الماكيافيلي ضيفاً ثقيلاً على سوريا/ عبد الكريم أبا زيد
يقول ماكيافيلي في كتابه “الأمير”: “إذا دخلت الحرية مدينة فيجب تدميرها”! لم يكن يخطر على باله آنذاك عندما ألَّف كتابه أن يأتي يوم تدخل فيه الحرية بلداً بأكمله، “فحقَّ عليها القول فدمرناها تدميرا”!
يقول دعاة النظام إن سوريا قبل أن تدخل إليها الثورة كانت تتمتع بالأمن والاستقرار. بالفعل كان هناك “استقرار” دام نحو نصف قرن، لكنه كان استقرار الخوف، استقرار القمع الوحشي والقبضة الحديد لرجال الأمن الذين كانوا ينظرون إلى الشعب بصفته الخطر الوحيد الذي يهدد بقاء النظام.
أذكر أن اجتماعاً عقد في مقر اتحاد نقابات العمال دعي إليه مثقفون وموظفون وطلاب وعمال. كان ذلك الاجتماع قبل أكثر من عشر سنين، بعدما أغلقت أجهزة الأمن “منتدى الأتاسي” الذي كان يعقد في داره كل شهر يتناول بالنقد البنّاء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا.
كانت أول كلمة نطق بها المسؤول الذي اعتلى المنبر “لا تخافوا”!
قالها بعنجهية و”معلمية”، محاولاً وضع قسمات الهدوء على وجهه.
لا تخافوا! احكوا ما عندكم! نحن مع الشفافية! نحن مع الرأي الحر! خرجت هتافات من أماكن محددة سلفاً تهتف بحياة القائد والحزب القائد!
وقف أحد الحاضرين وقال: ولماذا تدعونا إلى أن لا نخاف؟ في بلدان العالم الديموقراطية الحكّام يخافون من الشعب! يخافون أن لا يعيد انتخابهم، ونحن هنا بالفعل نخاف! لأننا منذ أن تسلمتم السلطة نعيش في ظل حال الطوارئ.
لا نعلم مصيره! قيل إنه اختفى بعد انتهاء الاجتماع!
في بلدان العالم الديموقراطية يحتمي المواطن بدولته، أما عندنا فكان يخاف منها. هو لم يلق منها سوى الاضطهاد والقمع والسجن والقتل والتشريد وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها. هل سمعتم أن شعباً يطلب من الأمم المتحدة أن تحميه من حكومته؟ إنه الشعب السوري. وقديماً قال ابن المقفع: “شر الحكام من يخافه البريء”! أما ماكيافيلي فنصح: “من الأفضل للأمير أن يكون مرهوباً لا محبوباً”.
بعدما كسر رجال الأمن أنامل الفنان علي فرزات، رسم زهرة صغيرة ترفع دبابة كبيرة في الهواء وهي تشقّ الأرض لتنبت، وقبل أكثر من سبعين عاماً كتب الأديب والمفكر اللبناني عمر فاخوري: “يقولون إن العين لا تقاوم المخرز، ولكن التاريخ شهد صراعات كثيرة بينهما، وكثيراً ما كان ينبت للعين ظفر وناب”!
عندما اعتقل رجال الغستابو الألمان المناضل ضد النازية برنار تريستيان وزوجته قال لها: “لقد انتهى الآن زمن الخوف وبدأ زمن الأمل”.
لقد كسر المواطن السوري حاجز الخوف بعد 18/3/2011، وهو عندما يخرج طلباً للحرية لا يريد من العالم حمايته لأنه يخاف من الموت، ولو كان كذلك لما خرج. إنه يعلم أنه قد لا يعود إلى بيته حياً. إنه يخرج في التظاهرة لحماية إنسانيته وكرامته وكي يشعر بأنه حر وليس أسيراً لدى النظام!