صفحات العالم

أحرار الشام» … تخبّطٌ سياسي وهشاشة خطِرة/ محمد برهومة

 

 

ليس هو سوى التخبط السياسي والتناقض البنيوي الذي يفسّر أنْ تقوم حركة «أحرار الشام» الإسلامية في سورية بتقديم «بالغ التعازي» برحيل زعيم حركة «طالبان» الملا محمد عمر الذي يُذَكّرها «من جديدٍ بمعاني الجهاد والإخلاص»، ويعلّمها «كيف تُبنى الإمارة (الإسلامية) في قلوب الناس قبل أنْ تصبح واقعاً على الأرض»، وفق بيان الحركة. لنتذكرْ، هذه الحركة هي نفسها التي نشر أحد قادتها الشهر الماضي مقالين منفصلين في «واشنطن بوست» و «دايلي تلغراف» لتلميع صورة حركته، بصفتها تنظيماً سورياً وطنياً معتدلاً جديراً بثقة الأميركيين ودعمهم، وتقديم «أحرار الشام» كأفضل من يقف في وجه «داعش» ويراعي القلق الأميركي بأنْ لا يَخلّف انهيارَ نظام بشار الأسد تفككُ الدولة والجيش في سورية وتشريدُ الأقليات وتهديدها وجودياً.

وليس هو سوى التخبط السياسي والتناقض البنوي وهشاشة الأيديولوجيا وخطورتها في آن واحد الذي يفسّر كيف أنّ زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني أراد قبل أشهر قليلة في مقابلته على قناة «الجزيرة» أن يبعث برسالة معتدلة للغرب بأن حركته لا تستهدفه، وأنها تحمي حقوق الأقليات وأنها حركة سورية وليست عابرة الحدود، ثمّ نقرأ ونسمع ونشاهد فيديو خطف «النصرة» مقاتلين سوريين مدربين ضمن البرنامج الأميركي للمعارضة المعتدلة، متهمة إياهم «بالتعاون مع الغرب»، وأن «جنود جبهة النصرة يبدأون عملية عسكرية تهدف إلى منع تمدد الذراع الأميركية في الشمال السوري»، كما أشار فيديو «النصرة»! ولو أردنا التعميم وتوسيع الفرجار لقلنا أن ثقافةً سياسيةً سائدةً في منطقتنا لا تجد غضاضة من التناقض في القول: يمكن أنْ تكون صديقاً للغرب مع سلطويتك وانتهاكك لحقوق الإنسان وتصادمك مع العصر!

هنا، كيف لنا أن نَصرف قول إعلاميين سعوديين على «تويتر» أن ثمة «حملة غير بريئة ببعض الصحف والفضائيات لتشويه عمادي الثورة السورية: أحرار الشام وجيش الإسلام»؟! وكيف نفسّر قول سياسي إسلامي كويتي، على «تويتر» أيضاً، أن دولة خليجية تقوم «بتحريض الغرب من أجل تصنيف أحرار الشام على قائمة الإرهاب الذي يعدّ طعنة للشعب السوري ودعماً لنظام الأسد»؟!

من نكد الدنيا على السوريين أنهم خاضوا نقاشاً مستفيضاً من بداية تحركهم السلمي قبل أكثر من أربع سنوات خلصوا فيه أنه لا يمكن أن يكون الحلّ في سورية بأنْ تَخلف الديكتاتوريةَ السياسيةَ ديكتاتوريةٌ دينيةٌ، ثمّ يفاجأون اليوم ببيانات من عدد من «الشرعيين» العرب في فصائل «النصرة» و «أحرار الشام» و «جيش المهاجرين والأنصار» تقول لهم «من نعمة الله ظهور الخوارج المارقين (يقصدون «داعش») لتتمايز الصفوف ولا يبقى مع المجاهدين إلا أهل الاعتدال الذين عليهم ينزل النصر»! والغريب أنّ «أهل الاعتدال هؤلاء في بياناتهم نفسها لا يحلو لهم إلا تكرار أن أسلحتهم موجهة نحو «الساحل النصيري». هكذا الاعتدال… وإلا فلا!

* كاتب أردني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى