الأسد بين الملك والرئيس
طارق الحميد
قراءة أحداث 24 ساعة في منطقتنا تكشف عن الكثير، والأخبار، حسب الترتيب، هي: ملك الأردن يعلن أن الأغلبية البرلمانية تشكل حكومة بلاده، وأردوغان يغني وسط شعبه الذي أعاد انتخابه، بينما يعلن لبنان تشكيل حكومته، وأول المهنئين الأسد، الذي أعلن جيشه «تحرير» جسر الشغور!
ثلاثة أخبار في 24 ساعة تلخص حال منطقتنا، ومشكلاتها. فهذا ملك يتنازل عن بعض صلاحياته، ليقف عاليا في مشهد مضطرب، استجابة لشعبه، ويقدم على خطوة إصلاحية تضع بلاده في مصاف الملكيات الدستورية، علما بأن مملكته الأردنية تطل على أشد الحدود خطورة اليوم؛ فهناك سوريا الثائرة، ونظامها القمعي، والعراق الذي لم يستقر، وهناك إسرائيل التي لا يمكن أن تؤتمن بأي حال من الأحوال، وليس لديه جار بيد وقلب مفتوحين إلا السعودية!
أما تركيا، فرأينا رجب طيب أردوغان يقف منتشيا، وبتواضع، يغني مع أبناء شعبه، وهو الزعيم الإسلامي، كما يصفه محبوه، بعد أن انتخبه الأتراك بكافة مشاربهم، يتعهد بأن تكون تركيا نموذج الديمقراطية في العالم العربي.. يحتفل أردوغان بديمقراطيته وسط الفسيفساء التركية، ويقول لشعبه: انتصرنا.. لكننا لسنا سادة، نحن خدم للشعب التركي. في الوقت نفسه الذي تقدم فيه حكومته يد العون للشعب السوري الذي فر منه قرابة 6 آلاف من بطش نظام الأسد، ولا عجب أن انشغل السوريون أمس يهنئون الأتراك بأردوغان، والأردنيون بعبد الله الثاني، بينما كان الرئيس الأسد يهنئ نجيب ميقاتي بحكومته الجديدة.. أو قل حكومة سوريا – حزب الله! وكما أسلفنا، فهذا ملك يستجيب لشعبه، وهذا رئيس وزراء يحتفي بانتخابه، وكلاهما جيران، ولديهما حدود مع النظام السوري، أي: تركيا والأردن، بينما نظام دمشق مشغول بقمع شعبه، وترتيب حكومة لبنان. ويالها من حكومة، فوزير خارجيتها الجديد هو سفير لبنان السابق في طهران!
فهل بعد ذلك كله يمكن التفاؤل بما سيفعله النظام السوري، على الرغم من الدعاية المضللة عن رغبته بالإصلاح؟ أشك في ذلك. فجميع الأحداث تقول: إن نظام الأسد خارج الزمان، وضد متغيرات المكان. فالنظام في دمشق يعمل بفارق توقيت مهول، عمره أربعون عاما؛ حيث يتحدث عن الطائفية، والحرب الأهلية، والمؤامرة الخارجية، وهي أمور لم تعرفها المنطقة إلا بعد تشكل محور دمشق – طهران – لبنان، أي منذ التأسيس للثورة الخمينية في إيران.. وخذ هنا مثالا بسيطا، فحكومة لبنان الجديدة جاءت بسبعة وزراء سنة مقابل خمسة شيعة، لأول مرة منذ اتفاق الطائف، وهذا يعني أنها رسالة للداخل السوري أكثر من لبنان، فالنظام لا يريد استفزاز أكبر مكون في الشعب السوري، أي السنة. والدليل الآخر أنه منذ اندلاع الثورة السورية لم يزُر وزير خارجية إيران سوريا إلى الآن، ومعلوماتي أنه طلب، لكن دمشق رفضت؛ لأن في ذلك استفزازا داخليا، على الرغم من أن الشعب السوري يرى الإيرانيين بعينه الآن هناك.
لذا، فخلاصة القول: إنه لا أمل في أن يقوم النظام في دمشق بأي إصلاح، والسبب، بكل بساطة، هو أن النظام يعيش خارج نطاق الأحداث والزمان، ولا يزال يتصرف بعقلية عمرها 40 عاما؛ حيث لم يدرك حجم المتغيرات حوله، وأولها المتغير الداخلي في سوريا نفسها.
الشرق الأوسط