الباحثة والناشطة السورية رندا قسيس تتحدث عن الخرافات والمحرّمات: فضّ غشاء بكارة المجتمعات الذكورية يبدأ بتكسير سراديب الذات
حميد زناز
بدأت رندا قسيس حياتها المهنية فنانةً تشكيلية ثم انتقلت الى الأبحاث النفسية الانتربولوجية والكتابة فيها. منذ اندلاع الانتفاضة السورية اتجهت نحو السياسة حيث ترأست الهيئة العامة للائتلاف العلماني الديموقراطي لتمثله بمقعد في المجلس الوطني السوري. استقالت بعد خلافات بينها وبين الائتلاف في شأن تسليح المعارضة وعدم إدانة الانفجارات والسلوكيات غير المشروعة لبعض المقاتلين في “الجيش الحر”، واختلاف مع المجلس الوطني في شأن هيمنة “الإخوان المسلمين” والإسلاميين على الحراك الثوري، وهي حالياً، رئيسة حركة المجتمع التعددي الذي أسسته في أيلول 2012 ويجمع ناشطين في الداخل السوري والخارج. التقيناها في باريس حيث تقيم الآن، وكان لنا معها هذا الحوار:
¶ “ستغرب الشمس على الساعة الثامنة ونصف إن شاء الله، وستشرق على الساعة الخامسة بإذن الله”، هكذا يقول مقدمو نشرات الاخبار الإذاعية والتلفزيونية العربية. بغض النظر عن طرافة العبارة ولا معقوليتها، كيف تفسرين هذه النظرة السحرية للعالم، أنت الكاتبة والباحثة في علم المجتمعات البشرية وصاحبة “سراديب الآلهة”؟
– بشكل عام، يشعر الإنسان بالعجز أمام الخارج المحيط الذي لا يفهمه. وبما أن المجتمعات ذات المنشأ الديني تعتمد اعتماداً كلياً على الغيبيات لتفسير ما لا تفهمه، بسبب الصور العقلية الدماغية المغروسة بتأثير الثقافة الاجتماعية التي تعترض طريق الخيال الفردي، وتشكل حاجزاً يكبح هذا الخيال ويمنعه من الوصول إلى مرحلة الخلق في جميع مجالاته العلمية والفكرية، فإن إنسان هذه المجتمعات يؤمن بشكل مطلق بحتمية القضاء والقدر مضيفاً عبارة “إن شاء الله” في كل حال لا يسيطر عليها أو لا يفهمها.
¶ كيف تفهمين سلبية بعض المثقفين العرب أمام المد الخرافي وما هي الأسباب التي جعلتهم لا يشتبكون مع هذا الشكل من التخلف العقلي اشتباكا حاسما؟
– لا يملك المثقف العربي التقنيات النفسية التي تتيح له تلقي المعطيات الخارجية الغريبة عن نموذجه الثقافي، فهو يعاني من الموروث التاريخي نفسه، ومن الأحادية الثقافية نفسها للمجتمع التي بدورها تعوق الفرد بشكل عام من كسر الحاجز النفسي وإحداث بعض التغييرات في النموذج الثقافي. كما أن سلبية المثقف العربي من الاصطدام مع محيطه، تجعله مستسلماً خاضعاً للواقع. وعلينا أن لا ننسى أن الصور العقلية الدماغية الآتية من الثقافة الدينية، تحصر الفرد ضمن قيم زائفة منافية لتركيبته النفسية لتتحول حقائق ثابتة تسكن حالاتها وتستولي على فكر أفرادها، وهذا بالطبع ينطبق على بعض المثقفين العرب.
¶ تكتبين أنك أعددت كتابك “سراديب الآلهة”، ليس من أجل نفي ديانات وأخلاقيات، أو إثباتها، بل من أجل النظر في سراديب الذات التي جاءت منها. هل يمكن أن تأخذينا في رحلة سريعة داخل الذات العربية وسراديبها؟
– تكلمت في هذا الكتاب عن بعض النظريات التي تناولت منابع الآلهة والروحانيات لألقي الضوء على أفكارها الأولى التي تشعبت عبر الزمن وتطورت حتى أصبحت سراديبَ يصعب على الفرد الخروج منها وخصوصاً عندما يرزح تحت وطأة ثقافة اجتماعية متشنجة تسحق كل فرد يحاول الخروج من شرنقتها. حتى اليوم، نجد أن الإله لا يزال يجسد جميع الصراعات النفسية المتنازعة في ما بينها، كما يجسد رغبة جماعة ما في السيطرة على أخرى، وهذا يعني أن الإله لم يصل بعد، وخصوصاً في هذه المجتمعات، إلى مستوى النضج الروحاني لدى مؤمنيه، بل هو في مرحلة الإرهاصات الأولى. في المقابل، تجاوزت الأديان حدود أرضيتها النفسية لِتُشرعِن نفسها قاضياً ومعلماً وناصحاً وجلاداً لكل من يؤمن بها، ولتمتد كالأخطبوط وتُطبق على عقل هذه المجتمعات، التي ركزت على تحويل الفرد إلى كائن تنحصر همومه ومتطلباته في إشباع حاجاته الأساسية الضرورية للبقاء. أي أن الدين يلجأ إلى التوغل في حياة الأفراد لتسهيل عملية إخضاعهم والهيمنة عليهم، مما يتسبب لهم بمعاناة طويلة و”يوفر” لهم حالاً من عدم الاكتفاء المزمن.
¶ ما الهدف من دعوتك إلى يوم وطني لفض غشاء البكارة في بلدان ذكورية تخنقها التابوات؟
– يعكس غشاء البكارة ثقافة كاملة لمجتمع قائم على التمييز بين الجنسين، فهو يجعل المرأة أداة لدى الذكر، ليتحول الغشاء قيمة أخلاقية يسجن المرأة في دائرة ضيقة ويدفعها للمحافظة عليه بهدف الحصول على شهادة تقدير وحسن سلوك في مجتمع ذكوري. هكذا يصبح الرجل هدفاً حياتياً لدى المرأة بدلاً من أن تعمل لتحقيق ذاتها. جاء هذا المقال كانتفاضة ضد المفهوم الاستعبادي للغشاء لدى هذه المجتمعات، ليعبر عن رغبة عميقة في التغيير وتكريس القيمة الفردية الخالية من أي تمييز.
¶ لو شرحت لنا أكثر فكرتك عن علاقة الجنس بالدين وبالحرية؟
– الجنس حاجة بيولوجية لا تختلف عن الحاجات البيولوجية الأخرى، أما التحكم به فيتعلق بالاقتناعات الفردية الخاصة كما تعتبر رغبة التمتع مسألة شخصية. إلا أن مجتمعاتنا الدينية المسجونة في قيم الفضيلة استطاعت تحويل هذه الغرائز من مسألة ذاتية تخص الفرد إلى كمية من المعتقدات والتابوات المقدسة، ليصبح الجنس المحرك الأساسي اللاواعي لطريقة تفكير أفرادها، حيث نجد ثقافة ومفاهيم وقيما مؤسسة على تابو الليبيدو الجنسي. أجد أن رحلتنا القصيرة في هذه الحياة تصب، قبل كل شيء، في سعي الإنسان للتصالح مع غرائزه وذاته بهدف إيجاد توازن بين الذات الفردية والذات الجمعية، لتنمية وعيه الذي سيقودنا حتماً إلى وعي جديد.
¶ ماذا تقصدين بعبارة “سجن الفضيلة”؟
– يكتمل النضج النفسي للفرد من خلال استيعابه لمشاعره الداخلية المتضادة ليتم التصالح في ما بينها للتحكم في السلوكيات. من هنا نجد أن الوعي حال متغيرة تتلاءم مع زيادة المعرفة بكل ما يحيط بالإنسان. لذا نلاحظ أن مبدأ التصعيد وسجن الفرد داخل مفردات وعبارات مثالية يزيد من حال انفصال الغرائز والحاجات والتصرفات اللاوعية عن القيم والمثاليات التي غرستها الجماعة في عقول أفرادها. إن عملية التوحيد للحقيقة والمعرفة والوعي وتكريس مفهوم ثابت للكمال والفضيلة، كما تفرضها ثقافة القطيع، ما هي إلا انعكاس لقانون آلي خال من الاكتشاف والتحول.
النهار