وبدأت سنة جديدة!
صالح القلاب
بعدما دخلت الثورة السورية عامها الثاني فإن المفترض أن أصحاب نظام بشار الأسد تخلوا عن العنجهية الجاهلية، التي حكمت أقوالهم وأفعالهم عندما انطلقت هذه الثورة إلى حد أنهم اعتبروها مجرد نزق أطفال وبعض الموتورين، وأنها ستنتهي بعد أيام قليلة وتصبح وراءهم، وأنهم بادروا إلى مراجعة واقعية بعيدة عن الأوهام والتخيلات الفارغة، وباتوا يدركون أنهم ذاهبون ببلدهم إلى الدمار والهلاك وربما التشظي والحرب الأهلية، إن هم لم يذعنوا لمطالب شعب أكّد أنه مستعد لبذل المزيد من التضحيات، وأنه ماضٍ في هذا الطريق حتى تحقيق كل أهدافه.
إن المفترض أن الرئيس بشار الأسد بات يدرك بعد مرور عام أن هذه الثورة هي ثورة شعب مُصرٍّ على التغيير الجذري والانتقال ببلده من نمط الأنظمة الديكتاتورية، التي لم يبق منها إلا نظام يوان جونغ أيل في كوريا الشمالية وعدد قليل من الاستبداديين المُصرِّين على التشبث بالماضي، إلى مستجدات القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، حيث الناس هم الذين يقررون مصائرهم ومصائر بلدانهم بأنفسهم، وهم الذين يرسمون مستقبل أجيالهم المقبلة.
كان على بشار الأسد أن يحاسب كل مستشاريه وجنرالاته الصغار والكبار، قبل أن تُنهي هذه الثورة عامها الأول وتبدأ عامها الثاني، وأن يعاقبهم معاقبة الأستاذ المتسلط لتلامذته الكسالى الذين لم يقوموا بواجباتهم المدرسية، وأن يسألهم عما استندوا إليه عندما قالوا أكثر من مرة، بعد شهرين من انطلاقة شرارة أصبحت نيراناً متأججة في سورية كلها، إن ما جرى بات وراءهم وإن كل شيء قد انتهى… “وإن القطر العربي السوري لم يكن أفضل مما هو عليه اليوم”!.
الآن وبعد عام من هذه الثورة المتصاعدة فإن جردة حساب سريعة تُظهر أن الخسائر البشرية تجاوزت الـ10 آلاف، وأن هناك ضِعف هذا العدد من الجرحى على الأقل، وأن هناك أيضاً عشرات الألوف من المعتقلين والمفقودين، وأكثر من 100 ألفٍ من الذين فرّوا إلى الدول المجاورة وأضعاف هذه الأعداد من اللاجئين داخلياً، وأن النظام السوري بات معزولاً كالشاة الجرباء، وأن قواته غدت مشتتة ومنهكة، وذلك في حين أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت كمريضٍ في رمقه الأخير.
إن مشكلة هذا النظام المصاب بداء الغرور القاتل أنه بدلاً من أن يبادر إلى مراجعة جدية بعد اقتراب هذه الثورة من دخول عامها الثاني، وأن يكف عن المناورات والألاعيب، التي إنْ كانت محتملة في البدايات فإنها باتت مكشوفة و”ثقيلة الدم” ومكلفة وغير مقبولة بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، لجأ إلى التصعيد الأهوج والانتحاري ودفع بقطاعاته العسكرية المضمونة الولاء على أساسٍ طائفي، وللأسف، إلى ارتكاب كل هذه الجرائم التي ارتُكبت في حمص وحماة وإدلب وفي ريف دمشق والرقة ودير الزور… وكل المدن والقرى السورية.
والمُحزن فعلاً أن هذا النظام لم يدرك في ضوء نتائج غزواته الفاشلة على المدن السورية التي هرس بعض أحيائها بجنازير الدبابات أنه يحارب شعباً بأكمله باستثناء القلة القليلة المعروفة، وأن هذا الشعب مُصرٌّ على تقديم المزيد من أرتال الشهداء إلى أن ينتزع حريته ويحقق كرامته التي بقيت مستباحة أكثر من نصف قرن من الزمن.
الجريدة