الأزمة السورية… محنة المرأة/ خليل علي حيدر
مظاهر البؤس والشقاء تحاصر دمشق عاصمة الأمويين هذه الأيام. أينما حللت، فيها، قالت صحيفة الحياة، تحاصرك مشاهد التعساء والمعذبين (17 – 10 – 2013). «رجال مسنون تائهون، عجزة وأصحاب عاهات يفترشون شوارعها والدروب.
متسولون ينتشرون في طول المدينة وعرضها. أطفال في عمر الورود يتراكضون من سيارة إلى أخرى يتوسلون أصحابها بضع ليرات عند كل إشارة مرور. عائلات تحمل فوق أكتافها حقائب لا تعرف متى تضعها ولا أين تكون محطتها المقبلة.
يصعقك في دمشق عدد النساء اللواتي يجبن الشوارع بأياد ممدودة، سيدات هربن من جحيم الموت والاقتتال في الأرياف القريبة، فتحولن من أمهات وربات منازل إلى متسولون وبائعات على الطرق الموحشة».
ظاهرة التسول تتفاقم في المدينة مع سعة انتشار الحرب ودمار مناطق الريف. «قبل اندلاع الثورة السورية»، يضيف التقرير، «كان التسول يقتصر غالباً على فرد من العائلة، أما اليوم، فباتت عائلات بأكملها في الشارع. كما بات من المألوف رؤية أفراد عائلة كاملة يقيمون في بناء مهجور، أو في حديقة، ويلتحفون بضع قطع من الخرق البالية».
النساء الهاربات والمغادرات لسوريا مع أولادهن، يلجأن إلى دول الجوار، كالأردن، بمشاكلهن العائلية. السيدة «أسماء» لجأت إلى «دار الوفاق الأسري» في مدينة «إربد»، 80 كيلو متراً شمال العاصمة الأردنية عمّان، هرباً من ظلم زوجها المدمن وعنفه.
في نوفمبر الماضي، نددت 60 منظمة حقوقية بتعرض العديد من النساء في سوريا للاعتداء والاغتصاب والتعذيب، واستخدامهن دروعاً بشرية وخطفهن لممارسة الضغط على عائلاتهن وإذلالهن.
أكثر من ستة آلاف امرأة تعرضت للاغتصاب منذ بداية النزاع في سوريا، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي على يد قوات النظام، عند نقاط التفتيش وفي مراكز الاحتجاز، للإذلال وتحطيم المعنويات من هذه الحالات الواردة في تقرير المنظمات الحقوقية حالة شابة تدعى «عايدة» تنحدر من «طرطوس»، وعائلتها مقربة من الإخوان المسلمين المناهضين للنظام. فخلال احتجاز عايدة بين أكتوبر 2012 ويناير 2013، تعرضت الفتاة للاغتصاب مرتين عشية مثولها أمام القاضي!
ونقلت الصحف تقارير عن اللاجئات السوريات من القسم الشرقي في العاصمة الأردنية وما عانينه في «حي بابا عمرو» الذي يُعد مركزاً للحملة العنيفة لقوات بشار، فقد تحدثن عن حياتهن هناك في ظل الخوف من التعرض للاغتصاب والتعذيب، وكذلك عمن فقدن من الأهل والأقارب. وقالت لاجئة: الأم ترى ابنها يذبح أمام عينيها ولا تجرؤ على أن تنطق بكلمة واحدة، قد يُعتقل زوجها أمامها ولا تجرؤ على الاعتراض. إن نطقت بكلمة قد تتعرَّض للاغتصاب أو الاعتقال، فهل تستطيع الأم تحمل كل هذا؟
وتؤكد التقارير التي تعدها الجماعات الحقوقية أن قوات الأمن السورية الحكومية استهدفت النساء خلال الثورة والحرب الأهلية، وتعرضت آلاف منهن للتعذيب والاغتصاب. وذكرت محامية سورية من دمشق أن بعض المحتجزات اللاتي تزورهن في السجون يعانين كدمات وقرحاً مفتوحة في أقدامهن وجلدهن وعدوى في العين وتحمل أجسادهن بقعاً من الدماء المتخثرة. وقال أنور البني، المحامي الحقوقي الذي يقيم في دمشق كذلك، إن احتجاز النساء يتم عادة من دون اتهامات، ويحتجز بعضهن لقيامهن بتهريب الغذاء عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش، أو لأنهن يحتفظن بصور مسيرات مناهضة للأسد على هواتفهن النقالة. لم تحمل أيٌّ منهن السلاح أو تقاتل القوات الحكومية، وقدر عدد السجينات اللاتي ما زلن على قيد الحياة في مراكز الاحتجاز في سوريا بين 3000 – 4000 سجينة.
وأضاف أن بعض النساء يحتجزن كرهائن لمبادلتهن برجال مطلوب القبض عليهم، «وإمعاناً في الذل يُعذبن على أيدي رجال، ويُجبرن أحياناً على التعري، وهناك حالات اغتصاب خلال الاحتجاز، وإذا لم تُغتصب يرجح تهديدها بذلك». (القبس: 13 – 11 – 2013).
المرأة السورية كذلك أسهل الأهداف للمتشددين الإسلاميين. الذين يحرمونها من أبسط حقوقها ويتسلطون على حياتها ويراقبون أدق تفاصيل وجودها البشري! وتقول إحدى السوريات إنها «تفضل البقاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة لأنها، رغم المخاطر التي تواجهها لا تتعرض لمضايقات لمجرد أنها امرأة».
وأضافت: «لا أثق بالمعارضة، ولا أعتقد أن حياتنا ستكون أفضل، خاصة النساء». وحتى لو فرّت الأسرة إلى الخارج فإن حياتها في الملاجئ والمخيمات قطعة أخرى من العذاب.
الصحفية اللبنانية «ديانا مقلد» رسمت الوضع في سورية بظلال كئيبة: «في سوريا يشعر الأهالي الباقون بأن الجميع تخلى عنهم، فالنظام لا رادع لبطشه، و«داعش»، حيث تسيطر، لا قوّة مواجهة لها، والحراك المدني في سوريا بات شبه معدوم بعد موجات من الهروب والهجرة من قبل الناشطين الذين يتعرّض من بقي منهم لخطر قتل وموت حقيقي». وتحدثت الكاتبة عن حالة فردية من البطولة النسائية تقوم بها «سعاد نوفل»!
«إنها المرأة التي تواظب منذ أكثر من شهرين على كتابة لافتات والتظاهر وحيدة أمام مقر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «داعش»، في مدينة الرقة، لتندد بما ترتكبه هذه الجماعة من قتل واعتقال وتعذيب بحق السوريين وما تمارسه من قوانين تعسفية على السكان، خصوصاً النساء. وسعاد معلمة ضئيلة الجسم سبق أن تظاهرت ضد النظام السوري، واليوم تحرص على النزول يومياً وكل مرّة بلافتة جديدة ترفعها أمام مقر «داعش»، متهمة إياهم بأنهم جماعة ظلامية يخدمون النظام وينكلون بالسوريين تماماً كما ينكل بهم بشار الأسد».
وتحدثت وسائل الإعلام عن فوضى الهيئات الشرعية وأحكامها المتشددة في حلب. وكان لافتاً، كما جاء في الصحيفة نفسها، «القرار الذي أعلنته الهيئة الشرعية أخيراً في تعميم حمل الرقم 8، وتضمن فتوى بتحريم تناول «الكرواسان»، وهو نوع من المخبوزات المعجونة بالزبدة، باعتباره يحمل دلالة استعمارية».
وقالت الهيئة موضحة أن الكرواسان، ويعني الهلال بالفرنسية، صُنعت على شكل «هلال» ليأكله الأوروبيون في أعيادهم ويحتفلوا بالنصر على المسلمين، إذ أن الهلال كان شعار الدولة الإسلامية. وكانت هذه الـ «هيئة الشرعية» قد تشكلت باتفاق بين أكبر ألوية بحلب هي لواء التوحيد وأمراء الشام وجبهة النصرة وصقور الشام».
ولكن ما لبثت أن انضمّ إليها غالبية الألوية والفصائل مثل الفتح، وتجمع «فاستقم كما أُمرت»، ولواء «أحرار سوريا»، و«لواء النصر»، و«دولة العراق والشام الإسلامية» وغيرها من الألوية، لتكون الجهة القضائية الأولى في مدينة حلب. لكن سرعان ما انشق عن الهيئة «النصرة»، لتشكل هيئة شرعية خاصة بها. ثم تبعتها تنظيم «الدولة الإسلامية» التي أقدمت على الخطوة ذاتها وأسست هيئة شرعية خاصة بها، ليصبح نتيجة ذلك سكان الأحياء «المحررة» في حلب، تحت رحمة فوضى الفتاوى الدينية المتضاربة من جهات ومرجعيات مختلفة».
الاتحاد