صفحات العالم

إسرائيل وسوريا ما بعد الأسد


عائشة المري

تراقب إسرائيل تطور الأحداث في سوريا، وتتخوف من تطاير شظايا الحرب الدائرة في سوريا إلى ديارها، وتتحسب لتدفق اللاجئين السوريين على هضبة الجولان المحتلة، وهناك قلق إسرائيلي من مرحلة ما بعد الأسد، وهناك تخوف من مصير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية السورية من أن توجه ضدها أو أن تقع في أيادي جماعات قد تهدد أمنها. وعلى رغم أن تأثير إسرائيل على تطورات الأوضاع في سوريا ضئيل إلا أن انعكاسات ما يحدث في سوريا سيكون لها تأثير عميق على إسرائيل وأمنها وعلى التوازنات الإقليمية في المنطقة.

لعبت سوريا لسنوات دوراً إقليمياً مهماً من وجهة نظر إسرائيل، فالنظام السوري رفع راية المقاومة وكان شريكاً في عملية السلام وسعى إلى تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل، وشكل نظام الأسد صمام أمان للنظام الإقليمي. وتعكس تحليلات المهتمين بالشأن السوري تباين تأثير مرحلة ما بعد الأسد على إسرائيل، إذ يرى البعض أن سقوط الأسد يشكل ضربة للتحالف السوري الإيراني، وللتحالف السوري مع “حزب الله” ألد أعداء إسرائيل، ولذا فهو يصب في مصالح إسرائيل، بينما يتخوف آخرون من الفوضى السياسية والأمنية التي ستنجم عن السقوط المدوي للأسد ولعل أكثر ما يقلق الساسة الإسرائيليين ضبابية المشهد السوري، وسيولة الأوضاع في مرحلة ما بعد الأسد والبديل المجهول لنظامه.

تستند القراءة الإسرائيلية للثورة السورية إلى ثلاث قضايا رئيسية تتداخل وتؤثر وتتأثر ببعضها بعضاً: المحور السوري الإيراني، علاقة نظام الأسد ودعمه لـ”حزب الله” اللبناني، وأخيرا مصير الأسلحة السورية غير التقليدية من أسلحة كيميائية وبيولوجية. إذ تعتبر إسرائيل المشروع النووي الإيراني تهديداً استراتيجياً، كما ترى أن العلاقات السورية الإيرانية تجسد امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة، وسقوط الأسد سيوجه ضربة قاسية لإيران وللهيمنة الإيرانية الإقليمية. وسيؤثر سقوط نظام الأسد على “حزب الله” حليفه الاستراتيجي ونقطة اتصاله بحليفته إيران، وسيفقد حينها جسر الإمداد بإيران، وسينعكس ذلك بالتأكيد على قوة ومكانة “حزب الله” في لبنان وفي لعبة التأثير الدولية خاصة مع إسرائيل. ومن المسلم به أن ما يحدث في سوريا سينعكس على لبنان وقد بدأت التوترات والانقسامات تتصاعد في لبنان بين مؤيد لنظام الأسد وعلى رأسهم “حزب الله” وبين مجموعات سنية مناصرة للمعارضة السورية، وقد وجه اختطاف نحو عشرة من الشيعة اللبنانيين واحتجازهم من قبل جماعة معارضة في سوريا ضربة لنصر الله ورسالة لتدخله ولدعمه للأسد.

وتخشى إسرائيل من أن يحصل “حزب الله” على أسلحة غير تقليدية إذا سقط النظام السوري، وهددت إسرائيل بأنها سترد بقوة وفوراً وبأشد طريقة ممكنة في حال نقل النظام السوري أسلحة كيماوية إلى “حزب الله”، وقال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان: “إن عملية كهذه ستشكل سبباً للحرب”، وقد حذرت روسيا الأسد من مغبة استعمال الأسلحة الكيميائية بموجب التزامات سورية بالاتفاقية الدولية التي تمنع استخدام مثل هذه الأسلحة في الحروب. ويعرف الروس أكثر من غيرهم ما يجري في ساحات القتال السورية وتطورات الأوضاع، ولذا فالتحذير الروسي جاء بناء على معلومات موثوقة تؤكد تقييم تل أبيب وواشنطن وتؤكد صحة المعلومات التي سربها الجيش السوري الحر وتداولتها وسائل الإعلام الدولية.

واقعياً تتمنى إسرائيل إطالة أمد الصراع في سوريا، فإسرائيل ستستفيد من إضعاف نظام الأسد ككيان، كما أنها ستستفيد من إكساب الصراع طابعاً طائفياً، وسيشكل سقوط الأسد ضربة قوية لإيران، ولـ”حزب الله” و”حماس” معاً، لقد بدأت تل أبيب بالتأهب الأمني والحوار والتنسيق مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد، فسقوط الأسد لا ينطوي على تهديدات جدية لإسرائيل بقدر ما ينطوي على فرص كامنة في الوضع الجديد.

الاتحار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى