البراميل المتفجرة سلاح سوري «نظامي» يدمر المباني ويئد سكانها/ كريستوف عياد
في نهاية صيف 2012، لم يصدق الصحافيون الذين لم يغادروا سورية، وهم قلة قليلة، عيونهم حين رأوا بأم العين مروحيات عسكرية سورية ترمي البراميل المتفجرة على مواقع المتمردين كأنها مجانيق مدمرة من العصور الوسطى تلقي البراميل الخشبية المليئة بالزيت الحارق. وكان توسل هذا السلاح البدائي المدمر في سورية دليلاً على أن النظام استنفد ذخائره وقوته. والخلاصة هذه كانت في بداية القصف. وفي العامين ونصف عام، أودى هذا السلاح المخيف بحياة شطر كبير من ضحايا الحرب في سورية البالغ عددهم اكثر من مئتي ألف قتـــيل. وفـــاق استـــخدام النظام السوري سلاح البراميل استخدامه السلاح الكيماوي الذي اقتصر على هجمات صغيرة في ما خلا هجوم كبير في 21 آب (اغسطس) 2013 خلّف 1500 قتيل في بلدة في جوار دمشق. وصار سلاح البراميل القاتلة سلاحاً يومياً يصيب حلب وحمص ودير الزور وضواحي دمشق. وهو أمضى سلاح زرع الموت والدمار في سورية.
ولا شك في أن النظام السوري لم يبتكر البراميل المتفجرة، وهي كانت سلاح الجيش السوداني ووسيلته لزرع الرعب في دارفور مطلع الألفية الثانية واليوم في مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة. ويرمي الجيش هذا من طائرات النقل «أنطونوف» متفجرات بدائية، وهذا سلاح شائع في دول العالم الثالث يرمي الى طرد الفقراء من أراضيهم وتمهيد الطريق أمام الميليشيات البرية. لكن النظام السوري نقل السلاح هذا الى مرتبة جديدة: استخدامه كسلاح منهجي منظم. وليس وراء الاستخدام هذا نقص في الذخائر التي لا تبخل موسكو بمده بها. فالسلاح هذا يغني عن الحاجة الى طيارين حربيين، في وقت تعاظم عدد الطيارين المنشقين. والبراميل المتفجرة صناعة سورية محلية بخسة الكلفة: برميل فارغ يملأ بمزيج من المتفجرات والخردة المعدنية والسماد الكيماوي والمواد الحارقة.
وترمى المتفجرات هذه يدوياً من مروحيات، وعلى «يوتيوب» تنتشر أشرطة فيديو تظهر جنوداً يشعلون فتيل البرميل بواسطة سيجار أو ولاعة، وتساقط البرميل بطيء.، ومنذ لحظة إلقائه إلى لحظة انفجاره تمر ثوانٍ يرى فيها المرء الموت بعينيه قبل أن يصيبه. والانفجار الناجم عن البرميل بالغ القوة التدميرية: فالبرميل وزنه نحو 500 كيلوغرام ويُدمر مبنى بكامله، وهذا السلاح أمضى أثراً من القنابل الموجهة التي تلقيها طائرات «ميغ» وكلفة كل منها عشرات الآلاف من الدولارات، وهو سلاح «نموذجي» لاستهداف مجموعات تفتقر الى مضادات جوية.
ومن العسير على سكان مبنى النجاة من البراميل والاحتماء منها، فغالباً ما يدفنون أحياء ويلفظون أنفاسهم الأخيرة إثر إصابات سبّبها تساقط أطنان من الأنقاض عليهم. لكن المجتمع الدولي، وخصوصاً الديبلوماسيين والخبراء العسكريين الغربيين، تأخروا في إدراك خطورة السلاح هذا. ومرّ عامان على استخدامه المنهجي قبل أن يطلق، في أيلول (سبتمبر) المنصرم، ائتلاف من 130 منظمة غير حكومية نداءً يحظّر هجمات «البراميل» على المدنيين.
* مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 20/11/2014، إعداد منال نحاس
الحياة