السوريون في حماية السفراء
طارق الحميد
ليس من السهل التصديق أن السفيرين الأميركي والفرنسي في دمشق قد انتقلا إلى محافظة حماه لمتابعة ما يحدث هناك من مظاهرات شعبية، وتطويق أمني مكثف من قبل الجيش السوري للمدينة، من دون علم السلطات السورية.
فالنظام السوري كان يحشد قواته حول مدينة حماه طوال الأسبوع، تحسبا ليوم أمس الجمعة، وضمان عدم تكرار ما حدث في جمعة «ارحل» الماضية، وكان العالم كله يراقب، عن كثب، ويحذر من أن دخول القوات السورية إلى حماه بالشكل المرتقب من شأنه أن يُحدث كارثة إنسانية بتلك المدينة.. وعليه فقد تحرك المجتمع الدولي، وبالطبع السفراء الغربيون لدى سوريا، للحيلولة دون حدوث ذلك.
من هنا، فإن المتابع لا يملك إلا الاستغراب من التصعيد السوري ضد السفيرين الأميركي والفرنسي، خصوصا البيان الذي أصدرته الداخلية السورية وقالت فيه: إن «السفير الأميركي التقى، في حماه، بعض المخربين، وحضهم على التظاهر والعنف ورفض الحوار». وأضاف البيان أن الوزارة «استغربت وصول السفير الأميركي إلى حماه بشكل يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية، على الرغم من وجود الحواجز التي يسيطر عليها المخربون وقطع الطرقات ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ووظائفهم».
فإذا كانت الداخلية السورية تستغرب وصول السفير الأميركي إلى حماه، على الرغم من قطع الطرق والحواجز، كما قيل في البيان، فإن المتابع لا يملك أيضا إلا الاستغراب من كيفية تمكن السفيرين الأميركي والفرنسي من مغادرة دمشق والوصول إلى حماه من دون أن تشعر الداخلية السورية بذلك. فسوريا دولة بوليسية بمعنى الكلمة، فكيف لم يتنبه أو يعلم الأمن السوري بوصول السفيرين إلى حماه؟ فهل هذا يعني أن قبضة النظام السوري قد بدأت تهتز في سوريا؟ وهذا ليس كل شيء بالطبع، فعندما يقول النظام السوري إن السفير الأميركي يقوم بعملية تحريض، فقط لأنه قام بزيارة حماه، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: إذن، لماذا أخذ النظام السوري السفراء الأجانب، ومنهم السفير الأميركي، إلى منطقة جسر الشغور قبل أسابيع، ما دام مجرد وجود السفير الأميركي بأي منطقة يعتبر «خيانة» و«تحريضا»؟
الأمر المؤسف الذي لم يتنبه له النظام السوري، والمنافحون عنه، أن أهل حماه ينعمون اليوم بالأمن بسبب وجود السفيرين الأميركي والفرنسي، وليس بسبب حكمة النظام، وهذا أمر لا يسجَّل ضد السفيرين، بقدر ما يسجَّل ضد النظام السوري الذي لم يتنبه إلى حجم ورطته في أعين السوريين؛ حيث قام النظام بعزل محافظ حماه الأسبوع الماضي لأنه ضمن لأهل المدينة أمنهم، واليوم يقوم النظام نفسه بتخوين أهل حماه نظرا لوجود السفيرين بينهم، فما لا يريد النظام رؤيته أن السوريين اليوم باتوا أكثر أمنا في حماية السفراء الأجانب، وليس بوجود الأمن السوري!
وبالطبع، فإن لذلك مدلولات كثيرة، داخليا وخارجيا، والأهم هنا هو البعد الداخلي، فبالنسبة للسوريين بكل شرائحهم وتوجهاتهم، فإن الرسالة التي وصلت لهم هي أنه لولا وجود السفراء الأجانب في حماه لفتك الأمن بالمواطنين، وهذا يعني ببساطة أن شرعية النظام السوري تتآكل بشكل كبير!
الشرق الأوسط