في العام 2005، وفي إحد تصريحاته، قال الرئيس السوري بشار الأسد: “أنا لست صدام حسين”. كان نظامه يومها يتعرض لضغط شديد الوطأة من جانب حكومة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، والذي كان يلوّح بخيار اجتياح العراق في وجه نظام الأسد في دمشق.
اليوم، وبعد قرابة عقد من الزمن، يتضح للمراقب أن الرئيس بشار الأسد كان نسخة أكثر شباباً، وربما، أكثر ترويعاً، من شخصية صدام حسين، الذي أصاب رهان الغرب عليه في دفع العراق إلى ما وصل إليه اليوم، كما أصاب الغرب في رهانه على شخص بشار الأسد.
وكما أن صدام حسين أسس نظامه الحاكم في العراق على مبدأ الغلبة والتمتين الطائفي للنخبة الحاكمة، فإن الرئيس بشار الأسد، الذي ورث نظام الحكم عن أبيه، حافظ على ذلك المبدأ، بل وعززه بصورة تقترب من العلنية، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة.
وكما أن صدام حسين دفع بشرائح من أبناء شعبه إلى تقبل الاستعانة بالأجنبي ضده، عبر قهرهم واستخدام العنف المفرط حيالهم، كذلك فعل بشار الأسد، فهو استطاع جعل التدخل الأجنبي مستساغاً في وعي بعض السوريين، بعد أن وقفت غالبيتهم كالوتد الصلب خلفه رغم كل ضغوط الغرب في العقد الأول من حكمه.
وبقدر ما كان رهان الغرب على أن صدام حسين لن يخيب ظنهم في انتهاج السلوك المُرتقب من جانبه في أزمات بعينها، كذلك فعل بشار الأسد، فهو تعامل مع أزمات محددة، تحديداً منها الأخيرة، تماماً، كما كان الغرب يتوقع منه، فجرّ الدولة السورية، ومواطنيها، إلى حالة من الاحتراب تجاوزت تلك التي عرفها العراق، فتفوق الأسد على صدام بمراحل.
وبقدر ما كان صدام مستعداً للتضحية بأي شيء، وبكل شيء، إلا كرسي الحكم، حتى لو على حساب حصار بلده لأكثر من عقد، وثلاثة حروب قضت على قدراته العسكرية، واستنزفت بنيته الاقتصادية، قبل أن تُجهز على مؤسسات الدولة في بلده، بقدر ما كان بشار الأسد نسخة أمينة عن صدام حسين، بل ومتفوقة عليه، في جرّ جيش بلاده إلى حربٍ مع جزء من شعبه، واستنزاف قدراتها الاقتصادية، وشخصنة مؤسسات الدولة في شخصه، لتتجاوز كارثة سوريا نظيرتها في العراق بمرات، حسب تصريحات مسؤولين دوليين.
وكما تدثر صدام حسين بمقولات مقاومة الغرب، وهو كان في بداياته في تحالف شبه معلنٍ معهم، كذلك فعل بشار الأسد، وحلفاؤه، وبصورة ممجوجة، جعلت “ممانعة” الغرب تحمل معنى عكسياً في وعي الكثير من السوريين، بصورة أفادت الغرب، ولمّعت جزءاً من صورته، ونقلت العدو في وعي بعض السوريين إلى ضفة أخرى، فخدم الأسد الغرب بكفاءة، ربما من دون وعي، كما سبق أن خدمه صدام حسين.
وبقدر ما أضر صدام حسين بالتعايش المشترك بين العراقيين عبر عنفه المفرط حيال كل من يشق عصا الطاعة، بقدر ما تفوق عليه بشار الأسد بمراحل، فأودى بالعيش المشترك بين السوريين، ورفع راية حماية الأقليات، على حساب الأكثرية، فأجهز، أو يكاد، على أكثر من قرنٍ من الانسجام الوطني العابر للطوائف والعرقيات الفريد من نوعه في سوريا.
وكما سلّم صدام حسين كل ما كان قد أشرف على تأسيسه من قدرات عسكرية غير تقليدية، للغرب، في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم، بعد أن استخدم بعضها في الداخل فقط، كذلك فعل بشار الأسد فسلّم حصيلة عقود من العمل على ترسانة غير تقليدية للغرب، بعد أن استخدمها في الداخل فقط، وبذريعة الحفاظ على البلد.
وبقدر ما كان سلوك صدام حسين متوقعاً، بحيث كانت رهانات الغرب عليه دقيقة، فحقق كل غاياتهم، وجعل جزءاً من العراقيين يرحب بدخول الأمريكيين عسكرياً إلى أراضيهم، بقدر ما كان سلوك بشار الأسد متوقعاً، وكانت رهانات الغرب عليه دقيقة، فردّ على حراكٍ سياسي مدني بعنف مفرط، ونفخ الغرب في الأزمة، فكانت ردود فعل الأسد كما توقعوا، وجرّ البلاد بشخصه، وبنخبته، إلى الحيز الذي بات فيه جزء من أبنائه، ربما، يرحبون بدخول الأجنبي ترابهم، ليرفع عنهم نير ظلم ابن البلد المُسلط على رقابهم.
لكن رغم ما سبق، لا بد من ذكر نقاط تفوق فيها الأسد على صدام حسين، بمراحل، فالأسد
لم يكتفِ بالاصطفاف مع محور إقليمي – دولي يمتلك مشروع هيمنة آخر لا يقل خطورة عن نظيره، بل تجاوز ذلك، وجلب المحور الحليف ميدانياً إلى أرض بلده، فجعل سوريا تحظى بتواجد أجنبي غير مسبوق منذ خروج الفرنسي من ترابها.
وكما استنزف الغرب صدام حسين، ونظامه، جيشاً واقتصاداً وصبراً لدى مواطنيه، عبر أزمة حصار وضغط دامت أكثر من عقد، حتى انهار تحت وقع ضرباتٍ هوليودية، أقرب إلى نفخة الهواء، كذلك يستنزف الغرب اليوم نظام بشار الأسد، جيشاً واقتصاداً وصبراً لدى مواطنيه، بانتظار اللحظة التي يصبح فيها نظامه أضعف من نفخة الهواء، ويومها، لا نعرف كيف ستكون خاتمة نظام الأسد، ورموزه، وإلى أي حد ستتطابق مع خاتمة نظام صدام حسين ورموزه، كما تطابقت مساحات واسعة من مسيرة الرجلين في حكم بلدين انزلقا إلى انهيار غير مسبوق في تاريخهما، على يد حاكمين، سيذكر التاريخ أنهما أجهزا على من تبقى من الهلال الخصيب في الوطن العربي.
المدن
