أوباما في الإعلام السوري: انتهت ولايته.. انتصرنا!/ وليد بركسية
تناسى الإعلام السوري الرسمي كل ما يحدث في البلاد من تبعات الحرب أو مفاوضات السلام القريبة، وركز خلال الأيام الماضية بكثافة مثيرة للسخرية على الأيام الأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، معتبراً خروجه “غير المأسوف عليه”، من الواجهة السياسية العالمية، نصراً للنظام السوري وحليفه الروسي، من دون أن يقدر على استيعاب فكرة تداول السلطة بشكل ديموقراطي.
وامتلأت الصحف الرسمية بتحليلات ومقالات وأنباء عن “إدارة أوباما الفاشلة وسياساته الحمقاء البالية” وصلت إلى تقديم “جردة حساب” بعثية لفترتي أوباما الرئاسيتين، كما خصصت القنوات التلفزيونية الرسمية وشبه الرسمية وقتاً طويلاً لحوارات مع محللين سياسيين رأوا فيها أن إدارة أوباما كانت أسوأ بعشرات المرات من إدارة الرئيس الأسوأ السابق جورج بوش (الفضائية) إضافة إلى عرض تقارير في النشرات الإخبارية لتقييم عجز إدارة أوباما طوال ثماني سنوات في السيطرة على العالم “بسبب صمود الجيش السوري في حلب” الذي كشف للعالم الأفكار الشريرة التي يتمتع بها “أوباما اليائس” (الإخبارية).
ووصف المحللون السياسيون المحليون بانفعال كبير، كيف دعا أوباما بصراحة لإسقاط الدولة السورية في آب/أغسطس 2011، ثم القول بابتهاج أن الرئيس بشار الأسد بقي في الحكم مقابل خروج أوباما من البيت الأبيض ذليلاً ويائساً وخاسراً أمام أنظار العالم، وتصل التحليلات إلى مستوى لا يصدق من الفانتازيا في الدعاية، مثل القول بأن إدارة أوباما خلقت “دولة بوليسية” في الولايات المتحدة (تشرين) وبأنها سبب انهيار الاتحاد الأوروبي ونشر حالة استقرار في أنحاء المعمورة وبأنها تدفع الثمن (الثورة).
غاب عن بال إعلام النظام هنا، أن أوباما لم يخرج من البيت الأبيض بعد معركة أو بفعل ضغوط خارجية، فهو لم يقدم استقالته ولم يتعرض لفضيحة سياسية دفعت ملايين الأميركيين للتظاهر قبل عزله مثلاً، بل خرج من البيت الأبيض لأنه يحكم دولة ديموقراطية لديها نظام سياسي لتداول السلطة، وإن صحت فرضية المعركة، ففيها تأكيد خفي أن روسيا كانت لاعباً خفياً في الانتخابات الأميركية الأخيرة، وتدخلت مباشرة في توجيه الانتخابات عبر عمليات قرصنة متعددة تتهمها به إدارة أوباما والمرشحة الديموقراطية السابقة هيلاري كلينتون وتنفيها روسياً رسمياً.
ومن السهل على الإعلام السوري بطبيعة الحال، رمي كل هذه الاتهامات الساذجة بلؤم وتأليف مثل تلك العبارات الهزلية ضد الإدارة الأميركية السابقة التي باتت جزءاً من التاريخ وغير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها، حيث لم يكن الإعلام السوري نفسه على مهاجمتها بالطريقة نفسها طوال ثماني سنوات، حتى عندما هدد أوباما بشن حرب مباشرة ضد النظام السوري إثر استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية مثلاً، حيث تحقق هذه الاستراتيجية الإعلامية للنظام ظهوره أمام جمهوره المحلي كبطل ينتصر على القوة الأميركية الغاشمة تاريخياً.
ويعتمد الإعلام هنا على استراتيجية عكس المفاهيم، حيث استخدم كل الاتهامات التي تسوقها المعارضة والمجتمع الدولي ضد النظام وروسيا معاً، محلياً وعالمياً، وألصقها بإدارة أوباما، من دون الميل إلى الدفاع عن الذات، فهو بالهجوم لا يتنصل فقط من الاتهامات الكثيرة الموجهة إليه بل يسجل نقطة في شعبيته لدى الجماهير الموالية أيضاً والتي تحب منطق التباهي بالقوة، وتغيب الدلائل على تلك الاتهامات لصالح اللغة الشعبوية الحماسية في الحديث واختيار المفردات، إضافة إلى اجتزاء الأحداث من سياقها، ليصبح خروج أوباما من البيت الأبيض هو الحدث والدليل والاتهام في وقت واحد.
والحال أن سبب العداء الكبير لأوباما ليس سورياً بحتاً رغم كل المحاولات لتغليف المقالات المكتوبة في الصحف الرسمية بطابع محلي، من زاوية أن أوباما هو الداعم الأول للإرهاب وأنه صاحب الفكرة الدموية بصناعة تنظيم “داعش” ليكون أكثر من قتل ودمر في المنطقة متفوقاً على جورج بوش (تشرين)، بل يعود لكون أوباما العدو الأول للكرملين وزعيمه فلاديمير بوتين (تشرين) بسبب سياسته العدائية ضد روسيا في ملفات كثيرة مثل أوكرانيا والقرم وسوريا وبعض القوانين العسكرية، إضافة لكونه لم يفهم التغيرات الدولية وتعامل مع القوة الروسية بتردد وعدم مصداقية حيث لم تنفعه ليبراليته بسبب ضعفه وقله دهائه (الوطن).
وبحسب صحيفة “البعث” الرسمية، فإن العلاقات الروسية – الأميركية بلغت أدنى مستوياتها في التاريخ، في معرض وصفها لسنوات أوباما الثماني في الحكم بالهستيرية، فيما يمكن تلمس جذور الصراع بين بوتين وأوباما في الإعلام الروسي الذي يمارس حملة مماثلة بدوره ضد أوباما كشخص ورئيس لإدارة دولة معادية في الوقت نفسه، عبر قناة “روسيا اليوم” ووكالة “سبوتنيك”، اللتين ذكرتا أن إدارة أوباما كانت السبب في تظاهرات احتجاجية في موسكو ومدن روسية بين العامين 2011 و2013، وهو ما لم يغفره بوتين لكل من أوباما وهيلاري كلينتون أبداً.
في الجانب الآخر، كان ترامب حاضراً في السيرك الإعلامي المحلي، بوصفه غريم أوباما الذي “قضى عليه بالضربة القاضية” وكحليف محتمل للنظام السوري والكرملين عطفاً على تصريحاته الكثيرة بهذا الخصوص خلال حملته الانتخابية. ورغم التحفظ البسيط على ترامب لأن عهده لم يبدأ بعد، إلا أنه وُصف بالداهية السياسي والحامل لخطاب ثوري يحمل قراءة دقيقة للتطورات السياسية والاقتصادية العالمية التي تشهد تعاظم القوة الروسية – الصينية مقابل الانكسار الأميركي (البعث).
في السياق، حضرت مقارنات غريبة بين أوباما ورؤساء أميركيين آخرين (روزفلت، كلينتون، ..)، لكن المقارنة الأكثر تكراراً كانت بين أوباما وبوش الابن، رغم كونها غير منطقية بسبب السياسات المتناقضة للرئيسين تجاه الشرق الأوسط والتي اختلفت بين التدخل العسكري المباشر والنأي بالنفس والتوجه نحو الشرق الأقصى حيث مراكز القوة الاقتصادية الجديدة، ولم يتوقف الإعلام الرسمي عند هذه الحقيقة ومال نحو لوم أوباما على كافة المشاكل والحروب الأهلية التي ضربت سوريا ومصر وليبيا واليمن ودولاً أخرى في المنطقة.
هذا ليس غريباً أو مفاجئاً، فالإعلام الرسمي كواجهة للنظام السياسي الدكتاتوري لا يعترف أصلاً بالأسباب الداخلية التي أدت للثورات العربية التي طالبت بالديموقراطية وإنهاء عقود الدكتاتورية، كما يبحث دائماً وفق نظرية المؤامرة عن عدو خارجي، حقيقي أو مختلق، حالي أو سابق، للومه على كل ما يحدث من مشاكل تتفاقم ببطء حتى تنفجر بعنف. وهنا صفت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية سياسة أوباما الخارجية بأنها كانت ناعمة وناعسة على الطريقة الانجليزية من أجل تدمير النسيج الاجتماعي من الداخل واصفة أوباما بأنه من الغزاة
المدن