صفحات سورية

الأسد يسحب لقمة اليتيم ليطعم مقاتليه: لماذا لم تؤدّ الأزمة لانهيار الإقتصاد السوري؟/ أحمد كمّ الماز

غازي عنتاب ـ ‘القدس العربي’ أقيمت الخميس الماضي في وزارة العدل السورية في دمشق، ورشة عمل حول تطوير عمل دائرة ‘الأيتام’ التابعة للوزارة ذاتها، وعلى أثر الورشة أقرّ الدكتور نجم الأحمد وزير العدل إحداث لجنة لصياغة قانون أموال الأيتام والقصّر ومن هم دون سن البلوغ كما لناقصي الأهليّة، كما وتم الإعداد لإحداث هيئة تقوم باستثمار هذه الأموال، وتخصص هذه الهيئة قاض شرعي في دائرة الأيتام بكل عدلية.

الأمر الذي قد يبدو للمراقب الخارجي بالشيء الحسن، إلا أنّه يحمل في ثناياه الكثير من مدلولات المنهجية التسلّطية لنظام الأسد في شرعنة أفعاله، بالإلتفاف حول القوانين والأعراف بستار ذا نسيج قانوني ، طالما أن دستور البلاد قابل للتعديل بأي وقت ليلائم مقاس جسد مصالح القيادة.

فلماذا يسعى النظام الآن الى إعادة صياغة قانون يتيح له أصلاً استثمار تلك الأموال ضمن ضوابط محددة؟

ما يزال الكثير من المراقبين المتخصصين يتوقعون لحظة الإنهيار الكامل للإقتصاد السوري، فمنذ بداية الحراك في آذار/مارس 2011 والنظام السوري يستهلك النصيب الأكبر من اقتصاد البلاد في استخدامه للقوة المفرطة ضد معارضيه والثائرين عليه، وتوقّع الإقتصاديون المراقبون للحدث انهياراً لقيمة العملة المحلية، والذي لا يعني فقط ذلك التراجع البطيء في قيمة العملة، بل التردي السريع في قيمتها، وبفوارق شاسعة، لكن هؤلاء ورغم إصرارهم على أن تلك اللحظة آتية لا محالة، إلا أنهم لا يُخفون تعجّبهم من أنها تأخرت أكثر بكثير مما توقعوه.

منذ قرابة العامين نشر الخبير الإقتصادي السوري سمير سعيفان بحثاً حلل فيه هذه التوقعات قائلا: ‘اذا لم يحصل ‘أي النظام’ على قروض كافية من حلفائه في روسيا وإيران سيطبع النقود وسيقفز سعر الدولار حينها’ مضيفاً أن الدولة تخشى من طبع النقود لأن ذلك قنبلة اجتماعية موقوتة، لكنه قد يضطر إلى ذلك لدفع رواتب المقاتلين من الجيش’.

فبالإضافة الى مثلث الحلفاء الأقرب لنظام الأسد ‘روسيا، ايران، العراق’ الذي يمد الأسد وبشكل مستمر ومتناوب بالدعم السياسي والعسكري والإقتصادي المنقطع النظير، فقد لجأ النظام أيضاً عبر السنوات الثلاث الأخيرة الى عدة منافذ لا قانونية لسد فجواته الإقتصادية الواسعة، يتمثّل في شبكات الفساد وتهريب السلاح ومواد التدفئة ومشتقات النفط والسلع الأخرى الضرورية لاستمرار الحياة والصراع أيضاً في ذات الوقت، وهي بطبيعة الحال شبكات تغذي جوانب هامة من التمويل المقدّم لكلا الأطراف، من بينها النظام.

وقدم المحلل الإقتصادي السوري جهاد اليازجي في نهاية العام 2012 أيضاً دراسة عن نشأة إقتصادية بديلة في سوريا، بحيث يمكن ملاحظة أنظمة عيش مستحدثة مع دورات اقتصادية موازية نشأت من أموال الخطف والسلب، وبيروقراطية رسمية مستمرة في استيفاء الرسوم ودفع رواتب الموظفين، كما تحدّث أبو هادي’ من إحدى المجالس المحلية في مدينة حمص عن الإقتصاد المبني على السرقات المزدهر رواجها اليوم، طارحاً الأمثلة عن الأسواق التي انتشرت في أنحاء البلاد والتي يتم فيها بيع كل ما سرق من المناطق التي اجتاحها النظام وبأسعار بخسة، كسوق الزهراء في حمص و سوق ضاحية الأسد في ريف دمشق وغيرها الكثير.

كما وانتعش على التوازي من ذلك اقتصاد الوسطاء عبر مكاتب تحويل الأموال والتي حققت أرباحاً كبيرة في الفترة الأخيرة بحيث تتقاضى نسبة على المبالغ المرسلة من منطقة إلى أخرى’.

ويضاف على كل ما سبق، تلك المراسيم والقوانين التي تفصّلها السلطات التنفيذية للحكومة السورية لتناسب مقاس قامة الطلب لدى القيادة الأمنية والفعلية في سوريا، فقبل قرابة الأسبوعين تقريباً سرّبت وسائل الإعلام قائمة تضم مجموعة من رجال الأعمال السوريين المقيمين في الخارج سيتم مصادرة أملاكهم داخل سوريا لتوزيعها على أسر الشهداء والمصابين من صفوف الجيش والقوات المسلحة الموالية للأسد، وضمّت القائمة كل من ‘نبيل الكزبري، محمود عنزروتي، أيمن أصفري، معتز الخياط، زهير سحلول، وعماد غريواتي’وآخرين’، ويذكر أن قبل ذلك طرحت قائمة مماثلة ضمّت أكثر من سبعين شخصية سورية بين سياسيين ومثقفين وفنانين سوريين، بغرض مصادرة أملاكهم أيضاً.

ومع التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة الميدانية السورية في الأيام الأخيرة وخاصة ‘جبهة الساحل، وحلب، وريف دمشق’ والخسائر الكبيرة التي يتكبدها النظام السوري من العتاد والأرواح ضمن صفوف مقاتليه، مع ازدياد الضغط الشعبي عليه من قبل الحاضنة المصطفة لجانبه، بسبب سوء الأحوال المعيشية، فقد لجأ نظام الأسد مؤخراً عبر وزارة العدل في حكومته الى صياغة احتيال سلطوي عبر صيغة قانونية يستطيع بها تحريك أموال الأيتام وقاصري السن والأهلية، والتي تبلغ مليارات الليرات بحسب حديث وزير العدل نجم الأحمد، بحيث تمكّنه من الإستيلاء على هذه الأموال عبر قنوات الإستثمارات المزعومة والتي يعيها تماماً المواطن السوري كالغطاء الأكثر سترةً لعمليات السرقة والفساد المتفشي في الحكومة.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى