الأزمة السورية بعد الفيتو الروسي
سمير سعيفان
بانتقال الأزمة السورية لتصبح قضية على طاولة مجلس الأمن وبغطاء عربي، ينخرط المجتمع الدولي دون رجعة في هذه الأزمة.
في البداية اطلق بشار الأسد جملة من ‘مبادرات الحوار’ التي ما لبث ان اجهضها واحدة تلو اخرى.
في كلمته الأخيرة ثبت بشار الأسد جملة من القضايا حول تصوره لمخارج الأزمة اهمها:
– ان حلها بيده وبمنطقه،
– ثانيها ان ما تم من اصلاحات على الورق هو سقف ما يمكن ان يقدمه النظام،
– ثالثاً، هزأ بشار بكل المعارضة وهزأ بقوى الحراك الثوري في الشارع.
أي هو يضع نفسه كسقف لأي إصلاح وأن هذه الإصلاحات لا تمس جوهر النظام السابق ولا يستجيب ولو بحد أدنى لأدنى مطالب الشعب السوري.أي هو لم يفهم جوهر ما يجري. وبذلك اسقط من يده أي حل داخلي سوري.
ثم جاء قبول النظام السوري بالتفاوض مع الجامعة العربية حول مخارج الأزمة،وهو تنازل لم يكن من الوارد التفكير فيه لشهور سابقة، ليكون مؤشراً على بداية خروج الأزمة من يد النظام.فعلى عتبة تلك المرحلة كانت السيناريوهات السائدة هي اما تغيير من داخل النظام يأتي نتيجة انفكاك كتلة هامة من مكوناته، لتفتح الطريق امام تغيير النظام دون الحاق ضرر كبير في بنية الدولة، أوالحرب والاقتتال الأهلي بالطبع. وبدا انه مع اصرار بشار الأسد على القتل واشعال البيدر واستمراره في التجييش الطائفي من جهة، وعناد الثوار من جهة اخرى، لا يمكن تفادي الانزلاق إلى الكارثة إلا بإحتضان عربي لمخرج تفاوضي يضمن ويحمي كل طوائف المجتمع ومكوناته في اطار عملية انتقالية طرية نسبياً.
وبالمقابل، كان منطق العملية السياسية في حينه، من وجهة نظر المعارضة السورية، تجاه المبادرة العربية يهدف إلى اتاحة نافذة زمنية للحراك الثوري لالتقاط الأنفاس. وكان هذا المنطق يعمل على مستويين: فان كانت مبادرة الجامعة قادرة على ضبط وادارة عملية هبوط طري لتغيير النظام والانتقال نحو التغيير الديمقراطي فليكن وهذا احسن الأحوال، وإما ان يستمر النظام في مراوغته ومنطقه، ليعطي ذلك فرصة لقوى الثورة والحراك المجتمعي في الداخل بالتقاط انفاسها ولتكون النتيجة عندئذ، انفضاح اكبر ليس فقط للخطاب السياسي للنظام، بل ولخطابه الاعلامي والدبلوماسي الدولي.
بالمراوغة والمخاتلة، أخرج بشار الأسد الأزمة من يد الجامعة العربية، ملقناً درساً قاسياً لذلك البعض من العرب الذين اعتقدوا بصدقه اوعلى الأقل، بقدرته على استنتاج الدروس.
ومع بدء تعثرالمبادرة كان المجتمع الدولي يحاول لملمة مواقفه من أجل إنضاج جملة من العوامل. فلقد كانت الولايات المتحدة والغرب عامّة راغبة في تشكيل موقف دولي معتدل يفتح الطريق أمام إنتقال هادئ للسلطة مع تصميم واضح على سحب شرعية بشار الأسد وتغيير بنية النظام دون تعريض الدولة السورية للتفكك أو التداعي. وكان هذا أهمّ الدروس التي استقتها الولايات المتحدة من عدوانها على الشعب العراقي.
كما أنّ الوضع السياسي داخل الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية لم يكن جاهزاً بعد لتورط مجهول الأفق في مغامرة خارجية خاصة أنّ تأكيدات المعارضة السورية بقدرتها على ضبط الأوضاع الداخلية، بما يضمن مشاركة كافة مكونات الشعب السوري في المرحلة الإنتقالية ناهيك عن قدرتها على تحقيق تمثيل جامع لهذه المكونات لم يكن مقنعا.
ومع إصرار النظام على سياسته باستخدام العنف الأقصى، وافقت الولايات المتحدة على دور روسي تسعى روسيا من ورائه إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية في سوريا مع النظام المقبل مقابل دعم عملية التغيير الكامل للنظام الحالي،وتركت الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية فسحة لروسيا لعلها تتمكن بعلاقاتها مع إيران ومع مكونات سورية مختلفة إضافة لعلاقاتها المتجذرة في الجيش من تحقيق التغيير المطلوب.
وعلى التوازي كانت الجامعة العربية تسير قدماً في إنضاج موقف عربي يحتضن مبادرة دبلوماسية تمهد لانتقال آمن للسلطة وتحقيق تطلعات الشعب السوري. وبذلك كان يفترض أن يحصل تقاطع بين دور الجامعة العربية والدور الروسي في لحظة معينة تمهيداً لإطلاق عملية سياسية في هذا الإتجاه تتبناها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
لكنّ تعنت الأسد من جهة ورفضه في اللحظات الأخيرة القبول بالتعديلات التي وافقت عليها روسيا لقرار مجلس الأمن ناهيك عن استمرار الأجهزة الروسية في تقديراتها بانّ نظام الأسد يستطيع الصمود لفترة، و تقديراتها بانّ روسيا لم تتمكن بعد من ضمان مصالحها، أدى إلى تراجع روسيا عن موافقتها.
الموقف بعد الفيتو الروسي في مجلس الأمن:
أصبحت المعركة بين الغرب وروسيا تجاه سورية معركة ‘كسر عظم’. فسوريا أصبحت حجر الصدام بين الطرفين حيث تسعى روسيا لتأكيد دورها. وأصبحت، حتى بعد زيارة لافروف إلى سورية،دولة وحيدة تتعامل مع النظام السوري، فالصين تتبع موسكو برخاوة كما يبدو. وقد فقدت روسيا قدرتها على التفاوض مع الحراك الثوري وقوى المعارضة السورية وأخرجت نفسها من المعادلة السياسية للحل السوري، لكن في المقابل لا تزال روسيا مصرة على لعب دور يتمّ إخراجه من قبلها وقد يكون هذا الدور متمحورا حول العمل على تشكيل حكومة إنتقالية وتحقيق بعض من الإصلاحات، لكنها ماتزال تعمل من داخل النظام الأمر الذي وضعها أمام مسؤولية مباشرة عن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها النظام في وقت لم تستطع فيه الدبلوماسية الروسية تحقيق أي تقدم حقيقي مع بشار الأسد الذي لم يواجهها إلا بالمماطلة والمخاتلة وبذلك يصبح معيار أي وزن للدور الروسي هو مدى قدرته على تحقيق تغيير حقيقي في سلوك النظام فلقد بدأ النظام يتشرنق حول نفسه ليختنق بخيوط سياساته الصماء.
وإذ يحاول الروس بأشكال مختلفة إتهام تركيا بالمسؤولية عن العنف المضاد للنظام فإن تركيا التي اتخذت في الأشهر الأخيرة موقفاً أقل انكشافاً على الصراع تعود لتدخل في إطار تحالف دولي أصبح يجد لنفسه كل الغطاء الأخلاقي والسياسي والدبلوماسي لتجاوز الارتهان لمجلس الأمن.
وإذ يتدهور الوضع الإنساني والمعاشي وإذ تتصاعد أعمال القتل والتدمير بشكل منقطع النظير يفتح هذا السلوك الباب عريضاً لتشكل ‘التحالف الدولي لأصدقاء سورية’ وهاهو يضم إلى جنباته قوى كانت أصلا متناقضة ومتصارعة بما فيها فرنسا وتركيا.
ثمّة سؤالان يسودان المناخ الدولي في هذه المرحلة كيف ؟ ومتى؟
فكيف يمكن الخروج من الحالة الراهنة؟ ومتى يصبح التدخل الدولي ضرورة لدرء المخاطر الإقليمية الناجمة عن إنفلات الوضع السوري، مجمل هذه المخاطر يدفعنا لاستنتاج السيناريوهات التالية:
1 دعم دولي سياسي وعسكري للشعب السوري مقابل استمرار دعم روسي للنظام:فعلى افتراض استمرار الموقف الروسي واستمرار النظام في منطق العنف الأقصى وقيام المجتمع الغربي والعربي وتركيا بتقديم الدعم السياسي والإغاثي دون تدخل عسكري.حيث من الممكن تصور بقاء الدور الدولي عاطلاً بكفاءته ومعطلا بعوامل داخلية وخارجية في بعض الدول الغربية، فإن ترافق ذلك باستمرار الموقف الروسي ستسير الأزمة السورية باتجاه المجابهة الشاملة وستتصاعد مخاطر اندلاع الحرب الأهلية إضافة إلى مخاطر تداعي بنية الجيش والدولة. وستصبح، للأسف، سورية ساحة مفتوحة لصراع دولي في وقت تخرج الأزمة السورية من يد روسيا لتفقد تدريجياً أي سهم في تشكيل الحل النهائي. وسيؤسس هذا الموقف، ليس فقط لتدهور موقع روسيا في العالم العربي والشرق الأوسط، بل وعلى مستوى مصداقيتها الأخلاقية وقدرتها على أن تشكل قطباً بديلا أخلاقيا لتعسف الغرب تجاه المنطقة وتجاه الشعوب. هذا السيناريو يعني تدهور البلاد نحو حرب أهلية قد تستغرق أكثر من سنة لحسم الموقف ولكنه سيحسم وسيسقط بشار الأسد ونظامه ولكن بتكاليف كبيرة.
2- تطوير السيناريو الأول باتجاه تدخل لحماية المدنيين:قد يدفع تزايد عنف النظام ووحشيته في قمع المتظاهرين إلى تزايد الضغط الدولي بشكل هائل لقطع دابر تدهور الأوضاع وفي رأينا أن هذا التدهور سيجبر المجتمع الدولي على تجاوز الاستعصاء في الأمم المتحدة، وتجاوز التعسف الروسي في حق الفيتو. وفي هذا المنحى سيتم، إضافة للدعم السياسي والإغاثي الغربي والعربي وتركيا، قد يتطور إلى اتخاذ قرار من قبل تحالف دولي ‘تحالف أصدقاء سورية’ بالتدخل لحماية المدنيين وفرض منطقة حظر جوي وملاذات آمنة وتوجيه ضربات للقوى الجوية وللمدرعات والمدفعية التي تتحرك باتجـــاه المـــدن والبــلدات. وهذا قد يساعد على الــحـــسم بسرعة أكبر من السيناريو الأول.
3- دعم غربي وعربي سياسي ومادي مع تحول إيجابي في الموقف السوفيتي:من الممكن تصور أن الروس يعرفون الوضع جيداً ويعرفون أن لا مستقبل لبشار الأسد ونظامه ولا يمكن إنقاذهما مما يؤدي لتراجع الموقف الروسي لاستدراك الخطأ الفادح الذي ارتكبه الروس نتيجة لحساباتهم بإدارة ظهرهم لإرادة الشعب السوري والمجتمع الدولي، هذا التحول سيؤدي لتزايد الانشقاق وتدهور الوضع الاقتصادي وزيادة العزلة إلى حد الخنق قيام مجموعة كبيرة من ضباط الأسد والمولين له بالضغط على الأسد. وفي النهاية سيشعر الأسد بالضعف ويضطر لقبول التخلي عن السلطةوستتاح فرصة هامة لتحقيق منعطف في الأزمة وتأمين عملية انتقال سلمي وتغيير للنظام. فالمطلوب هو تأمين حاضنة دولية تكفل مصالح ودور كافة فئات الشعب السوري سواء في مرحلة الانتقال أم في مرحلة التغيير.
‘ كاتب سوري
القدس العربي