التدخل التركي المباشر في سورية –مقالات وتحليلات-
عن تدخل الدولة التركية في سوريا/ جلبير الأشقر
لقد رحّب بعض المواطنين العرب، لا سيما في أوساط المعارضة السورية، بالتدخل التركي على الأراضي السورية، وحجة المرحّبين أن التدخل التركي هو بمثابة الردّ على تدخل إيران وأتباعها الإقليميين كما على التدخل الروسي. أما خلفية الحجة فهي أن روسيا وإيران والقوى التابعة لهذه الأخيرة إنما تتدخل دعماً لنظام بشار الأسد بينما تتدخل تركيا نصرةً للمعارضة السورية. ويتغافل هذا الرأي عن جملة من الوقائع الظرفية والتاريخية تحيط بتدخّل الدولة التركية.
أولاً، جاء هذا التدخل بعد انعطاف موقف أنقرة من النظام السوري وانتقاله من الإصرار على رحيل بشار الأسد، شرطاً لتسوية تنهي الحرب الدائرة في سوريا، إلى القبول ببقائه في سدة الحكم «لمرحلة انتقالية»، تماشياً مع ميل الإدارة الأمريكية إلى المساومة في هذا المجال وانسجاماً مع تبدّل موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المتمثّل في اعتذاره إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين وتصالحه مع الدولة الصهيونية. وقد تم التدخّل التركي بضوء أخضر من جميع الفرقاء المذكورين الذين لا يكنّون للشعب السوري أدنى محبّة.
ثانياً، وفي ضوء ما سبق، ليس الغزو التركي موجّهاً ضد النظام السوري بتاتاً. وهو لم يستهدف تنظيم داعش سوى لانتزاع السيطرة على مساحة الأرض السورية التي كان يسيطر عليها حتى الآن على الحدود مع تركيا. فبعد أن يسّرت أنقرة تحركات داعش طوال المدة التي كان التنظيم خلالها في طور الهجوم على «وحدات حماية الشعب» الكردية، تدخّلت لتحل محله في السيطرة على المنطقة الحدودية عندما أخذ التنظيم يتقهقر، لا سيما بعد هزيمته في منبج. فالمستهدف الأول والأساسي من «عملية درع الفرات» (التسمية التركية الرسمية للغزوة التركية) إنما هو القوات الكردية. وقد استغلت أنقرة الخطأ الجسيم الذي ارتكبته تلك القوات بمحاولتها مد سيطرتها على مناطق حيث الأكراد أقلية، وذلك من خلال «قوات سوريا الديمقراطية» التي تهيمن عليها، خلافاً لخطابها الرنّان عن «الإدارة الذاتية». ويبقى أن أولوية الأولويات في الساحة السورية بالنسبة لأنقرة ليست مصير الشعب السوري، بل الحؤول دون تقوية حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» المشرف على «وحدات حماية الشعب» والذي ترى فيه الدولة التركية الخطر الرئيسي عليها نظراً لارتباطه بعدوّها اللدود، «حزب العمال الكردستاني» الذي ينشط في تركيا. ومن الملفت أن تدخل أنقرة قد جاء في ركاب قيام النظام السوري، للمرة الأولى منذ بداية الحرب في سوريا، بشنّ حملة واسعة النطاق ضد القوات الكردية في الحسكة.
ثالثاً، يندرج تدخل الدولة التركية على الأراضي السورية في نمط من التعامل مع الجوار العربي ينتمي إلى منطق «سياسة القوة» (Machtpolitik) بانتهاك القانون الدولي، وهو ما اتبعته الدولة الصهيونية. إذ تسمح الدولة التركية لنفسها بالتدخل العسكري على أرض البلدان المجاورة متى تشاء وكيفما تشاء سعياً وراء ضرب أعدائها. ومثلما اعتادت الدولة الصهيونية على ضرب أعدائها الفلسطينيين واللبنانيين على أرض الأردن في الأمس وأراضي لبنان وسوريا حتى اليوم، اعتادت الدولة التركية على ضرب أعدائها الأكراد المتواجدين في شمال العراق (كردستان العراق) منذ أن قوّضت الولايات المتحدة قوة الدولة العراقية وشلّتها في حرب سنة 1991. وها أن أنقرة تنقل هذا السلوك إلى الأرض السورية: وإذ أن هجومها لا يتعلق بدعم الثورة السورية على الإطلاق، بل يستهدف أعداءها الأكراد كما ذكرنا، فإنه ينسجم انسجاماً تاماً مع سلوكها على الأراضي العراقية.
رابعاً، إن أخطر ما في الأمر هو أن نمط التعامل الذي يندرج فيه تدخل الدولة التركية في سوريا، شأنه في ذلك شأن تدخلها في العراق، إنما ينطوي على خلق أدوات سيطرة دائمة تنمّ عن مطامع إقليمية توسّعية، يزيد من خطورتها أن تركيا سبق وضمت أراضي سورية بالتواطؤ مع الاستعمار الفرنسي في عام 1939. فعلى غرار الدولة الإيرانية التي سعت وتسعى إلى تحويل ما استطاعت من الشيعة العرب إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الطائفية، تسعى الدولة التركية إلى تحويل ما استطاعت من تركمان العراق وسوريا إلى أدوات لسياسة الهيمنة الإقليمية التي تتّبعها باستغلال العصبية الإثنية. ومثلما نصّبت الدولة التركية نفسها وصيّة على تركمان العراق، ولا تني تهدد بالتدخل العسكري في كركوك والموصل بحجة الدفاع عنهم، ها أنها تتدخل في جرابلس وجوارها دافعة إلى الأمام «كتائب تركمان سوريا»، الجناح العسكري لـ»مجلس تركمان سوريا» الذي ترعاه أنقرة والذي يشارك في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». ومن المعروف أن ما من حيلة بيد الائتلاف إزاء النفوذ التركي الذي يخيّم عليه وعلى سلفه «المجلس الوطني السوري» منذ نشأتهما.
خلاصة الحديث أن المصلحتين الوطنية والديمقراطية على السواء تقتضيان مطالبة جميع القوى الأجنبية بالانسحاب من الأراضي السورية، سواء أكانت روسية أم أمريكية، وسواء أكانت إيرانية، ومن لفّ لفها، أم تركية.
٭ كاتب وأكاديمي لبناني
القدس العربي
التقارب الروسي التركي يثير مخاوف المعارضة من تطبيع أردوغان مع الأسد/ اسل العودات
في الوقت الذي قال فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الآونة الأخيرة بدأت تشهد توافقا في المصالح بين بلاده وتركيا في ما يخص الأزمة السورية، وأن هذا التوافق حيال أزمات المنطقة سيعود بالنفع والفائدة لكلا الدولتين، راحت وسائل إعلام مقرّبة من النظام السوري تتحدث عن لقاء مرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، بل جزمت بأن التحضيرات اللوجستية لهذا اللقاء تجري على قدم وساق برعاية روسية.
هذه التسريبات، ترافقت مع تصريحات لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، قال فيها إن تركيا تهدف إلى تطبيع علاقاتها مع مصر وإصلاح علاقاتها بسوريا في المستقبل، وقال “إن شاء الله سيكون هناك تطبيع مع مصر وسوريا، بدأت تركيا محاولة جادة لتطبيع العلاقات مع مصر وسوريا” دون أن يعطي أي إيضاحات، كما لم يعلن عن أي جدول زمني لإصلاح العلاقات مع الدولتين، لكنّ هذا التصريح شغل الكثيرين ممن لهم علاقة بالشأن السوري، فتحسن علاقة أردوغان مع الأسد، إن كان الأمر صحيحا، سيحمل معه الكثير من التغيرات الجذرية الخطيرة التي ستقلب كل الموازين، العسكرية والسياسية، في المنطقة.
التسريبات ومعها التصريحات الناقصة للروس والأتراك، أتت بعد حدثين أساسيين؛ الأول هو عودة العلاقة الروسية التركية إلى طبيعتها، بعد المصالحة بين زعيمي البلدين في التاسع من أغسطس الماضي، والثاني التدخل التركي العسكري المفاجئ في سوريا، لكن هذه التسريبات التي بدا أن النظام السوري سعيد بها، وربما كان له يد بإشاعتها، مستغلا التصريحات التركية والروسية الملغومة، سرعان ما تبيّن عدم صحتها، فالمسؤولون الأتراك المعنيون بالملف السوري والذين تواصلوا مع المعارضة السورية، نفوا نفيا قاطعا وجود أي وساطة، روسية أو إيرانية، بين أردوغان والأسد، وشددوا على أنها إشاعات اعتاد الأتراك على سماعها بين الحين والآخر، ومجرد بالونات اختبار، ووصفها أحد المصادر الرسمية التركية بأنها “كلام فارغ”.
يبدو أن النفي التركي أقرب إلى الواقع والمنطق، فمشكلة تركيا مع النظام السوري ومع الأسد أيضا، ليست خلافا على وجهات نظر، وليست خلافا تكتيكيا على قضية صغيرة أو سياسية يمكن أن تحلّ بقمّة للمصالحة، بل هي خلافات جذرية تكاد تكون مصيرية بالنسبة إلى تركيا، فالصلح مع النظام السوري، وموافقة تركيا على بقاء الأسد، يعني تلقائيا موافقتها على أن تبقى الهيمنة الإيرانية قائمة على سوريا، وأن تتخلى تركيا عن دورها الإقليمي لصالح طهران بشكل نهائي.
لكن المعارضة السورية صارت حذرة مما يمكن لتركيا أن تفعله من أجل مصالحها، خاصة وأن القيادة التركية أعلنت عن تحديين؛ الأول “تصفير” مشاكلها الخارجية، والثاني مع الأكراد السوريين في فرض إقليم مستقل أو فيدرالي على طول الشمال السوري، وهذا الحذر أعرب عنه منذر آقبيق، الناطق باسم تيار الغد السوري المعارض، والذي قال لـ”العرب”، “لقد أصبح موضوع إعادة العلاقات بين أردوغان والأسد واردا الآن، بعد أن كان من المستحيلات في الماضي القريب”.
وأضاف آقبيق قائلا “تركيا تحتاج إلى تعاون روسي معها في هذا الملف، مما يستوجب عليها دفع الثمن سياسيا عن طريق تليين موقفها تجاه الأسد.
ومن المتوقع أن تُغلّف الاستدارة التركية بمبادرة منها من أجل السلام في سوريا، مستفيدة من علاقاتها القوية مع جزء كبير من المعارضة السورية السياسية والمسلحة، تلك المعارضة التي ستكون في وضع صعب عندما تعرض عليها صفقة أقل من طموحاتها، لكن من المبكر القول إن تركيا ستتخلى بالكامل عن المعارضة، لأنها ستظل تسعى لامتلاك أوراق مع مختلف الأطراف”.
افترض كثيرون أن روسيا اتفقت بالنيابة عن نفسها وعن البيت الأبيض، على أن تحصل تركيا على ما تريد، وأن يُسمح لها بكبح جماح الأكراد السوريين الانفصاليين، بالقوة، مقابل تليين موقفها من النظام السوري ورأسه، والقبول ببقائه في المرحلة الانتقالية على الأقل، وقالوا إن هذا القبول ليس مستبعدا من تركيا من حيث المبدأ، خاصة وأن مصالحها القومية أهم بكثير من دعم المعارضة السورية. وهذا ما يؤكده جانب آخر من المعارضة السورية.
إذ يستبعد في السياق المعارض السوري يحيى العريضي أن يكون هناك أي تقارب مع النظام السوري، ويرى أن هذا النظام غير قادر أصلا على التأثير في الملف الكردي نهائيا، وبالتالي لا يمكن لتركيا أن تركن أو تستند إلى مساعدته، ثم إن العلاقة الروسية التركية أهم بكثير من نظام الأسد، الذي اعتبره “تفصيلا تافها”، بمعنى أن لتركيا وروسيا مصالح كبرى يمكن التفاوض والمساومة عليها، بعيدا عن إرغام تركيا على إعادة علاقتها مع الأسد.
كاتب من سوريا
العرب
تحرير الرقة..خيار أوباما الصعب/ عبد القادر عبد اللي
من المعتاد أن يحصل الصحافيون الأتراك على المعلومات الأهم لأي زيارة يقوم بها رئيسهم، في طريق عودته؛ فيجتمع بهم في قاعة خاصة في الطائرة، ويجيب عن أسئلتهم، ويسرب إليهم ما يريد أن يسربه. وبحسب هذا التقليد أعطى الرئيس التركي للصحافيين في الطائرة بعض المعلومات حول اللقاءات التي أجراها على هامش “قمة العشرين”، خاصة مع الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين.
من جهة، بدت الأمور غامضة مع روسيا على الرغم من مئات التحليلات التي تتحدث عن اتفاق روسي-تركي، فكل تصريح تعتبره تركيا إيجابياً، يأتي بعده تصريح آخر يناقضه. ولعل المثال الأبرز في هذا الموضوع تصريح الرئيس الروسي بوتين قبل الذهاب إلى الصين، والذي اعتبرته تركيا إيجابياً: “تركيا تدافع عن مصالحها في سوريا مثلما تفعل روسيا”. ولكن بعد الزيارة جاء تصريح الخارجية الروسية بأن “توغل القوات التي تدعمها تركيا في أعماق سوريا مقلق لروسيا”، لينسف الجو الإيجابي المتشكل.
من جهة أخرى، أعطت الولايات المتحدة إشارات إيجابية بالنسبة إلى تركيا من خلال المعلومات التي أدلى بها الرئيس التركي حول تحرير الرقة، إثر سؤال أحد الصحافيين: “هل سيكون لتركيا دور في موضوع الرقة؟”. ردّ أردوغان: “هذا أحد الموضوعات التي ناقشناها مع الولايات المتحدة. وسيُحدد ما يمكن عمله نتيجة المباحثات. وهذا يتعلق بموقف الولايات المتحدة… يريد أوباما أن نفعل شيئاً معاً، ونحن أبلغناه بأنه لا مشكلة لدينا في هذا الأمر، فليجتمع العسكريون من الطرفين، ويناقشوا ما يمكن عمله”.
يبدو هذا الكلام لأول وهلة تراجعاً أميركياً كبيراً عن موقفها قبل سنتين من الآن، في جدة. يومئذ أصرّت تركيا على موقفها بأن سلاح الجو لا يمكن أن يحسم معركة، وضرورة وجود جنود على الأرض، وعرضت أن تكون في طليعة أي تشكيل عسكري يؤسس لهذه الغاية، وفي المقابل رفضت الولايات المتحدة هذا الطرح بشدة، وبقيت تصريحاتها تتحدث عن تحجيم “داعش” لا القضاء عليه، حتى إن أوباما في “قمة العشرين” الماضية أكد من أنطاليا التركية على ضرورة عدم القضاء على “داعش”، لأن هذا التنظيم في هذه الحالة سيتفرق في دول عديدة، وينتقل إرهابه إليها بينما هو الآن محصور بين سوريا والعراق فقط.
ولكن هل تراجع الأميركيون عن موقفهم السابق؟ وما الجديد الذي جعلهم يتراجعون؟
في الحقيقة أن هناك لعباً مقصوداً أو غير مقصود في “تحرير” الخبر عندما نشرته وسائل الإعلام التركية بالعربية، فقدمته على أنه “عرض أميركي على تركيا بالمشاركة في تحرير الرقة”، وهكذا يبدو أن الأمر قد نضج، ولكن الحقيقة وبناء على كلام رئيس الجمهورية التركية لم ينضج شيء بعد، والأمر متعلق بمباحثات يُجريها وفدان عسكريان من البلدين. وبما أنه “متعلق بموقف الولايات المتحدة” بحسب الرئيس التركي، فهذا يعني أن تركيا قد حسمت أمرها، ولكن الولايات المتحدة لم تحسمه بعد.
ما الذي يجعل الولايات المتحدة مترددة؟ هناك تجارب عديدة في الحرب ضد تنظيم “داعش” في كل من تل أبيض وعين العرب “كوباني” ومنبج، وبعض المناطق الأخرى التي استخدمت فيها الولايات المتحدة “قوات حماية الشعب” مطعمة بقوات محلية مختلفة، وحتى كردية من كردستان العراق في عين العرب “كوباني”. وكانت النتيجة دماراً كاملاً تقريباً في المدن الكبرى، وعدم تمكن اللاجئين من العودة إلى هذه المدن لأسباب مختلفة، منها الدمار، ومنها ما تسميه تركيا ومنظمة “العفو الدولية” تمييزاً عرقياً في الأماكن الأقل دماراً.
في المقابل هناك تجربة جرابلس، والتقدم الحاصل الآن نحو الباب، والسيطرة على عشرات القرى من “داعش”، وثمانية وعشرين قرية من “قوات سوريا الديموقراطية”. في هذه العملية لم يحدث الدمار الذي حدث سابقاً، وقد تمكن اللاجئون من العودة إلى قراهم، وأصبحت الحياة شبه طبيعية.
لا شك أن تركيا أرادت من تجربة جرابلس أن تقدم نموذجاً بديلاً، ومراسلو الوكالات الغربية عموماً ينقلون صوراً مقبولة من المناطق التي دخلها الجيش السوري الحر.
من ناحية أخرى، بدت “قوات سوريا الديموقراطية” محدودة القوة على الرغم من الدعم الناري القوي الذي يقدمه “التحالف الدولي”، وقد وجدت صعوبات كبرى في دخول مدينة صغيرة مثل منبج وقدمت فيها عدداً كبيراً من الضحايا. بينما عدد صغير من الجيش السوري الحر بإسناد ناري تركي مركز وكثيف جداً حقق نتائج جيدة.
بمعنى آخر لقد أرادت تركيا أن تقدّم تجربة تثبت من خلالها خطأ الموقف الأميركي، وأنها أقرب إلى المنطقة، وأدرى بشعابها.
هذا الأمر يضع الولايات المتحدة أمام خيار صعب، ويمكن ألا يحسم على المدى القريب. فلا يمكن لتركيا أن تدخل الرقة بمشاركة “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعتبرها جناحاً لمنظمة إرهابية تهدد أمنها، كما أن الولايات المتحدة الأميركية من خلال التجارب التي خاضتها سابقاً مع “وحدات الحماية” ومناقشتها هذا الأمر مع الأتراك، تبدو أنها تعترف باستحالة الاعتماد على هذه القوات، وفي الوقت نفسه فقد دربتها وسلحتها، وتقدم لها الدعم.
هناك مئات التصريحات لمسؤولين أميركيين حول حلفائها الجدد من حزب “العمال الكردستاني” والمنظمات الشيعية العراقية والإيرانية. وما إذا كانت قد تخلت عن حلفائها التقليديين مثل تركيا، ففي جميع تلك التصريحات تؤكد على التحالف الاستراتيجي المستمر مع تركيا.
لا شك أن الولايات المتحدة اليوم أمام خيار صعب، فهي لا تستطيع أن تجمع بين الحليفين: الجديد “وحدات الحماية”، والقديم تركيا، في معركة واحدة.
الولايات المتحدة معروفة بالتخلي عن حلفائها في سبيل مصالحها، فعن أي حليف ستتخلى؟ هل تتخلى عن تركيا أم “وحدات الحماية”؟ وبالطبع لا يمكن استبعاد الخيار الثالث، وهو التراجع عن هذه السياسة، والعودة إلى سياسة تحجيم “داعش” لا القضاء عليه، وبهذا فلن تحتاج إلى أي من الحليفين التركي أو الكردي.
المدن
صراع الكبار يمنح تركيا فرصة/ عبد القادر عبد اللي
مثلما لم يكن التدخل التركي شمالي حلب مفاجئاً لروسيا بحسب تصريح رئيسها فلاديمير بوتين في قمة العشرين الصينية، كذلك لم يكن عدم توصل روسيا والولايات المتحدة إلى حل بشأن سوريا مفاجئاً للمراقبين أيضاً؛ فالعبارتان: “نقترب من الوصول إلى حل في القضية السورية” و”لم نتفق على حل بعد في القضية السورية”، أصبحتا لازمتين في أهزوجة التصريحات مع الإعلان عن كل اجتماع يجمع وزيري خارجية البلدين.
لم يعد خفياً أن دولتين اقليميتين كبيرتين هما إيران وتركيا أصبحتا موجودتين عسكرياً على الأرض السورية. وإذا كان الوجود الإيراني كبيراً جداً، فالوجود التركي مازال صغيراً جداً، ولكنه مرشح للزيادة. وكل يوم يعلن عن حشود تركية جديدة، وإدخال أنواع جديدة من الأسلحة منها ما يُستخدم لأول مرة.
ثمة قصة شعبية تروى في كل مكان تقريباً، مفادها أن قوتين أو أسرتين تنافستا على زعامة، مما جعل شخصاً ضعيفاً يبرز، ويتزعم المشهد. وتنتقل هذه القصة إلى استخدامها في تفسير كثير من القضايا التاريخية المهمة.
هل يجري ما يشبهها اليوم في عالمنا؟
إضافة إلى القوتين الإقليميتين فقد دخلت القوتان العظميان روسيا والولايات المتحدة الحرب السورية، ولكن القوتين الإقليميتين متنافستان ومتصادمتان في بعض الأحيان وإن كان هذا بالوكالة، بينما القوتين العظميين غير متنافستين ولا متصادمتين على صعيد الهدف النهائي وهو تعويم نظام الأسد بطريقة ما، والقضاء على المعارضة بكل أنواعها ما عدا تلك الطيّعة للنظام، ولكن الخلاف بينهما يكمن بالطريقة أو الأسلوب. ولعل الاختلاف بالطريقة والأسلوب جعلهما يثبِّتان واقعاً أليماً على الأرض يدفع السوريون ثمناً باهظاً له.
بما أن الولايات المتحدة لا تريد حلاً، وروسيا لا تستطيع أن تفرض حلاً، وعلى طريقة الحكايات الشعبية برزت تركيا في الساحة بطريقة ما بعدما كانت مستبعدة عن كل شيء يتعلق بسوريا نتيجة تنافس القوتين العظميين على الأسلوب لا الهدف.
في هذه الأثناء قدم حزب “العمال الكردستاني” فرصة ذهبية لتركيا يوم خرقه الهدنة المعلنة بينه وبين الحكومة التركية، وعودته إلى ما أسماه الكفاح المسلح، وتنفيذه عمليات ضد المدنيين لم تستطع حتى مظلته السياسية حزب “الشعوب الديموقراطي” إلا أن تصفها بالعمليات الإرهابية. الفرصة الأخرى التي قدمها هذا الحزب هي عدم انسحابه إلى غرب الفرات بعد تحريره مدينة منبج من “داعش”، واعتبارها مدينة كردية، وكانت الولايات المتحدة قد قدمت وعوداً بهذا الصدد، ومازالت لا تنكرها.
هذه الظروف مجتمعة هيأت لتركيا الجو المناسب للدخول بقوة على الساحة السورية تحت لافتة مكافحة الإرهاب، وقد تبين من خلال العمليات العسكرية التي لم يشارك فيها جنودها فعلياً، بأنها كانت تدرب كثيراً من المقاتلين العرب والتركمان في مقرات الوحدات الخاصة التركية، وأصبح لدى هؤلاء المقاتلين من الكفاءة القتالية ما لا يقل عن كفاءة أقرانهم الأتراك، وكان الدعم الناري التركي كافياً لإعلان وجود تركي على خريطة الأحداث.
جاء مؤتمر قمة العشرين، ومثلما علق الإعلام الممانع آمالاً كبيرة على لقاء بوتين وأردوغان في سان بطرسبورغ قبل شهر تقريباً، علّق هذا الإعلام آماله مرة أخرى على لقاءات بوتين وأوباما وأردوغان حول الملف السوري. ولكن هذه الاجتماعات كلها بحسب ما هو معلن لم تسفر عن أية نتيجة ملموسة.
أثناء هذه الاجتماعات حدثت تطورات مهمة في الشمال السوري. صحيح أن قوات المعارضة المسلحة قد تراجعت في حلب، وحوصرت المنطقة المحررة من جديد، ولكن قواتٍ تركيةً جديدةً دخلت إلى منطقة الراعي، وقدمت إسناداً نارياً للجيش السوري الحر، وقد استعاد هذا الجيش عدداً كبيراً من القرى والبلدات من “داعش”. وحشدت تركيا دبابات جديدة مقابل مدينة تل أبيض، وأمّنت انشقاق كثيرٍ من الوحدات العربية عن “قوات سوريا الديموقراطية” التي يشكل الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني” غالبيتها المطلقة، وأدخلت أسلحة تستخدمها لأول مرة مثل طائرات من دون طيار تحمل صواريخ موجهة وصواريخ أميركية متطورة.
هل كانت تركيا تستطيع أن تفعل هذه الأمور في ظرف سابق؟ في الفترة السابقة وصل تهميشها إلى درجة استبعادها تماماً عن الساحة.
يبدو أن هناك غض طرف أميركي وروسي في هذا المجال، ويمكن تسميته انشغال الطرفين أحدهما بالآخر، فقبيل ذهابه إلى الصين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “أن تركيا تدافع عن مصالحها في سوريا كما ندافع نحن عن مصالحنا هناك”.
هناك فترة ميتة في الولايات المتحدة حتى بدايات العام المقبل، وتسلّم الرئيس الجديد، وبدءه ممارسة مهامه، ولذلك فإن الولايات المتحدة تشغل معها روسيا لكي لا تنفرد وحدها على الساحة السورية، وتحاول أن تستنزفها قدر الإمكان. ولكن يبدو أن كل طرف نكاية بالآخر يريد أن يمنح تركيا دوراً أكبر من دورها الحقيقي الذي يمكن أن تلعبه.
الحشود التركية، وعلو نبرة مسؤوليها المرافقة بنبرة تصالحية ناعمة مقرونة بكلمات غير مفهومة تقبل التفسير في اتجاهات مختلفة، أدلة على دور تركي سيتطور بحسب المستجدات، والمعطيات على الأرض. فحتى الآن لم يحدد أي مسؤول تركي المساحة أو العمق الذي ستدخل إليه القوات التركية لدعم الجيش الحر، ولذلك نحن نقرأ عن مساحات متفاوتة جداً، فقد كان يقال عن سبعين كيلومتراً طولاً، وها هي المسافة تبلغ تسعين كيلومتراً ونيف طولاً، وكان يحكى عن أربعين كيلومتراً عمقاً، وهناك من قال سبعين… ولكن الناطق باسم “قوات سوريا الديموقراطية” طلال سلو، قال في مقابلة مع صحيفة “القدس العربي” أجريت معه بعيد دخول القوات التركية، إنهم سيؤمنون ممراً إلى عفرين من أسفل المنطقة التي ستدخلها تركيا، فهل تقدم “وحدات حماية الشعب” الذريعة لتركيا لتعميق المسافة التي تدخلها؟
طالما أن الكبيرين مشغولان أحدهما بالآخر، يبدو أنهما اختارا تركيا لتلعب دوراً ما.
المدن
بوتين وأردوغان اتفقا…على أوباما/ موناليزا فريحة
توحي أجواء المحللين الروس بصفقة روسية – تركية أتاحت لأنقرة دخول سوريا وتحرير حدودها من جيوب “داعش”، مقابل تغيير بدأت تظهر ملامحه في موقف السلطات التركية من الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي الجانب التركي، تواصل القوات التركية التي دخلت سوريا لتحرير جرابلس الحدودية من “داعش” تقدمها جنوباً، وباتت بحسب تقارير إعلامية على مسافة 11 كيلومتراً شمال منبج التي حررتها “وحدات حماية الشعب” الكردية من هذا التنظيم في آب الماضي. وهي في انتظار انسحاب هذه الوحدات من المدينة الى شرق الفرات “في أسرع وقت” لفتح ممر للمقاتلين السوريين الى شمال حلب.
ينذر هذا التقدم التركي بمواجهة بين تركيا والأكراد في مدينة الباب، وهو ما يضعف أكثر موقف الولايات المتحدة التي أربكها اندفاع تركي وضع وكلاءها بعضهم في مواجهة البعض في شمال سوريا، وشتت ولو موقتاً جهودها لتحرير الرقة، عاصمة الخلافة المفترضة.
ما كان واضحاً منذ البداية أنه لولا المصالحة الروسية – التركية لما كانت العملية في سوريا من أساسها ممكنة. لكنّ تقارير روسية تذهب أبعد، متذرعة بأن موسكو على رغم تحفظها عن التوغل التركي في روسيا لم توجه انتقادات قاسية الى أنقرة، وبدت متفهمة لعملية تركية محدودة في شمال سوريا.
ولم يجد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط المعاصر في بطرسبرج غومر إيساييف محاذير في القول إن ثمة نوعاً من التنسيق بين روسيا وتركيا، وإن يكن يرى أن عملية “درع الفرات” لن تغير ميزان القوى بين روسيا وأميركا في سوريا.
ومن السيناريوات الروسية أيضاً أن روسيا وتركيا توصلتا إلى اتفاقات في شأن الأماكن التي يمكن أن تدخلها تركيا وحلفاءها وعدد الجنود الأتراك المشاركين في العملية. ويورد البعض مدينة الباب هدفاً رئيسياً لتركيا، ويقولون إن الأمر أكثر تعقيداً في حماه، وإن لا حدود محددة فيها. ومن الفرضيات المتداولة أيضاً احتمال حصول عملية عسكرية مشتركة روسية – تركية – سورية ضد “داعش”.
منطقياً، يصعب تصور حصول أردوغان من”صديقه العزيز” على ضوء أخضر لزيادة نفوذه في المنطقة لوجه الله. لكنّ التصور يصير ضرباً من المجازفة عندما نفكر في احتمال حصول لقاء ثلاثي لبوتين وأردوغان والأسد لأسباب عدة ليس أقلها تركي داخلي. ومع أن تركيا باتت للمرة الأولى منذ خمس سنوات أكثر استعداداً لاعتبار الحكومة السورية الحالية، بمن فيها الأسد، جزءاً من مرحلة انتقالية، يمكن القول، أقله حتى الآن، إن بوتين وأردوغان قررا الاتفاق على أوباما، خصمهما المشترك، أكثر من اتفاقهما على لقاء يجمع الأسد وأردوغان.
