أرجوزة الأقليات والأكثريات من اختراع الأنظمة الاستبدادية!
بول شاوول
أو ليست الأنظمة الاستبدادية جزءاً من الأصوليات، إو “أصولية” بفعل “أيديولوجيتها” الأمنية والدكتاتورية المطلقة، أو بفعل تحويلها الدولة مؤسسة “عائلية” مطلقة؟ والأصوليات السلفية التي يتكلمون عنها اليوم باعتبارها تهديداً للأقليات الدينية والإثنية، أو ليست خارجة من جوف هذه الأنظمة التي تدعي محاربتها أو اضطهادها؟ المفكر المصري الكبير سمير أمين في حوار مهم نشر في “أخبار الأدب” (عددها الأخير) وحاوره الزميل محمد الشعير في رد حول سؤال “ماذا عن مستقبل الأخوان المسلمين بعد الثورة وقد اكتسبوا حضورهم من كونهم مضطهدين في النظام السابق” يقول: “فكرة اضطهادهم في حاجة إلى مراجعة. السادات أعادهم من الخليج مليونيرية، وترك لهم ومبارك مهمة إدارة مؤسسات هامة وأساسية في الدولة مثل التعليم والثقافة والاقتصاد والقضاء والإعلام. فالأخوان كانوا جزءاً من النظام، وليس الشعب كونهم جزءاً من السلطة. اعتقد ان الكلام على اضطهادهم كذب وكلام فارع”. ونذكر هنا إلى كلام سمير أمين ان السادات هو الذي استعان بالتطرف الاسلامي والأصوليات ليحارب بهم الناصرية واليسار والفكر القومي العربي. وقد مولهم وسلحهم ليضعهم في فترة لاحقة ذريعة لمواجهة الأقباط لأنهم لم يباركوا زيارته لاسرائيل. ومبارك فعل الشيء نفسه. بقيت حقوق الأقباط السياسية والتمثيلية معدومة سوى بعض الواجهات البراقة والفاسدة. وفي اوج الثورة المصرية فجرت كنيسة في الاسكندرية وذهب ضحيتها عشرات الأقباط قتلى وجرحى، وتبين ان النظام (وزير الداخلية) هو الذي خطط ونفذ التفجير ليتهم “الأصوليين” والسلفيين بارتكابه. ونتذكر سياسة الوصاية السورية في لبنان في ظل النظام الأمني المشترك، كيف كان يستجلب “الأحباش” لمواجهة كل تحرك في الشارع، مزودين العصي والخناجر. (إنهم اصوليون من أصل مخابراتي سوري)، ونتذكر كيف أرسل الينا النظام السوري أحد عملائه بعمامة “السنة” والسلفية المدعو العبسي، ليفتح معركة في نهر البارد يضرب فيها الجيش اللبناني ويبني “امارة سنية” في الشمال. فهذا العميل من واردات النظام الذي يدعي اليوم حماية الأقليات من “شر” الأكثرية. ونتذكر جيداً دور حزب الله في هذه المؤامرة عندما صرح أمينه العام مهدداً الجيش “نهر البارد خط أحمر” كالضاحية والجنوب! نتذكر جيداً كيف هول القذافي بالقاعدة إذا سقط. وكذلك مبارك. وكذلك علي صالح. وكذلك اليوم بشار الأسد. كلهم هولوا بالسلفية “البغيضة” في لحظات سقوطهم الحاسمة. رحل كثيرهم ولم تأتِ السلفية. ونتذكر جيداً الاتهامات التي أطلقها حزب الله (أعظم السلفيين في المنطقة وأخطرهم) ومن جوقات 8 آذار ولا ننسى جنرال الخراب ميشال عون، للسنة اللبنانيين أي لـ 14 آذار برعايته “الارهاب” وتهديد الأقليات. واليوم، وبعد هؤلاء، ومعهم وبهم، يردد بطرك بكركي المعزوفة ذاتها. وقد نسي ان الطغاة التي تعاقبوا على لبنان بدءاً من السوريين إلى العراقيين (صدام) والليبيين (القذافي) وصولاً إلى الصهاينة، انما كانوا يستهدفون لبنان عبر تحطيم نسائجه الوطنية والسياسية والاجتماعية. والنتيجة ان هذه الأنظمة المتبالية والمتداعية هي التي كانت وراء حروب التهجير والتقسيم وشحن الطائفية. ووضع الطوائف مقابل بعضها: يا قاتل يا مقتول. وهي التي وعلى طريقة الاستعمار استفرست كل طائفة على حدة اما باستيعابها او بضربها وتحجيمها لمصلحتها واما بتخوينها (تأملوا هناك من يخون طوائف برمتها. بل هناك حلفاء لسوريا وايران خونوا أكثرية اللبنانيين، واليوم يخونون أكثرية الشعب السوري المنتفض. فمن يخون اكثرية الشعوب (بمن فيها الأطراف) هل يبرئ الاقليات او يحميها! فضمن معادلة استمرار هذه الأنظمة بالتهويل بالارهاب الاسلاموي على امتداد عقود، لتخدع العالم لا سيما الغرب ويمنحها ثقته بالاستمرار في بطش شعوبه، ها هو اليوم يلعب اللعبة المزدوجة: اتهام الاكثرية”الاثنية” بحتمية تهديدها وجود الأقليات: العنصر الجديد الى هذه الأنظمة الفاسدة اللصة الحرامية والقاتلة، لعبت امس اللعبة “الأصولية” (التي اختلقتها وابتكرتها) وها هي اليوم تلعب لعبة الأقليات. في الأولى تحمي شعوبها من التطرف. وفي الثانية تحمي اقلياتها من “أعدائها” الأكثريين، لتحمي نفسها.
وفي كلتا الحالتين تستخدم مفهوم “الأكثرية” و”الأقلية” لتدوم إلى “الأبد” والواقع ان شعار “الأقليات” و”الأكثريات” هو اختراع الطغاة… والطائفية هي من ابداعاتهم. والتهويل بالتقسيم هو من اختلاقهم. والتهديد بحروب أهلية.. نعرفها في لبنان جيداً صيغة تهديدية لاطفاء احتجاجات الناس. وفي المحصلة، ان هؤلاء الدكتاتوريين التافهين (كلهم امي ولص مليارات) اخترعوا الكذبة وصدقوها. لكن عندما صدقوها.. وجدوا العالم انه اكتشفها. ولم يعد يصدقها!
وأخيراً ما عاد ينفع هؤلاء ما يمنع رحيلهم!
فوداعاً بلا أسف!
المستقبل