إيران تنشر التشيّع في ديرالزور/ محمد حسان
بعد سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها، بغطاء جوي من الطيران الحربي الروسي، على الضفة الجنوبية الشرقية لنهر الفرات، في محافظة ديرالزور، وعدد من البلدات شمالي النهر، بدأت إيران تنفيذ مشاريعها الرامية إلى تثبيت سيطرتها داخل المحافظة، عبر نشر التشيّع، وخلق مجتمعات ذات تبعية مذهبية مرتبطة بها، مستغلة مظلومية بعض الأهالي، وحاجة البعض المادية.
مساعي إيران في نشر التشيّع بدأتها نهاية العام 2017، عبر فتح عدد من الحسينيات في مناطق متفرقة من ديرالزور، يشرف عليها شيوخ دين شيعة مرتبطين بإيران، بالإضافة الى مكاتب خاصة بالانتساب إلى المليشيات العسكرية الإيرانية أو المليشيات المحلية الموالية لها. وعمدت إيران إلى تزوير حقيقة مواقع أثرية، وربطتها بالتراث الشيعي، كما حدث في مدينة القورية في ريف ديرالزور الشرقي، حيث قامت المليشيات الإيرانية ببناء حسينية فوق نبع ماء “عين علي” المجاور للمدينة، مُدّعية أنه مكان “شيعي مقدس”.
ويعتمد المشروع الإيراني على شخصيات قيادية ووجهاء عشائر محليين لتنفيذ أجنداتها، وأبرزهم حسين الرجا، وولده محمد أمين عضو “مجلس الشعب”، ونواف البشير شيخ قبيلة البقارة الذي عاد إلى سوريا قبل مدة وأعلن ولاءه للنظام بعد وساطة إيرانية. ويعمل البشير على جذب أبناء قبيلة البقارة لاعتناق المذهب الشيعي، والقتال إلى جانب النظام وحلفائه، مستغلاً أوضاع أبناء القبيلة المادية المتردية، وقضايا تاريخية ترتبط بنسب القبيلة إلى محمد الباقر، من آل بيت النبي محمد.
نشاط إيران في نشر المذهب الشيعي، يتركز في ريف ديرالزور الشرقي، خاصة قريتي حطلة ومراط ومدينة البوكمال والمناطق المحيطة بها على الحدود السورية العراقية. مصادر ميدانية، أكدت لـ”المدن”، أن “العشرات من أهالي المنطقة اعتنقوا المذهب الشيعي، وانتسبوا إلى مليشيات عسكرية موالية لإيران في المنطقة خلال الشهرين الماضيين”.
حملات “التبشير” الإيرانية بالمذهب الشيعي في ديرالزور، توظّفُ مغريات كثيرة، وتستغل الوضع الاقتصادي المتردي للمدنيين. توزيع مخصصات مالية شهرية لكل عائلة تعتنق المذهب الشيعي، ومساعدات غذائية وعينية تقدم بشكل دوري لهم، هي إحدى وسائل الإغراء. كما تحاول المليشيات الإيرانية اللعب على العامل الأمني، لدفع المدنيين للانضمام إلى صفوفها، من أجل الحفاظ على حياتهم وعدم تعرضهم للاعتقال من قبلها.
الناشط الإعلامي أحمد العسكر، من ديرالزور، قال لـ”المدن”، إن المليشيات الموالية لإيران تحاول التقرب من أهالي المناطق التي سيطرت عليها في المحافظة، عبر توزيع العديد من قوافل المساعدات عليهم، ونشر مطبوعات بالغة العربية والفارسية تطمئن فيها الأهالي، بأن هدفها هو حمايتهم وتخليصهم من بطش تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأضاف العسكر، أن “هذه الممارسات، بالإضافة إلى تأمين بعض المخيمات لأهالي المناطق التي دخلها “الحشد الشعبي العراقي” في البوكمال، وإظهار المعاملة الجيدة لهم، تأتي في سياق جذبهم إلى التشيّع أو الانتساب إلى تلك المليشيات”.
إيران لم تكتفِ بنشر التشيّع، وأنما تسعى لخلق جيوب تابعة لها خلفية مذهبية شيعية، في بلدتي حطلة ومراط شرقي نهر الفرات، مستفيدة من وجود جزء من أهالي تلك البلدتين معتنقين أصلاً للمذهب الشيعي، وذلك في محاولة لخلق حالة مشابهة لبلدتي كفرية والفوعة في محافظة إدلب، ونبل والزهراء في محافظة حلب.
المساعي الإيرانية لخلق مناطق تبعية مذهبية في تلك البلدتين، تأتي عبر سياسة التغيير الديموغرافي التي تتبعها مليشياتها في المنطقة، عبر السماح بعودة أهالي تلك المناطق من أبناء الطائفة الشيعية، ومنع أبنائهما السنّة من العودة، إلا بعد الانتساب إلى المليشيات العسكرية الموالية لها أو اعتناق المذهب الشيعي. وتخضع بلدتا حطلة ومراط لسيطرة وإدارة عناصر مليشياوية إيرانية وروسية، وتشكيلات عسكرية محلية تقودها شخصيات دينية شيعية مرتبطة بشكل مباشر مع طهران، مثل محمد أمين الرجا، قائد جناح “حزب الله” السوري.
وتعد حالة الحقد التي يحملها أهالي حطلة ومراط، الشيعة، ضد أهالي المنطقة، عاملاً مساعداً في تعزيز التبعية للجانب الإيراني، خاصة بعدما تعرض له أهالي المنطقة من عملية قتل للعشرات منهم منتصف العام 2013، بعد قيام أشخاص من البلدتين باستهداف سيارة تقل عناصر من الجيش السوري الحر، ما تسبب بمقتل وجرح عدد منهم. الأمر الذي دفع فصائل المعارضة بالاشتراك مع “جبهة النصرة” للهجوم على البلدتين، وقتل العديد من الأهالي الشيعة في البلدتين، وتفجير جميع دور العبادة الخاصة بهم، فيما لاذ من بقي منهم بالفرار إلى مناطق سيطرة النظام في حي هرابش وقرية الجفرة. أهالي حطلة ومراط من الشيعة، عملوا خلال تلك السنوات على تشكيل كيانات عسكرية للعودة إلى مناطقهم، فوجدوا في المشروع الإيراني ضالتهم.
أسباب كثيرة تقف وراء اختيار إيران لمحافظة ديرالزور من أجل نشر التشيّع، وأولها موقع المحافظة الجغرافي، الذي يعتبر صلة الوصل بين سوريا والعراق، حيث تحاول إيران إيجاد مرتكزات بشرية تحفظ استمرارية الطريق البري الذي عملت على فتحه، والذي يصلها بالبحر المتوسط ولبنان عبر العراق وسوريا، بالإضافة لعملها على إحداث نقاط فصل جغرافي بين مناطق الامتداد السني في سوريا والعراق.
انتشار الجهل والفقر، وبعد المحافظة عن المراكز الكبرى في سوريا، هي أسباب إضافية لاختيار إيران لديرالزور، ما يُسهّل لها نشر التشيّع بعيداً عن العيون، ومن دون إثارة ضجيج. كما أن عدم وجود بوادر في الأفق لتحرير المنطقة من المليشيات الإيرانية، وحاجة الأهالي للعودة إلى أراضيهم وبيوتهم، تدفعهم لإقامة رابط عسكري أو مذهبي مع تلك المليشيات. ردة الفعل السلبية التي تركها تنظيم “الدولة”، هي سبب أضافي يساهم في نجاح المشروع الإيراني في ديرالزور.
المدن