النهار
هل هناك حلف تركي سعودي؟/ د. مدى الفاتح
لدي مشكلة مع التوصيفات المجانية التي تنتشر بسرعة الإشاعة، والتي سرعان ما تتحول في عرف الإعلام لحقائق ومسلمّات يحسبها الظمآن ماء حتى إذا اقترب منها لم يجدها شيئاً.
مفردة «الحلف» أو «التحالف» على سبيل المثال هي مفردة كبيرة تعني ببساطة أن مجموعة من الدول اتفقت على مبدأ مفاده أن نحيا معاً أو نموت معاً، وأن أي اعتداء على أي طرف داخل هذا العهد هو اعتداء بالضرورة على جميع الأطراف مما يتوجب رداً وردعاً جماعياً. المثال الأبرز والأنجح هنا هو المعاهدة الأطلسية التي انبثق عنها حلف الناتو الذي يضم دولاً غربية استشعرت ذات يوم خطر المجموعة الشرقية الشيوعية، وهو حلف ناجح ومستمر بفعالية حتى وقتنا هذا.
أما المنطقة العربية فقد فشلت في صنع أي تحالف جاد، ورغم أن الجامعة العربية ولدت حاملة معها الكثير من الأدبيات حول المصير المشترك ووحدة الغايات، إلا أن المشروع الذي طرح منذ نشأتها والخاص بالدفاع المشترك والجيش الموحّد ما يزال يبدو بعيد المنال. وفي ظل غياب تعريف موحّد للعدو تجتمع عليه دول الإقليم يظل الحديث عن قوة ردع ودفاع عربية مشتركة ضرباً من الأمنيات والأحلام. الحالة بهذا أشد تعقيداً مع الطرح الذي يتحدث عن حلف إستراتيجي بين المملكة السعودية والجمهورية التركية اللتين تحملان رؤيتين مختلفتين، إن لم نقل متناقضتين، في التعاطي مع التحديات الإقليمية.
من أين أتت هذه «الإشاعة» التي افترضت وجود هذا التحالف وروجت له إعلامياً وسياسياً؟ في الواقع فإن ما نسميه الآن إشاعة كان حقيقة مطروحة بقوة ومبررة، استناداً لعدد من الظواهر الموضوعية التي تم التركيز عليها من قبل خبراء ومحللين سياسيين. هذه الظواهر يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً، ما تعلق ببروز قيادة جديدة في المملكة مع ظهور الملك سلمان وما سمي آنذاك بتغير الأولويات وإعادة ترتيب الأعداء. أطراف معروفة روّجت لهذا بقوة، ليس على سبيل تمني أن تدير السعودية ظهرها لمصر السيسي، بل بالحديث عن جمود العلاقات بين البلدين كواقع جديد.
ثانياً، ما تعلق بالبرود السياسي بين الولايات المتحدة وحليفتها التاريخية السعودية، التي بدأت تبحث عن بدائل أخرى عن واشنطن، بعد أن مالت الأخيرة تجاه إيران.
ثالثاً، تهديد إيران الجاد لأمن السعودية واقترابها من حدودها على أكثر من اتجاه، ما يستوجب تداعي الدول السنية المهمة، وعلى رأسها تركيا، لعملية موحدة لصد الهجوم والدفاع عن «الحرمين الشريفين».
رابعاً، في ما يخص تركيا فإن فشلها في الدخول للنادي الأوروبي عامل مهم يجعلها لا تملك سوى الاقتراب من المنطقة العربية، خاصة الدولة الأكبر، السعودية، من أجل خلق بديل موازٍ لعلاقتها مع أوروبا.
خامساً، في الموضوع السوري هناك اشتراك يمكن البناء عليه وهو المتعلق بدعم المعارضة والتمسك بمبدأ تنحية بشار الأسد.
باختصار، ولأن المقام ليس مقام تفصيل يمكن القول بأن كل الفرضيات السابقة لا أساس لها، فالسعودية لم تدر ظهرها لمصر، كما أن الولايات المتحدة لم تدر ظهرها للسعودية ولا لبقية دول الخليج، رغم توقيع الاتفاق النووي مع إيران. وبشأن العلاقة مع طهران فإن للدولتين مقاربات مختلفة، ففي حين رأت السعودية ضرورة التصعيد عبر عاصفة حازمة في اليمن، وعبر استخدام قوتها الدبلوماسية من أجل فرض مقاطعة وعقوبات ضد النظام الإيراني وحلفائه في المنطقة، كانت تركيا ترى أن علاقتها مع إيران استراتيجية بفعل تعقيدات كثيرة سياسية واقتصادية تحول دون أي توتير للعلاقات، رغم الاختلاف الشاسع حول القضية السورية.
أما الحديث عن التحالف مع السعودية أو مع المجموعة العربية كبديل عن الانتماء الغربي لتركيا، فهو أمنية للكثيرين، بمن فيهم كاتب المقال نفسه، حيث لا يمكن حصر الفوائد التي يوّلدها مثل هذا التجمع الذي لا تنقصه القوة المادية أو البشرية أو الجغرافية. لكن هذا التحالف هو، للأسف، غير قابل للتحقيق في المدى القريب، لأسباب كثيرة أهمها أن عدداً من الدول العربية باتت تؤمن بأن احتمال استهدافها من قبل جار عربي هو أكبر بكثير من احتمال استهدافها من قبل أي عدو ظاهر بعيد.
في القضية السورية ورغم ما ذكرنا من التقاء ظاهر على هدف رئيس هو الانتصار للمعارضة والعمل على تنحية بشار الأسد كرئيس فاقد للشرعية، إلا أن هناك اختلافات لا يمكن التقليل من شأنها، فتركيا بدأت منذ أسابيع تنسيقاً علنياً مع كل من روسيا وإيران حول الملف السوري، ما تزامن مع إعادة القيادة التركية ترتيب أولوياتها بحيث تتصدر مشاغلها مسألة الحرب ضد تنظيم الدولة، وهو ما فهمه البعض على أساس أنه دخول في مرحلة جديدة قوامها «التعايش» مع وجود الرئيس السوري.
حتى مسألة دعم المعارضة لم تكن سوى متاهة فلسفية، فقد ظهر في الإعلام مصطلح المعارضة المدعومة من تركيا والأخرى المدعومة خليجياً وسعودياً، ما يعني أن مصطلح «المعارضة» نفسه لم يعد مصطلحاً بدهياً ومتفقاً عليه.
من ناحية أخرى فإن السؤال عن موقع الحركات والتنظيمات الإسلامية في سوريا المستقبلية ظل سؤالاً بلا إجابة. على ذكر الحركات الإسلامية نقول إنه لا يمكن الحديث عن العلاقات التركية السعودية بدون التطرق لموضوع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بنظر السعودية والشرعية، بل المدعومة، من قبل القيادة التركية.
من طرائف السياسة هنا أنه، ولأول مرة تقريباً، يلتقي الإخوان ومنافسوهم على نظرة واحدة وهي رفض التقارب التركي السعودي، فبالنسبة للإخوان قد يعني هذا الاقتراب التضحية بالعناصر الإخوانية المقيمة في تركيا وبالدعم الإعلامي والسياسي الذي توفره الدولة هناك لهم، وهو ما يبدو غير مستبعد في ظل النهج البراغماتي لحزب العدالة والتنمية. أما منافسو الإخوان فإنهم يعتبرون هذا الاقتراب تهديداً لهم، حيث يخشون من حدوث تأثير عكسي قد يؤدي إلى أن تخفف السعودية من حملتها ضد الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، وهو ما ستكون له تأثيرات كبيرة على مستوى المنطقة.
لكنني أعود وأقول إن هذا الحلف لا وجود له وللمقارنة يمكننا أن نتحدث عن حلف بين إيران وروسيا كدولتين صديقتين تحرص كل منهما على استدامة سلام وأمن الأخرى، ويستبعد أن تتدخل في شأنها لتغيير نظام أو زعزعة واقع سياسي. لا يمكننا أن نتخيل طهران وهي تقف مكتوفة الأيدي في حالة تعرض موسكو للخطر، وكذلك الحال مع موسكو، فهل ينطبق ذلك على العلاقة بين السعودية وتركيا؟
بين أيدينا ما حدث إبان المحاولة الانقلابية الفاشلة، فبعد أكثر من شهر من هذا الحدث الذي يعتبر بالنسبة للأتراك مفصلياً كالحادي عشر من سبتمبر بالنسبة للأمريكيين، بعد مرور كل هذا الوقت فإن بعض أصحاب فرضية التحالف التركي السعودي قد عبّروا عن دهشتهم من ردة الفعل السعودية التي كانت أقل مما يجب على الأقل لجهة الزيارات التضامنية رفيعة المستوى التي بادرت بها دول إقليمية منافسة أخرى. البعض يتحدث عن وجود أجنحة مختلفة داخل المملكة وأن القناة الإخبارية الشهيرة التي بدت مشجعة للانقلابيين في ساعاتها الأولى إنما تمثل اتجاها داخلياً نافذاً وغير راغب في علاقة جيدة مع تركيا، خاصة بعد أن قامت بإذاعة لقاء مع غولن المتهم بالتخطيط للانقلاب، مما زاد سوء الفهم بين البلدين.
بغض النظر عن الأسباب التي يمكن أن نختلف أو نتفق حولها، فإن إجابة سؤال المقال هي أنه لا يوجد مثل هذا الحلف على الأقل في الوقت الحالي وأنه لو وجد لظهر على الأرض مع التدخل التركي الأخير في منطقة جرابلس السورية الذي تم استقباله ببرود. ذلك التدخل الذي، رغم أنه قد لا يخلق منطقة آمنة تماماً وعازلة بالنسبة للمدنيين، كما أنه قد لا يتمكن من القضاء بشكل نهائي على المجموعات الإرهابية، إلا أنه تدخل سيساهم بالتأكيد في صنع حائط صد وردع ضد النفوذ الإيراني، ما يصب بشكل مباشر في صالح أمن المملكة، بل عموم الخليج.
كاتب سوداني
القدس العربي