الأطفال المسلحون: أي استثمار في المستقبل؟/ حسام عيتاني
بماذا يختلف الطفلان المسلحان برشاشيّ كلاشنيكوف اللذان ظهرا في مقطع فيديو وكالا سيلاً من الشتائم النابية لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عن «أشبال الخلافة» الداعشية الذين كانوا يظهرون شاكي السلاح متوعدين العالم بتفجيرات وأعمال قتل وذبح أو يباشرون إعدام سجناء ورهائن بطلقات في الرأس؟
الطفلان الحاملان علم واحدة من الحركات المشاركة في البرلمان وفي الحكومة اللبنانيين، ليسا أكثر من عينة منتشرة بين كل الطوائف المسلحة في لبنان وخارجه في هذا المشرق العربي. اللغة ليست مهمة هنا، سواء كانت مستقاة من قاموس الشوارع أو مستندة إلى العبارات الدينية. ما يجدر أخذه في الاعتبار هو الموقف العدائي الذي يُلقّن للأطفال المسلحين ودفعهم إلى الظهور أمام كاميرات وسائل التواصل الاجتماعي موجهين رسائل الوعيد والتهديد إلى الخصوم الآخرين، وهو الشعور المشؤوم بضياع المزيد من الأجيال الجديدة من شعوبنا في متاهات العنف والقتل والدم، والاعتقاد بأن هذا هو السبيل الوحيد للسياسة وللتعامل مع من نختلف معهم والذين تتساوى لغة التخاطب معهم أكانوا من أعداء الخارج أو الداخل أو من المواطنين الذين قد نختلف أو لا نختلف معهم على تدبر أحوالنا.
الضجيج الذي رافق استغلال «أشبال الخلافة» الداعشية يقابله صمت حيال استعراض أطفال لبنان المسلحين. جاء الأولون من خارج المجتمع الذي هبطوا عليه في سورية والعراق، أما الأخيرون فمن صلب الشقاق الأهلي اللبناني الذي يغطي تخريج أجيال متعاقبة من المسلحين الذين يذودون عن حياض الطوائف وزعمائها ورموزها. جمعيات كشفية وهيئات شبابية وأجنحة للنشاط النسوي، لا هدف حقيقياً لها غير إعداد المؤيدين المقبلين المستعدين للتضحية بالروح وبالدم من أجل عزة الجماعة وقائدها.
وثمة فارق بين أطفال «داعش» وأطفال الطوائف المسلحة، هو أن التنظيم الإرهابي ظل خارج الدولة وليس المجتمع الذي فرض نفسه عليه فحسب، مخترعاً إطاراً سياسياً خاصاً به سماه «دولة الخلافة» أو «الدولة الإسلامية» التي قدمت نفسها كنقيض للدول القائمة وصولاً إلى الاحتفال بإزالة الحدود بين سورية والعراق، على سبيل المثال. في المقال، ستكون الدولة اللبنانية ومؤسساتها وقوانينها ساحة الصراع الذي سيخوضه أطفال الطوائف المسلحون ضد بعضهم بعضاً، ما يرفع علامات استفهام وشك حول مستقبل هذه الدولة ومستقبل صيغة الحكم القابلة لاحتواء نزاعات وصراعات على درجة عالية من الحدة، خصوصاً في الوقت الذي بدأت فيه تظهر إشارات إلى التذمر والتململ من النهج الذي يسير عليه لبنان منذ التوصل إلى اتفاق الطائف قبل 29 عاماً.
والحال أن استخدام الأطفال في الصراعات السياسية والمسلحة ليس بالأمر الجديد، فقد لجأت إليه دول وحركات مقاتلة عديدة على مدى التاريخ، لكنه بات منبوذاً من منظومة القيم الحديثة لتعارضه مع مبدأ الرشد في الممارسة السياسية والديموقراطية التي تفترض حداً أدنى من النضوج والحق في الاختيار وهو ما لا يملكه الأطفال الذين يخضعون للتعبئة الايديولوجية (الدينية او العقائدية).
المسألة في الموضوعين اللبناني والعربي أن الأطفال الذين يتم تجنيدهم واستعراضهم للتأكيد على ديمومة «القضية» وإصرار الأجيال المقبلة للسير بها «حتى النصر أو الشهادة»، تصادر مستقبل مجتمعاتنا وتسد المسار الديموقراطي الذي يقوم، نظرياً، على قدرة الفرد على تبديل قناعاته وخياراته مع تقدمه في العمر. غسل الدماغ المبكر يحول دون ذلك ويحول ضحيته إلى آلة لا عمل لها غير تنفيذ مشيئة القائد الذي تضاف إليه صفات أقرب إلى صفات الآلهة.
الحياة