صفحات العالم

اختبـار الإخـوان


ساطع نور الدين

لم يكن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي بحاجة الى الإفصاح عن عزمه إقامة حكم الشرع، لأن خطاب النصر الذي القاه غداة إعلان فوزه كان نصاً دينياً اكثر مما كان نصاً سياسياً، وكان يبوح بنيته تحقيق الحلم الذي راود كل إخواني منذ اكثر من ثمانين عاماً.

لوهلة بدا مرسي في خطبته، وكأنه احد الصحابة، يتلو آيات من القرآن، ويستعيد الحديث النبوي حيناً ويردد أقوال الخلفاء أحياناً، من دون ان ينسبها إليهم، ويستخدم مفردات ليس لها مصدر واحد وثقافة محددة وسياسة لا لبس فيها: الديموقراطية عنوان عريض يحتمل تداول السلطة، لكنه يغفل حقيقة راسخة لا جدال فيها هي ان الدولة المدنية، بل العلمانية، هي شرط مسبق وإلزامي، لا شك ان الرئيس الإخواني يعرفه، ويرفضه، حتى ولو جاء على شكل نصيحة أخوية من الإخواني التركي رجب طيب اردوغان.

لعل مرسي تعمد إظهار قدر من التوازن، عندما شطب من خطابه الإشارة الى الدولة المدنية التي جاءت به الى الرئاسة، والدولة الدينية التي ستخرجه من السلطة عندما يبدأ الاختبار الحقيقي في كتابة الدستور ومادته الثانية الخاصة بالشريعة، وعندما يلبي «الأهل والعشيرة» النداء الذي وجهه الرئيس المنتخب في خطبة الفوز، ولم يشعر عموم المصريين انه كان يقصدهم..بل ان بعضهم اشتبه بأن «عشيرته» التي تحدث عنها ليست سوى جماعة الإخوان المسلمين وحدها، التي اصبحت مرجعاً خفياً للحكم او على الأقل لرئاسة الجمهورية.

قد يكون من السابق لأوانه الاشتباه بالنيات والبرامج الإسلامية للرئيس الجديد، والجماعة التي رشحته وخاضت معركته بشكل مريب، لأن فوزه الانتخابي لم يكن ساحقاً، وجاء بأصوات القوى المدنية التي هبت لمواجهة مرشح النظام السابق احمد شفيق وناخبيه الذين يمثلون شريحة تستحق التوقف عندها، على الرغم من انها ضمت الكثيرين من الانتهازيين والخائفين من أسلمة مصر.

الاختبار في بدايته، لمصر وثورتها التي فتحت الباب امام مسيرة ديموقراطية واعدة، بات يصعب على العسكر أو الإخوان الانقلاب عليها او التنكر لها.. لكنه ما زال بإمكانهما تأجيلها الى ما بعد فترة السنتين المرتقبة لتصفية الحسابات القديمة بينهما، التي يفترض ان تسهم في صياغة الدستور الجديد، وفي تنقية مجلس الشعب من الوجوه الإسلامية التي أوصلتها الصدفة الى مقاعد التشريع.

لم يكن الرئيس المنتخب في خطبة النصر رئيساً لكل المصريين، ولم يكن رمزاً لكل العرب. لا احد يستطيع ان يشكك بفوزه، بل بوعده الديني المنافي للثورة المدنية الديموقراطية. لكنه استحق فرصة يمكن ان تثبت خروج الإسلاميين العرب من عصور الظلام الى عهود النهضة الموعودة.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى