صفحات العالم

“الشرق الأوسط الجديد”.. هل تتحقق “نبوءة” كونداليزا ورالف؟

 

 

لندن – الخليج أونلاين (خاص)

تتسارع التغيرات في منطقة الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي، ما يشي بتوجه نحو إعادة تموضع بعض الحدود في المنطقة، ويجعل من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط محط اهتمام الكثيرين، في ظل الفعل الميداني المتصاعد على الأرض، والحديث عن مخططات التقسيم والانفصالات، وتزايد التحذيرات العلنية منها من قبل دول.

تنفيذ هذه المخططات بدأ بالفعل، بحسب بعض الخبراء الاستراتيجيين الذين قرؤوا مشهد استفتاء كردستان العراق والأزمات المتلاطمة في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الخطة الأمريكية التي بشّرت بها علناً كونداليزا رايس، قبل أكثر من 11 عاماً، عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، ومن تل أبيب على وجه التحديد، وكرّرها مسؤولون أمريكيون آخرون؛ أبرزهم جو بايدن، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، في عام 2006.

قالت رايس في حينه إن مشروع “الشرق الأوسط الكبير” سيحقق –حسب تعبيرها- “حلاً سحرياً لعلاج أزمات المنطقة المزمنة”، إلا أنه وإن طال زمن تحقيقه فقد أصبح هناك من يقرأ تفاصيل الأحداث في المنطقة العربية، والتغيّرات المتسارعة على أرض الواقع بأنها تصبّ في النهاية لصالح تقسيم بعض البلاد العربية، الأمر الذي يصبّ في تحقيق مخطط “الشرق الأوسط الجديد”، وإن كان على مراحل.

– “رالف بيترز”.. وحدود الدم

في مجلة القوات المسلحة الأمريكية (عدد يوليو 2006)، نشر الضابط الأمريكي السابق (كولونيل متقاعد من الأكاديمية الحربية الوطنية الأمريكية)، رالف بيترز، مقالة بعنوان: “حدود الدم”، وهي جزء من كتابه “لا تترك القتال أبداً”، وتشكّل هذه المقالة تقريراً متكاملاً عن الصراعات في الشرق الأوسط، والتوتّر الدائم في المنطقة، والتي يعتبرها “بيترز” نتيجة (منطقية) لخلل كبير في الحدود الاعتباطية الحالية التي وضعها، حسب تعبيره، “الأوروبيون الانتهازيون”.

ويعتقد رالف بيترز أن المجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط مارست الاختلاط والتعايش والتزاوج، ولكن لا بد من إعادة رسم الحدود لإنصاف الإثنيات الموجودة، حسب قوله.

لذلك، ومن أجل شرق أوسط أمريكي (جديد – كبير)، تقدّم بيترز منذ ذلك الوقت بخريطة أمريكية “مبتكرة”، قد تكون بديلة لسايكس بيكو البريطانية الفرنسية قبل 100 عام وعام، تلغي بعض الحدود القائمة بين الدول، ويعتمد على مبدأ تقسيم الدول الحالية، فتتحوّل الدولة الواحدة إلى دويلات، وتنشأ دول جديدة، وتكبر دول صغيرة، وتصغر دول كبيرة.

وبحسب ما نُشر قبل أكثر من 11 سنة؛ فإن بوارد خطته “المقترحة” بدأت بالتحوّل إلى واقع، ما زالت دول كبرى وشعوب ترفضه، كما يراه العديد من السياسيين والمحللين، لا سيما في سوريا والعراق. لذلك كان لا بد من الاطلاع على ما كتبه الضابط الأمريكي قبل عقد من الزمن، لما يشكّله ذلك من مادة مهمة لتكوين فهم لمظاهر نزع الاستقرار والتقسيم السياسي الجارية في كل من العراق وسوريا واليمن، خصوصاً أن الفكرة تهدف لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد على أساس قومي أو إثني أو طائفي.

– شكل “الشرق الأوسط الجديد”

اللافت أن العقيد السابق في الجيش الأمريكي أول ما بدأ به الحديث عن مشروع تقسيم الدول كان “الدولة الكردية”، والتي هي محور حديث العالم أجمع هذه الأيام، بعد الاستفتاء الشعبي الذي أفرز موافقة أكثر من 92% على الانفصال، وتشكيل دولة كردية في شمال العراق، والتي كما يراها البعض “حجر الأساس” لمشروع “الدولة الكردية الكبرى”.

ويرى مقال الضابط الأمريكي أن الخطة المذكورة (في حينه) تقضي بإقامة دولة كردية مستقلّة للأكراد؛ من خلال “استغلال الفرصة التاريخية التي لاحت للولايات المتحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كردية، إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول، لأن الأكراد سيصوّتون بنسبة 100% لصالح قيام دولة مستقلة إذا عُرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلة”.

أما عن الدولتين الأخريين في العراق، كما يرسم في مخططه، فواحدة للسنة تقع في وسط العراق، وأخرى للشيعة العرب، يكون مكانها في الجزء الجنوبي من العراق، وتشكّل نواة لإنشاء دولة شيعية عربية تنضمّ إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها، ليشكّل حزاماً على المنطقة المحاذية للخليج العربي، على أن تشمل المناطق التالية: الجزء الجنوبي الغربي من إيران، والمعروف بمنطقة الأحواز، والتي تضم معظم الشيعة العرب في إيران، والجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، والذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.

“دولة سوريا الكبرى”، كما يرى الخبير الأمريكي في التخطيط والتحليل صاحب الفكرة، فإنه بعد تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام: كردي في الشمال، شيعي في الجنوب، وسني في الوسط، سيضطر الجزء السني إلى الالتحاق بسوريا، وذلك لأنه سيصبح دولة لا مقومات لها؛ بين مطرقة الدولة الكردية الكبرى إلى شماله، وسندان الدولة الشيعية إلى جنوبه، إذا لم ينضم إلى سوريا، وسيتم إجبار سوريا على التخلّي عن جزء صغير منها لضمّه إلى لبنان لتشكيل (دولة لبنان الكبير) على البحر المتوسط.

– ماذا عن دول الخليج؟

يقول المقال والمخطّط القديم، والذي تتم قراءته حالياً بصورة مغايرة؛ عبر ربط ما جاء فيه مع متغيرات المنطقة وقراءة مستقبلها، إن المملكة العربية السعودية ستكون، إلى جانب الباكستان، بالإضافة إلى تركيا، من أكثر الدول التي ستعاني نتيجة للتغيير الذي سيطرأ على المنطقة، وسيتم تقسيم المملكة إلى خمسة أقسام:

أولاً: القسم الشرقي الساحلي حيث توجد الأقلية الشيعية في المملكة، وسيتم إلحاق هذا القسم بـ “الدولة العربية الشيعية”.

ثانياً: القسم الثاني، هو جزء يقع في شمال غرب وشرق المملكة، وسيتم إلحاقه بالأردن، الذي سيشكل بحدوده الموجودة حالياً، إضافة إلى الجزء السعودي، دولة (الأردن الكبرى)، التي ستضمّ كل الفلسطينيين في الشتات، والحديث ما زال كما جاء في مقال الضابط الأمريكي “حدود الدم”.

ثالثاً: القسم الثالث من المملكة سيضمّ كل المدن الدينية، ولا سيما مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتين سيتم تشكيل دولة دينية عليهما، يحكمها مجمع ديني من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية، ويشبه إلى حدٍّ كبير الفاتيكان.

رابعاً: إلحاق قسم من جنوب المملكة بالجمهورية اليمنية، التي سيزيد حجمها.

خامساً: تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقّي من حجم المملكة الأصلي.

أما عن بقية دولة الخليج؛ فبحسب “المخطط الأمريكي”؛ فإن الكويت وقطر وعمان والإمارات ستبقى على الأرجح بشكلها الحالي دون زيادة أو نقصان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإمارات قد تشهد بعض التغييرات، وذلك تبعاً للتغيير الذي سيصيب بعض الدول المجاورة لها، سواء لناحية إيران أو لناحية دولة الشيعة العرب، في حين سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحها جزءاً من المملكة العربية السعودية.

– “دولة فارسية”

يقول المقال إن ما يُفترض أن يتم أن تُقام “دولة قومية فارسية”، ويضيف: “صحيح أن الجمهورية الإيرانية سيتم اقتسام بعض الأجزاء منها لصالح تشكيل دولة كردية، ودولة شيعية عربية، ودولة بلوشية، وجزء صغير لضمه لدولة أذربيجان، إلا أنه سيتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحل محل الجمهورية الإيرانية الحالية”.

وأما بشأن أفغانستان وباكستان؛ فإن القسم الذي سيتم اقتطاعه من أفغانستان لمنحه لإيران سيتم تعويضه من خلال منح أفغانستان جزءاً كبيراً من باكستان، حيث العديد من القبائل الأفغانية والقريبة لها، وسيتم اقتطاع جزء آخر أيضاً من باكستان، حيث يقيم البلوش، لمنحه لدولة بلوشستان الحرة، وبذلك تتبقّى مساحة ثلث أو أقل من حجم باكستان الحالية، التي ستشكّل الدولة الجديدة المنتظرة.

وعلى الرغم من موافقة البعض على هذا المخطط، أو اعتباره خيالاً، فإن هناك من يرى أن الخطط الأمريكية، تجاه المنطقة العربية على وجه الخصوص، تعدّدت وتنوّعت على مرّ السنين لتتلاءم مع التغيرات التي تطرأ عليها بين الحين والآخر، لكنها في جميع الأحوال والظروف حافظت على عاملين أساسيين، وعلى خطٍّ أحمر يمسّ الأمن القومي الأمريكي؛ حماية أمن إسرائيل ودعمها بأي ثمن، وتأمين النفط والمصالح الاستراتيجية الأمريكية الأخرى. كما يشير ما طرحه العقيد في الجيش الأمريكي بطريقة أو بأخرى إلى وجود جهات ودول تتحرّك لفرض وقائع، وما سايكس بيكو ببعيد عما يحدث من أسلوب وطريقة، وإن تطوّرت أدواته وأصبحت أكثر قسوة.

– تحذيرات علنية من تفتيت المنطقة

الأمر كما يبدو لم يعد تحليلاً فحسب؛ فعندما تحذّر تركيا، على لسان نائب رئيس الوزراء، هاكان جاويش أوغلو، في 30 سبتمبر الماضي، من أن “بعض الجهات تحاول إعادة رسم حدود المنطقة”، مشيراً إلى أن بلاده “تعلم أين تحاك تلك المؤامرات”.

وبحسب وكالة الأناضول، قال جاويش أوغلو، في كلمة ألقاها بمدينة إسطنبول: إن “بعض الجهات (لم يسمّها) تحاول إعادة رسم حدود المنطقة بعد 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو” السرّية التي وقعتها بريطانيا وفرنسا، في 16 مايو 1916، بهدف تفتيت منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف المسؤول التركي: “لقد شاهدنا ذلك في الأحداث التي نعيشها في سوريا، واستفتاء انفصال إقليم شمال العراق (..) ندرك جيداً أين تُكتب سيناريوهات اللعبة (التي تحاك ضد المنطقة)، ونعلم الدمية والجهة التي تستخدمها أيضاً”.

من جانبه، حذّر المفكّر الإسلامي التونسي البارز، عبد الفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان والقيادي بحركة النهضة التونسية، في تصريحات صحفية، من عواقب محتملة للاستفتاء في كردستان، قائلاً: “هذا بداية تفتيت المنطقة”. وأوضح رؤيته: “تسويغ وجود مظلومية لجزء من سكان العراق لا ينبغي أن يبرر انفصالاً في فترة نحن نحتاج فيها إلى وحدة الصف. انفصال شمال العراق تهيئة لانفصال مناطق متعددة أخرى سيكون لها تأثير على الواقع الجغرافي السياسي، بما يؤول إلى تفتيت المنطقة في نهاية المطاف”.

ويبقى السؤال المطروح والمتكرر على لسان الباحثين والمحللين، هل بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض هيمنتها على المنطقة العربية والإسلامية بشكل أوسع؛ من خلال مخطط أصبحت ترصده أعين المواطنين في الدول المعنيّة، قبل أن ترصده مناظير المحللين والخبراء الذين يتابعون المشهد عن بعد؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى