ابراهيم اليوسف: إن أي حوار مع النظام- وأنا أرفضه- يجب ألا يكون إلا ضمن إطاره الوطني، مع أهل الشهداء الذين دفعوا حياتهم
يعد الحوار خصيصة للوعي، وهو سنة الحياة، بل و ضروري، بالنسبة للإنسان، شأنه شأن الهواء والماء، وبه يمكن أن يتم التواصل ضمن أي نسق حياتي، واجتماعي، أو مؤسسي.
إلا أن الحوار-في حالة النظام السوري- الآن، تحديداً، بعد كل هذا الدم، وفي اللحظة التي خسر النظام الكثير من أوراقه، وجاء تحديه لأول مرة، من الداخل السوري، بحيث أن الثورة السورية، السلمية، المظفرة- من درعا إلى عين ديوار ومروراً بقامشلي- عمت كل سوريا، وهزت عرشه، وبينت مدى ضعفه، بلجوئه إلى لغة القتل، بوحشية فظيعة، وباتت أوراق النظام تعرى أمام نفسه، بعد أن خيل إليه بأنه-بحق- يمتلك تلك القوة الجبارة التي جعلته يخدع العالم كله، بأنه النظام الأنموذجي، داخلاً وخارجاً، وهو راعي الممانعة، والديمقراطية، وسوى ذلك من صفات وخصال لم تتوافر فيه البتة، لأنه مبني على الاستبداد والقمع، والفساد، ويحكم بيد ين من حديد ونار، وهما المفردتان اللتان تميزتا بعطالتهما في مواجهة استرداد الأرض المغتصبة.
كردياً، ثمّة محاولات كثيرة تمّت للحوار مع هذا النظام-في محطات عديدة- خلال العقد الماضي، منها ما كان عبر البوابة الأمنية، معاذ الله، ومنها ما تمّ لأول مرة خارج هذه البوابة، في العام 2006 مع د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية ,عبر جهود حثيثة من د. أحمد برقاوي، وحضره لفيف من المثقفين الكرد، واستغربت آنذاك د. العطار لدى سماعها من الوفد الثقافي الذي كنت من ضمنه، ما يتعرض له الكرد، وقد نشرت وقتها كل ما قلته-من جهتي-على ثلاث حلقات بعنوان” خمس وأربعون دقيقة في قصر الشعب” كما تحدث سواي من الزملاء، كل بطريقته، وطلبت د. عطار مداخلتي على ما أذكر، وكان هذا الحوار هو الوحيد خارج البوابة المعتادة،في تلك المرحلة، ما دفع للتأليب عليه من قبل بعضهم، لاعتبارات متعددة تحدثت عنها، ولم يتحقق مما قلناه-ولو ثقافياً- واحد بالمليون، بل ازدادت الأمور سوءاً، حتى في هذا الحقل، لدرجة أن الشاعر إبراهيم بركات، وبعد إصدار العفو لا يزال يرزح في سجن حلب المركزي، لمجرد إيراده كلمة “كردستان” في قصيدة أهداها لأحد الراحلين، ولاتزال مخطوطات الأديب الكردي حفيظ عبدالرحمن مصادرة، لأنها مكتوبة بلغته الكردية الأم، وهي عصارة ربع قرن من عمره، وكذا حاسوبه، ولن أنسى أن الكاتب سيامند إبراهيم اعتقل بسبب ضبط كتب مترجمة إلى الكردية معه، والأمثلة تكثر، ولا أعتقد أن نظاماً شوفينياً في التاريخ يفعل ذلك..!
من هنا، إن النظام لا يحتاج البتة إلى أي حوار، فالحوار الحقيقي تم، وكان عليه منذ تظاهرة “الحريقة”، وهو أكثر من تشمّ مخابراته رائحة الثورة الحقيقية، بل ورائحة ما لا يحدث، فيستبق ضرباته العنفية، غير سائل عن أي رباط وطني وإنساني مع المواطن، كان عليه الانفتاح على الشعب وإعطاؤه استحقاقاته، واستعادة كرامته إليه، لجعل مهمة الأمن حماية الحدود، لا بناء الحدودوالسدود بين المواطن والمواطن، وبين المواطن وكلمته ورأيه، وسلب حريته، باستخدام الوصفة الأكثر تخلفاً وهي: الاستعلاء على المواطن، وكأن كرسي السلطة امتياز من الخالق، والبدء بتهديد هذا المواطن،مهدور الكرامة، وتقديم وصفات الوعود الخلبية له على امتداد عقود، بحيث أن صورة المخبر الذي يراقب بيت الناشط والمثقف لا تفارق عينيه، وهو يندس في خط هاتفه، أو شبكته العنكبوتية، ودواته، وقرطاسه، وصدى كلمته، وفي مكتبته، وبين قميصه، وتحت جلده، ليضيق عليه الخناق، أنى شطّ عن قاعدة المديح والكذب والتزييف، منحازاً للوطن والمواطن، ليوفد مندوبيه لممارسة كل أشكال الإساءة لمن يقول له: لا…
لقد كنت أكثر من أكد أن هناك حكمة كردية، في موقف الحركة الكردية، ولكن ذلك كان ضمن مدة زمنية محددة، ولي ما قلته، وما لم أقله من مسوّغات ذلك، ولقد ابتهجت أن أجد قادة كرداً يرفضون الاستدعاء الذي تم في صيغة الحوار، مع بعض الوجهاء والأزلام، بيد أنني بتّ أخسر الرهان تدريجياً، أمام انحسار حضورهم مع الشباب الكردي في اعتصاماتهم، بل ذهاب بعضهم لتيئيس شبابنا، وكنت ممن دعوا لوحدة الصف الكردي، في بيان خاص، مع زملاء لي، والتأكيد لمن سألني من الشباب الكردي أن الحركة الكردية هي من تمثلهم،وغير ذلك، أداري سوءات “بعض” القيادات التي فوجئت بها، على حقيقتها، وإن كان بعضها الآخر سيكبر في عيني.
