الرجل الذي أكل قلباً
زيـاد مـاجد
إستحوذت واقعة أكل القلب (أو الشروع في الأكل) التي قام بها مقاتل سوري منذ فترة على صخب كاد يحجب الكثير من الأمور التي تستحقّ النقاش، وظهّرت الى حدّ بعيد المأزق الأخلاقي المريع الذي تتخبّط فيه بعض وسائل الإعلام الغربية كما بعض الباحثين عن أسباب لتبرير خذلانهم الشعبَ السوري.
ذلك أن ما قام به الرجل المشوّه نفسياً والمضطرب عقلياً هو فعل توحّش معطوف على مشهديّة فظيعة تلفّقتها الكاميرا وغذّت من خلالها غرائز ثأرية من جهة، ومخيّلات خوف ومشاعر ذهول وقرف من جهة ثانية. والأخطر ربّما، أنها عمّمت إثارةً وأسقطتها على حالة بدا معها أكل القلوب سلوكاً يخرج من إطاره الفردي ليصبح وكأنه طقس عام. وأن تتبنّى ذلك وسائل إعلام كبرى وتفرد للحدث مساحات تجعله في ذاته اختصاراً لقضية لم تعد تغطّيها إلا بمقدار ما توفّره من “فضائحية” صادمة قوامها الأشلاء والأعضاء المبتورة، فالأمر يتخطّى على الأرجح السبق المشهدي والصحافي الى ما هو أبعد.
فما معنى أن تتراجع أخبار قصف الطائرات وإطلاق الصواريخ الباليستية وقتلها اليومي لعشرات المواطنين (ومن بينهم عشرات الأطفال) عن الشاشات طيلة أسابيع، وأن يحتلّها فجأة – الواحدة تلو الأخرى – مقاتل يهمّ بالتهام قطعة لحم انتزعها من جثّة مقاتل آخر؟ وما معنى أن يتناسى مسؤولون وصحافيّون تعذيب ألوف المعتقلين بالسكاكين وضربهم بالقضبان الحديدية، وأن تصدمهم في المقابل “كانيبالية” آنية ظهرت سماتها في سلوك مرَضي؟
قد لا يكون التفسير سياسياً بالضرورة. وهو ربما أخلاقي – مهني يرتبط بتقييم الإعلاميين للصدمة المتوقّعة عند المشاهدين أو القرّاء. لكّن مؤدّياته لا يمكن ألّا تكون سياسية. فأن يتخيّل الناس موتاً غير مرئي تحت وطأة القصف الجوّي وأعمدة الدخان المتصاعد من البيوت المدمّرة أمر لا استثنائية مشاعرية فيه ولا صدمة تُفضي بالضرورة الى موقف، والضحايا أرقام تحت الانقاض المتخيّلة عن بعد. أما أن يرون رجلاً واقفاً بكامل تفاصيله، وبيده قلب انتزعه من جسد عدّوه المسجّى ليأكله، فالقصة “واقعية” ومدعاة نفور من بشر يندفعون نحو حيونة يلتهمون فيها بعضهم. بهذا يبرز الفارق بين تحوّل موت عشرات الألوف بأساليب قتال “حديثة” الى خبر تجريدي لا رائحة دم فيه تجلب الغثيان، وبين قدرة موت واحد يُصوَّر قلب صاحبه وهو في طريقه الى إمعاء قاتله على جذب الانفعالات وتكثيفها تجاه “فعلة بدائية” شنيعة.
هكذا يتحوّل مشهد الرجل الذي أكل قلباً الى واجهة واقعية تختفي خلفها صور إفتراضية لمئة ألف ضحية. وهكذا أيضاً تغطّي هذه الصورة بتوقيتها وزمان احتلالها الشاشات والصفحات على زمان قصير قبلها هو ذلك الذي عاشت فيه صور أطفال البيضا وبانياس، والتي كانت بدورها قد طوت زمن مجازر سبقتها.
الرجل الذي أكل قلباً قام نتيجة فعلته إذن بأكل قلوب الكثير من الضحايا الذين ادّعى الثأر لهم. والصورة المُحتفى بفضائحيّتها جعلت منه ظاهرة جديدة يختبئ خلفها كثر من السياسيين والإعلاميين في هذا العالم لتبرير تردّدهم وحيادهم. أما الأشدّ سفاهة من بينهم، فقد اتّخذوا منه ذريعة جديدة لنبذ الثورة والالتصاق بأعدائها السفّاحين، أصحاب الطائرات والصواريخ والبراميل المتفجّرة، الذين يأكلون الأطفال والنساء والرجال أحياءً، كاملين…
موقع لبنان الآن