هل سيستمر التحول الديمقراطي في العالم؟/ أسامة الرشيدي
سادت مقولات عديدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 وما بعده، تؤكد أن الديمقراطية في العالم أجمع أصبحت في وضع أفضل بكثير عن العقود التي سبقت، خاصة مع انهيار الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا الجنوبية، وتقلص الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلى حد كبير، وظهرت نظرية “نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما” التي بشرت بنهاية تطور البشرية الأيديولوجي، وأن الديمقراطية الليبرالية الغربية هي الشكل النهائي للحكم البشري.
إلا أن السنوات التالية حملت أسئلة عديدة حول واقع تطبيق الديمقراطية في العالم، وفي ما إذا كانت تؤدي إلى دعم الحريات السياسية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية السريعة وزيادة الرفاه، خاصة مع انتكاسات شهدتها دول عدة، وتراوح دول أخرى بين الديمقراطية والتسلط، وحتى مع اختلاف تعريف الديمقراطية نفسها، حتى إن دولة مثل كوريا الشمالية حددت الاسم الرسمي لها بـ “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”!
يدرس هذا الكتاب لأستاذ السياسات الدولية “غيورغ سورنسن” واقع الآمال والتوقعات الكبيرة حول الديمقراطية، ويناقش الكثير من نظرياتها وأطرها، حيث يبدأ من تعريف مفهوم الديمقراطية نفسه وتاريخه، ووجهات النظر المختلفة حولها، بدءاً من أفلاطون وأرسطو، مروراً بميكيافيللي، وماكفرسون، وجيريمي بنثام، وجيمس مل، وفريدريك فون هايك، وجان جاك روسو. وبرأي المؤلف يتمحور في النهاية مفهومان كبيران للديمقراطية، أحدهما ضيق للغاية قدمه عالم الاقتصاد الأميركي جوزيف شومبيتر، والآخر شامل للغاية اقترحه ديفيد هيلد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة درم البريطانية.
فبالنسبة للديمقراطية وفقاً للمفهوم الضيق، فهي ليست إلا آلية لاختيار القيادة السياسية بين متنافسين عبر الانتخابات، وتكون مهمة السياسيين فيها هي الكفاح للحصول على أصوات الشعب.
بينما يتناول المفهوم الشامل للديمقراطية، ضرورة تمتع جميع الأشخاص بحقوق وواجبات متساوية في تحديد الإطار السياسي وأوضاع حياتهم، ما داموا لا يوظفون هذا الإطار لإنكار حقوق الآخرين.
ويرى المؤلف أن تطبيق أي من المفهمومين سواء الضيق أم الأشمل، يختلف باختلاف أوضاع البلدان نفسها، فالتحديات التي تواجه الدول الفقيرة على سبيل المثال تتطلب المفهوم الشامل للديمقراطية، فيما يعتقد أن البلدان الصناعية الغربية هي ديمقراطيات تسير وفقاً للمفهوم الضيق.
وتقدم كل من الصين والهند نموذجاً يخالف الاعتقاد السائد بأن وجود الديمقراطية على مستوى الحكومة الوطنية يقترن بغلبة الديمقراطية على المستوى المحلي أيضاً. إذ تمتلك الهند خبرة ديمقراطية عريقة، بيد أن ديمقراطية النظام السياسي هناك لا تعني أنها موجودة في مختلف المجتمعات المحلية فيها، فالهند “الديمقراطية” عملت على ترسيخ العنف الطائفي بين المسلمين والهندوس في تسعينيات القرن العشرين.
في المقابل تقدم الصين مثالاً مناقضاً تماماً، فعلى المستوى القومي لا يبدو أنها تتمتع بالديمقراطية بنظامها الشيوعي، بينما يدعي هذا النظام نفسه عناصر الديمقراطية على المستوى المحلي، ويمنح القادة المحليين سلطات واسعة، ويسمح بإجراء انتخابات على مستويات القرية والمقاطعة والإقليم بشكل منتظم.
ويضع المؤلف نموذجاً بسيطاً لشرح سيرورة طويلة الأمد للانتقال إلى الديمقراطية،ويشمل مراحل مختلفة، منها:
المرحلة التحضيرية: التي تتسم بنضال سياسي يقود إلى انهيار النظام اللاديمقراطي.
مرحلة اتخاذ القرار: التي تتأسس فيها عناصر واضحة المعالم من نظام ديمقراطي.
مرحلة التحول: التي تشهد مزيداً من التطوير للديمقراطية الجديدة، وتصبح الممارسات الديمقراطية بالتدريج جزءاً راسخاً في الثقافة السياسية.
ويرى الكاتب بأنها مراحل لا تحدث بالتتابع أو وفق مسار مقدر، فليس هناك قانون تاريخي يؤكد أن الأنظمة يجب أن تتحول من التسلطية إلى الديمقراطية.
من هنا يذهب المؤلف إلى أن سيرورة التحول الديمقراطي في الأعوام الأخيرة هي بدايات هشة لا تزال الديمقراطية فيها مقيدة من نواح عديدة، ولا توجد أي ضمانات لتقدمها. إذ أن ما تشهده الديمقراطية في الألفية الجديدة ما هو إلا حالة من الجمود، خاصة وأن عدداً كبيراً من البلدان يبقى في المنطقة الرمادية، بين كونه تسلطياً صرفاً أو ديمقراطياً كاملاً.
كما أن الطريقة التي حدثت بها عملية التحول الديمقراطي تدعو إلى التساؤل عما إذا كان هذا التقدم الديمقراطي سيستمر، وعما إذا كانت النتائج الإيجابية للديمقراطية وشيكة التحقق.
(كاتب مصري)