يوم في حياة مواطن سوري
عبد الكريم أبازيد
خرج المواطن سين صاد من منزله في تمام الساعة الثامنة وسبع دقائق. وصل إلى موقف الباص في تمام الساعة الثامنة وتسع عشرة دقيقة. وقف منتظراً الباص سبع دقائق. صعد إلى الباص واقفاً لعدم وجود محلات فارغة للجلوس، في تمام الساعة التاسعة إلا ثلاث دقائق نزل من الباص. وصل إلى أحد الأكشاك. صاحب الكشك يناهز التاسعة والأربعين من عمره. حنطي اللون يرتدي نظارات بيضاء سميكة. حيّاه كما لو أنه يعرفه. اشترى باكيت دخان حمراء قصيرة. دفع للبائع خمسين ليرة وأعاد إليه الباقي. همس في أذن صاحب الكشك وضحك الاثنان بصوت خفيض. مشى حوالى ربع ساعة، أو بشكل أدق أربع عشرة دقيقة حتى وصل إلى منزل في أحد الأزقة رقمه 23. قرع الجرس. فتح له الباب ولد صغير عمره يقارب التاسعة، يرتدي بنطالاً قصيراً وقميص “نص كم”. دخل وخرج بعد إحدى وعشرين دقيقة.
خرج معه إلى الباب مودعاً رجل طويل القامة ذو شاربين نحو الأسفل يناهز السابعة والأربعين من عمره، ذهب سيراً على الأقدام إلى “مقهى السبيل”، وصل إلى هناك بعد تسع دقائق ونصف دقيقة. دخل المقهى. التفت يميناً وشمالاً ثم تقدم بخطى سريعة إلى إحدى الطاولات. سلّم على الجالس بحرارة وجلس. كان الجالس رجلاً مربوع القامة أشقر اللون أصلع يميل إلى النحافة. كان يقرأ ورقة مطبوعة يبدو أنها صورة لمقالة من جريدة ممنوعة. أعطاه المقالة. قرأها وأبدى إعجابه بها، وقد تبيّن ذلك على إمارات وجهه. استغرقت معه قراءة المقالة سبع دقائق. أعادها إليه معلّقاً: ألم أقل لك هذا من قبل؟! بلى، قلت لي ولكني لم أكن أتخيل هذا. طلب فنجان قهوة سكّر وسط مع كأس ماء. أعطى النادل مئة ليرة فأعاد إليه خمسين. أعطاه عشر ليرات بخشيشاً. أخرج من جيبه باكيت حمراء ليست التي اشتراها. أخذ منها سيكارة. أشعلها بقداحة صفراء اللون. أخرج الدخان من أنفه. وصل رجل ثالث أشيب الشعر طويل القامة يناهز الحادية والسبعين من عمره، جلس كما لو أنه صديق قديم عرفت أن اسمه أبو فهد لأن الجالس الأول قال له أهلاً أبو فهد. توجه إليهما أبو فهد قائلاً: هل شاهدتما المؤتمر الصحافي؟ أجابا معاً: “عْلاك بِعْلاك”. وبدت علائم السخرية على وجهيهما. بعد ساعتين واثنتين وعشرين دقيقة غادروا المقهى. عرّج المواطن على صيدلية. كانت صاحبة الصيدلية حنطية اللون أقرب إلى السمنة، تناهز الثامنة والعشرين من عمرها. طلب دواء للضغط. أعطته علبة مربعة بيضاء عليها خطوط حمر. أعطاها خمسمئة ليرة فأعادت إليه 135 ليرة قائلة: “موشي بيرفع الضغط؟”. ابتسمت بينما قال هو عابساً: “الله يفرجها”. عرّج بعد ذلك على محل للبقالة. اشترى قنينة زيت نباتي، ثم عرّج على محل لبيع الخضر. اشترى 2 كيلوغرام بطاطا وكيلوغرام بصل وربطتي بقدونس. كان صاحب الدكان قصير القامة نحيفاً يناهز الستين من عمره. كان بشوشاً. همس في أذنه كلاماً لم أسمعه. رأيت علائم الدهشة على وجهه. بعد ذلك عاد إلى محل للبقالة، طلب برغلاً خشناً وعدساً وعلبة سمن نباتي وسكّراً. قال له البائع: لقد تجاوز دينك العشرين ألفاً وأنت لم تسدد منذ أشهر. قال له: فُرجت! ستأخذ دينك “على دوز باره” يوم الثلثاء المقبل. استغرب البقال، فقال له لا تستغرب. أخرج من جيبه ورقة يانصيب. تابع سيره حتى وصل إلى البيت. أخرج علبة مفاتيح من جيبه اليسرى فيها مفتاحان. فتح الباب وأغلقه بعنف.