إلا أن المحكّ –الآن- هوأننا جميعاً أمام معادلة سطرها الشباب الكردي، مع سواه من شباب الوطن، وهدم أية حواجز بناها النظام على امتداد عقود، بين الكرد وأخوتهم، شركاء المكان، بأكثر ما فعلته حواراتنا-ضمن إطار الحركة الكردية مع المثقفين، من شركاء المكان- وبأكثر ما كتبناه على امتداد عقود، كل على طريقته، من إبداع وأدب وغير ذلك، وينبغي الحرص على المعادلة التي استردت نفسها، في الفضاء الوطني من جهة، وعدم نسف جزئيات تواجد الطرف الكردي فيها، في ما يتعلق بالرابط بين الشباب وحركته السياسية.
ومن هنا، فإن الحركة الكردية عليها أن تمثل بين صفوفها من يمثلون الشباب، بما لايقل عن عددهم، وهم يصوغون أي رأي، لا بد من أن يضع في عين الاعتبار:
1-إن النظام هو من أقصاه من الحوار، بل ومن الحياة السياسية كاملة، ومن الحياة، وشطب على وجوده، وحقوقه، وأسئلته،على امتداد عقود، ليقدمه في صورة العدو، المشكوك به، ولقد قرأت ما يستفز على لسان قيادات عالية، في ما يخص توصيف الكرد واتهامهم، بما يندى له الجبين.
2-إن دماء شهداء سوريا، وأنات جرحاها، وعذابات معتقليها، هي التي تلفت إليها الاهتمام الآن، ولا بدّ من مراعاة ذلك
3-إن التعويل ينبغي أن يكون على الشعب، لا على النظام،لأن الشعب هو الأبقى.
4-كما أن أي حوار مع النظام- في ما لو تم-وأنا أرفضه في ضوء المأزق الذي أوصل البلد إليه- يجب ألا يكون إلا ضمن إطاره الوطني، بالتنسيق مع أهل الشهداء الذين دفعوا حياتهم، في ساحات الحرية منذ 15 آذار2011 وإلى الآن، و التفاعل مع فضاء أسئلتهم، كي يتم ا-لآن- الاعتراف بمن سيمثل الكرد، والنظام في حالة ” غرغرة” الهيبة والمصداقية، بعد أن تم تجاهلنا لعقود عدة، من دون أن ننسى شهداء وجرحى ومعتقلين كرداً في محطات 2004-2005-2007-2008-2009-2010.
5-إن عدم تحقيق النظام لوعوده مع الكرد، سينسف علاقة الكرد بالمكون السوري، ولن يكون هناك أي تجاوب منه يرتقي إلى روح السؤال الكردي، نظراً للطبيعة البنيوية لهذا النظام نفسه.
6- أدعو الشباب الكردي لأن يكون له رأيه المستقل
7-لا أشك بفحوى الورقة الكردية التي ستقدم، ولا بنوايا وإمكانات من سيكونون في أية لجنة حوارية، ولكن: هل يمكن لنظام طالما راوغ مع الكرد، أن يصدق معنا في هذه المرة؟.
8-لا بد من معرفة أن النظام يحاور-ليناور- وليزيد من عمره، ليس إلا، وإننا الآن لسنا أمام انفتاح على الشعب، ومنهم الكرد، لأن لا حوار في ظل يد على الزناد-كماقلت-أو تحت حصار دبابة كما قال سواي.
9-ثمة فرق بين الحوار والاستدعاء
10- أسئلة شارع الثورة، هي ورقة العمل الوطنية، فهل يجيب عنها النظام، وإن ظهور الرئيس على الفضائية وإعلان ما سيقوم به، كان سيغني عن الحوار، وليس ضرورياً التقاط صور ذكرى، في الوقت أسقطت صور المجازر في شارعنا أية قيمة لهكذا صور.
11-هل استطاع القادة الكرد أن يجروا حوارات مع الشارع السوري-وأنا أقدر ظروف الداخل-على غرار ما أنجزه مؤتمر أنتاليا؟.، وذلك من خلال ممثليهم في الخارج؟.
12- الحوار سيخلق بلبلة كردية، وثمة خوف من أن تظهر هوة أخرى بين الشارع الكردي والأحزاب التي سيتأكد لها أن احترامها نابع من مصداقيتها، في التفاني من أجل رسالتها.
13- النظام الذي جزأ الشعب السوري، في فترة قوته، يعمد الآن لتجزأته وهو ضعيف- واللجوء للقتل نفسه، كما تم الحديث، من قبل، أكبر مؤشر على ضعفه- ولا بد من معرفة كل ذلك، ولست أعرف ما جدوى هكذا حوارات منفردة مع كل على حدة، وهو سيؤدي-لاحقاً- لحوارات كردية مجزأة،تفتيتية، بالطريقة نفسها، مع أني أؤكد أنه لابد من أي عمل لإيقاف نزيف الجسد السوري، وكف يد الاستبداد والعنف … فهل…..؟.
حوار موقع ولاتي مهwelateme.net