الاخوان المسلمون وايران الخميني – الخامنئي
محمد سيد رصاص
لايمكن فصل الشيخ حسن البنا،مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في آذار1928،عن الثالوث المتمثل في:(السيد جمال الدين الأفغاني- الشيخ محمد عبده- الشيخ رشيد رضا).كان الثلاثة مسكونون باحياء قوة المسلمين أمام الهجمة الغربية،وأولهم شيعي ايراني غاص في بحار تعقيدات السياسة الأفغانية المنقسمة بين الروس والانكليز قبل هربه للهند ومن ثم اتيانه لمصر،قبل أن يموت في بلاط السلطان عبدالحميد الذي أقنعه الأفغاني بأهمية فكرة (الجامعة الاسلامية)،فيما اتجه الثاني للتربية بعد خيباته السياسية ولم يرى غضاضة وهو مفتي الديار المصرية الشافعية في أن يقوم ب”شرح نهج البلاغة”،فيما تأثر الثالث بإمام زيدي هو الشوكاني(ت1834م)كان من أتباع إمام زيدي آخر هو ابن الوزير اليمني(ت1436م)قال بتجاوز المذهبية نحو اسلام عام ليقترب من تفكير ابن حنبل وابن تيمية ويمزجه مع زيديته ،التي كانت تقول ،بخلاف الشيعة الإمامية،بجواز”إمامة المفضول مع وجود الأفضل”.
كان الشيخ البنا متأثراً بهؤلاء الثلاثة،وإن كان الأكثر تأثيراً عليه هو الشيخ رشيد رضا(ت1935) الذي اتجه للتشدد الفكري بعد مارآه في ميسلون بيوم24تموز1920،وهو الطرابلسي الذي أصبح رئيساً للمؤتمر السوري قبل أشهر في مملكة الملك فيصل بدمشق،وفي الغاء مصطفى كمال للخلافة عام1924. هنا،يجب وضع الشيخ البنا في إطار حركة(الاحياء الاسلامي)أو(الصحوة الاسلامية)،وهو اتجاه لايمكن عزله عن محاربة الهجمة الغربية وعن العداء لاتجاهات التغريب في المجتمعات الاسلامية التي كانت علمانية أتاتورك أبرزها،ثم تغريبية آل بهلوي في ايران(1925-1979)،وماحصل من اتجاه تغريبي،ليبرالي أساساً،رأينا تجلياته الفكرية والسياسية منذ العشرينيات في مصر وبلاد الشام.
لم تكن عند الشيخ البنا سنية ظاهرة،ولا مذهبية من بين المذاهب الأربعة ،بل نزعة اسلامية عامة.في الأربعيينيات،وبعد زواج شاه ايران محمد رضا بهلوي من أخت الملك فاروق نشأت حركة في مصر تزعمها الأزهر للتقريب بين المذاهب،بعد أن أدرج المذهب الجعفري مذهباً خامساً للتدريس في جامعة الأزهر،كان الشيخ البنا أحد المتحمسين الكبار لها،وقد استضاف السيد محمد القمي،وهو أحد كبار علماء الشيعة في العالم،في المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة،ثم التقى بآية الله الكاشاني في موسم حج عام1948،قبل أشهر من مقتل البنا في شباط1949،واتفقا على مؤتمر تقريبي بين السنة والشيعة.
لم تكن رموز مثل أبوالحسن الندوي وأبوالأعلى المودودي،وهما من أكثر المفكرين تأثيراً على فكر جماعة الاخوان المسلمين بعد الشيخ البنا،خارج هذا السياق ،وهما هنديان،الأول من لوكنو قرب دلهي والثاني من ولاية حيدر آباد في جنوب الهند،شعرا بالحاجة إلى وحدة مسلمي الهند،بمختلف طوائفهم السنية والشيعة الإمامية والبهرة الاسماعيلية،أمام الأكثرية الهندوسية في فترة الصراع التي انتهت بتقسيم شبه القارة الهندية بين دولتي الهند وباكستان عام1947.تأثر سيد قطب بهذين المفكرين،وقد كتب مقدمة للترجمة العربية لكتاب الندوي:”ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”(1950)،وقد كان عند الندوي،وهو من سلالة آل البيت،الكثير من التمجيد في كتاباته للسلالة ولكن من دون الوصول إلى ماوصل إليه الشيعة الإمامية من “اعتبار الإيمان بولاية الأئمة ركناً من أركان الايمان”.
كان وصول سيد قطب إلى(نظرية الحاكمية)متابعة لارهاصات فكرية عند الندوي وعند المودودي بكتاب الأخير:”المصطلحات الأربعة في القرآن”(1941).هناك تأثرات واضحة بسيد قطب في كتاب:”فلسفتنا”(1959)للسيد محمد باقر الصدر،الذي أسس في ذلك العام(حزب الدعوة)،الذي رأى نفسه بالعام التالي عند تأسيس(الحزب الاسلامي العراقي)،وهو الفرع الاخواني المحلي،في حالة وحدة حال معه ضد حكم عبد الكريم قاسم الذي كان يهيمن عليه الشيوعيون،ويقال،وهذه أمور مازالت غامضة في التاريخ العراقي السياسي،بأن الحزبان قد كانا حتى سقوط قاسم بانقلاب 8شباط1963في حالة وحدة تنظيمية أوشبه وحدة.
كانت ايران وباكستان من أكثر من ذهبت إليهما شحنات بالبواخر لكتاب سيد قطب:”في ظلال القرآن”،بعد طباعته بالستينيات ببيروت. لايمكن عزل اتجاه (ولاية الفقيه)،و(الحكومة الاسلامية)،عند الخميني في الستينيات،عن تأثرات بفكرة(الحاكمية)عند المودودي وسيد قطب. في عام1966ترجم السيد علي الخامنئي،تلميذ الخميني، للفارسية كتاب سيد قطب:”المستقبل لهذا الدين”،وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها مؤلف الكتاب،الذي أعدم في تلك السنة،ب”المفكر المجاهد” الذي سعى “بهذا الكتاب في فصوله المبوبة تبويباً ابتكارياً أن يعطي أولاً صورة حقيقية للدين،وبعد أن بيَن أن الدين منهج حياة،وأن طقوسه لاتكون مجدية إلاإذا كانت معبرة عن حقائقه،أثبت بأسلوب رائع ونظرة موضوعية أن العالم سيتجه نحو رسالتنا وأن المستقبل لهذا الدين”.
بعد وصول الخميني للسلطة في ايران بيوم11شباط1979،كانت من أوائل الطائرات التي وصلت مطار طهران واحدة تحمل وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين:في العالم الشفوي للمعارضة السورية آنذاك تنوقلت أخبار بأن الوفد طرح على الخميني مبايعته خليفة للمسلمين إن قبل ببيان يصدره يقول”بأن الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة مسألة سياسية وليست ايمانية”.تقول الرواية بأن الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقاُ،وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية الايرانية الذي يقول ب”المذهب الجعفري مذهباً رسمياً … وبولاية الفقيه نائباً عن الامام الغائب”،كان من الواضح ماهي إجابة الخميني.
مع هذا ،كان الاخوان المسلمون في مصر مستمرون على تأييد الحكم الجديد الايراني،وقد سيَروا مظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات لشاه ايران في مصر،ثم أيدوا ايران في حربها ضد العراق،وفي عددمجلة”كرسنت”،المسلمة الكندية،بتاريخ6كانون أول1984يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني:”لاأعرف أحداً من الاخوان المسلمين في العالم يهاجم ايران”.كان هناك استثناءاً لهذا عند الفرع الاخواني السوري الذي كان خارجاً للتو من مواجهة ضارية (1979-1982)مع نظام الحكم السوري الحليف لايران،وإن كان هذا ليس رسمياً،وإنما في كتابات لأحد قيادات الاخوان في سوريا هو الشيخ سعيد حوا.
عند وفاة الخميني بيوم4حزيران1989أصدر المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمن الكلمات التالية:”الاخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الاسلام الإمام الخميني،القائد الذي فجر الثورة الاسلامية ضد الطغاة”. في عهد علي الخامنئي،الذي أصبح “مرشداً”في مرحلة مابعد وفاة الخميني،أصبحت نظريات سيد قطب تدرس في مدارس الاعداد العقائدي ل(الحرس الثوري الايراني)،كمابرز نفوذ لمرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدي،وهو الأستاذ الروحي لأحمدي نجاد،لاتخفي اعجابها بسيد قطب وتأثرها به.
في محطات (البرنامج النووي الايراني)،المستأنف تخصيبه منذ آب2005،وفي حرب تموز2006،كان تأييد جماعة الاخوان المسلمين،على لسان”المرشد العام”محمد مهدي عاكف،أكثر من صريح لايران وحزب الله.وقبل أسبوع من سقوط مبارك،قام السيد علي الخامنئي في خطبة يوم الجمعة 4شباط2011 بتشبيه مايجري من ثورة ضد الرئيس المصري بالثورة الايرانية ضد شاه ايران.عند اعلان فوز الدكتور محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية بمصر كانت ايران الرسمية من أوائل المسارعين للتهنئة.
في المجمل العام،لتكثيف ثلث قرن من العلاقة مع دولة من قبل تنظيم، يمكن القول بأن الأسس الفكرية متداخلة مع تلك السياسية،وبأن الأمور لايمكن أن تكون مبنية على الجانب السياسي لتفسير صمود علاقة واجهتها الكثير من الرياح والعواصف.فعلاقة بين ايران و(حماس)لايمكن تفسيرها فقط في الجانب السياسي،وإنما يجب البحث عن شيء أعمق من ذلك،ويجب هنا مراقبة علاقة (حزب الله)،وخطابه الاعلامي تجاه الحركات الاخوانية المختلفة،لملامسة الموضوع،وحتى في ذروة من التوتر المذهبي في العراق ولبنان فإن علاقة (الحزب الاسلامي العراقي)مع المالكي ظلت قوية ،بخلاف”القائمة العراقية”،وكذلك(الجماعة الاسلامية)مع (حزب الله)،على العكس من (تيار المستقبل). كماأن لهجة جماعة الاخوان المسلمين في سوريا تجاه ايران،وحتى في فترة الأزمة الراهنة ،تظل أقل حدة من كثير من العلمانيين السوريين المعارضين.
قبل سنوات قليلة،ومن قناة الجزيرة،قال يوسف ندا،أحد كبار قادة التنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين،في تفسير صمود العلاقة بين ايران والاخوان:”هناك مبدأ عام في التعاون بين الاسلاميين:نتعاون فيمااتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيمانختلف عليه”.