صفحات العالم

الأفق اللبنانيّ المسدود

 

حـازم صـاغيـّة

لم تكن الطوائف اللبنانيّة مرّةً قادرة بذاتها على تسوية أمورها وإنهاض البلد في صورة مقبولة ومعقولة. فالطور السابق على 1975 كان موسوماً بعمق بالمهاترة المسلمة – المسيحيّة حول الحقوق والشراكة، فيما الطور التالي على 1989 فموسوم بالمشادّة السنيّة – الشيعيّة التي شرعت تتفجّر في 2005.

في هذه الغضون ظلّت مراحل الاستقرار، الجدّيّة نسبيّاً أو الظاهريّة، محكومة بضغط التسويات الخارجيّة. فاستقلال 1943 جاء نتاج توافق شمل مصر والعراق من جهة، وكانا المركزين الأهمّ للسياسة العربيّة، والغرب من جهة أخرى، ممثّلاً ببريطانيا والولايات المتّحدة. ثمّ أتت الشهابيّة، بعد انفجار 1958 الأهليّ، لتعكس نوعاً من التلاقي بين مصر الناصريّة، ومعها سوريّا التي كانت جزءاً من “الجمهوريّة العربيّة المتّحدة”، وبين الولايات المتّحدة برئاسة جون كينيدي التي راهنت على صداقة القادة الشبّان في “العالم الثالث” لإيقافهم في وجه الشيوعيّة. وفي وقت لاحق كان اتّفاق الطائف محطّة من محطّات التقاطع، الذي عمّدته حرب إخراج صدّام حسين من الكويت، بين السعوديّة وسوريّا والولايات المتّحدة.

واليوم ما من جديد على علاقات الطوائف سوى بلوغها عتبة التناحر غير المسبوق. فالسنّة والشيعة تفصل بينهم خطوط توتّر تجد في الجوار أسباباً غنيّة لإمدادها وتعزيزها، فيما المسيحيّون يزدادون تمسّكاً بحائط الخوف الشهير ويستطيبون الإقامة خلفه.

لكنّ الجديد أنّ القوى الخارجيّة التي كانت مصالحها تضغط على اللبنانيّين فتدفعهم إلى التسويات، لم يعد بعضها يستطيع ذلك، ولم يعد بعضها يرغب في ذلك.

فالولايات المتّحدة تعيش قدراً من الانكفاء عن الشرق الأوسط الذي لا ينفصل عن مظاهر ضعف أعمّ ينتابها، وأوروبا الغربيّة لا تملك القدرة المطلوبة وحدها، هذا إذا افترضنا التجانس والتكامل في السياسات الخارجيّة لبلدانها الأكثر تأثيراً. وبدورها فسوريّا ومصر والعراق، وبقدر ملحوظ من التفاوت، مؤجّلة التأثير حتّى إشعار آخر. أمّا السعوديّة وإيران فيطغى صراعهما على سياستيهما الإقليميّتين، فيما لبنان ساحة من أبرز ساحات الصراع المذكور.

واجتماع الواقع الأهليّ إلى الواقع الإقليميّ والدوليّ هو ما يتولّى اليوم تفكيك ما تبقّى من أواصر الاجتماع اللبنانيّ، بينما تسرّع الأزمة السوريّة مواجهة الخيارات الحادّة بقدر ما تُضعف أدوات التعامل معها. وعلى العموم يصل اللبنانيّون إلى وضع يكاد علاجه يكون من تاسع المستحيلات. فالوحدة لا تعمل إلاّ ظاهراً، والتقسيم مستحيل، والفيدراليّة صعبة جدّاً. أمّا الخلاف على القانون الانتخابيّ فليس سوى المرآة التي تعكس أحوالنا المرّة وآفاقنا المسدودة.

لكنّ سياسيّي هذا البلد يرون ما لا نرى!

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى