأيه حول توزّع الحركة الإعلامية في مدينته، ويكمل: “لدينا أيضاً ما يُمكن تسميته بإعلام الجدران، فالغرافيتي والكتابات الحائطية تعدّت مسألة المنافسة على الحضور الرمزيّ العام، إلى مرحلة صناعة الرأي أيضاً”، ثم يضحك ويضيف: “وكلها، بلا استثناء، أجمل من أقوال الأب القائد”.
ينشط طارق، مع حوالى ستين زميلاً بين مدراء ومراسلين ومسؤولي نشر، في المركز الإعلامي لثوار الرّقة، والذي تأسس في اللحظات الأولى للثورة السوريّة، لكن الكادر الحالي موجود منذ حزيران 2012 بعد اعتقال الكادر السابق من قبل أمن النظام. تعود خبرة الكادر العامل في المركز إلى نشاط غالبيتهم في التنسيقيات المحلّية وشبكاتها الإخباريّة قبل انتقالهم إلى المركز. لكن الجميع، يُذكّر طارق، ناشطون ثوريون وليسوا إعلاميين محترفين، وتجاهُل هذا الواقع يُصعّب التعاون مع المُراسلين والصحافيين الذين يأتون إلى المدينة، فغالبية هؤﻻء يتعامل معهم وكأنهم جهة إعلامية محترفة.
لا يمتلك المركز كاميرات محترفة، والصورة تأتي بفضل أربع كاميرات متوسّطة، حصل طارق وزملاؤه عليها من طريق “تجمّع أبناء الرّقة الإغاثي”، وهو هيئة محلّية تتلقى وتوزع المساعدات التي يرسلها الرقّيون المغتربون للمجهود الإغاثي. أما الانترنت فهو الآن مؤمّن بفضل جهاز انترنت فضائي، تبرّع به أحد أبناء الرقة المغتربين، وقد انتشل هذا الجهاز المركز من أسر شبكة الانترنت السوريّة، الغائبة بالكامل عن مدينة الرّقة وريفها منذ أكثر من شهرين.
يؤكد “طارق الشام” أن علاقة المركز مع الكتائب المُسلّحة جيّدة، لا سيما في ما يخصّ تغطية آثار القصف الجوّي المتواصل واﻻشتباكات مع الجيوب المُتبقّية لجيش النظام في المُحافظة (الفرقة 17، اللواء 93، مطار الطبقة). لكن هذه العلاقة تتعكّر أحياناً، حين يعمل المركز على تغطية النشاطات المدنيّة والاعتصامات ضد سياسات جهات مُسلّحة، أو ضد الاعتداء على الأموال والممتلكات العامّة، أو ضد أحداث من طراز إعدام كتائب إسلاميّة لثلاثة مُتهمين بالنشاط المُسلّح الموالي للنظام. أمام هكذا وقائعن يُلخّص طارق السياسة العامة للمركز: “نتطلّع إلى سوريا المُستقبل كدولة مُستقلّة موحّدة مدنيّة تحترم القانون.. دولة مؤسسات فيها قضاءٌ عادلٌ ونزيه نلجأ إليه لمحاسبة من تلطخت أيديهم بدماء السوريين”.
يشرح طارق أنّ “الحدث يفرض نفسه”، وبالتالي تشغل أخبار القصف اليومي على المدينة ومحيطها، كما أخبار المعارك بين الكتائب وجيش النظام، الحيّز الأكبر مما ينشره المركز في شبكات التواصل الاجتماعي و”يوتيوب”. لكن الشؤون المُستعجلة، مثل الواقع الاقتصادي السيء بعد انقطاع الرواتب منذ آذار الماضي، ونقصان الأدوية والمعدّات من المشستشفيات، تفرض مساحتها شبه الدائمة، إضافة إلى أحداث محلّية وتفاعلات وديناميكيات اجتماعيّة يأمل طارق لو أن القصف والمعارك وأخبارهما تترك لها حيّزاً أكبر.
طموح المركز وأعضاؤه، بخصوص التدرّب وتعميق الخبرات وتوسيع النشاط ووسائل النشر، كبير، كما يشير طارق. لكنّ غياب الدعم المادي يشكّل عائقاً أمام ذلك. الأمل كبيرٌ مع وجود تجارب صحافيّة مُبشّرة، كصحف “ثوري أنا”، “كلمة حُرّة” أو “قندريس”، والتي يعددها طارق كأمثلة على جهود إعلاميّة جريئة ونقديّة تستمر في عملها بشكل دوري ومجاني رغم الصعوبات.
هناك الكثير مما يمكن أن يُقال ويُكتب عن الرّقة ولها، وطارق وجيله وزملاؤه يقبلون هذا التحدّي بمسؤوليّة سعيدة: انتهى عصر الصمت الرّقي.