سمير التنير
نظرت بحدة إلى صورتها العارية التي وضعتها على الإنترنت. إنها الشابة التي خلعت ثيابها كي تتحدى كل التقاليد السائدة. إنها علياء مهدي، الشابة التي لم تبلغ العشرين بعد، والتي تدرس الفنون في الجامعة الأميركية في القاهرة. الاعتراض موجه إلى مضطهدي النساء. ولذلك فعلت الأمر غير المسموح به على الإطلاق في مجتمعاتنا: التعري.
تقول علياء «إخلع ثيابك وانظر إلى نفسك في المرآة، وتأمل جسدك الذي تكرهه كيف يحترق، وتخلص أخيراً من عقدك الجنسية». وأثارت صورتها العارية وما كتبته تحتها عاصفة حادة من النقد. واعتبر ذلك الفعل فضيحة مدوية لا يمكن السكوت عنها. ولم يرض عن ذلك العلمانيون أيضاً. واعتبر عملها غير أخلاقي، ولا فائدة منه، هناك وسائل أخرى للاعتراض.
أثارت المرأة العربية إعجاب العالم، وهي تشارك في التظاهرات الصاخبة في جادة الحبيب بورقيبة في تونس، وفي ميدان التحرير في القاهرة، لقد غيرت المرأة العربية صورتها القديمة والنمطية المعروفة عنها. وأظهر وقوفها إلى جانب الشبان ان الديموقراطية ليست مستحيلة في الوطن العربي. وان المرأة العربية تتقدم لأخذ مكانها الذي تستحقه في المجتمع.
لم تكن الثورات العربية ممكنة من دون مشاركة المرأة. لقد كانت البادئة في البحرين وفي ليبيا وفي سوريا. وقد حصلت توكل كرمان اليمنية على جائزة نوبل للسلام تقديراً لنضالها في سبيل الحرية والديموقراطية.
انتشرت الأنباء منذ شهر عن النجاحات المدوية للأحزاب الإسلامية في الانتخابات التي أجريت في تونس وفي مصر. وسادت أوساط النساء في تونس (حيث بدأ الربيع العربي) الخوف من فقدان الحقوق التي حصلوا عليها من قبل، والتي جعلت من المرأة التونسية الأكثر تحرراً في البلدان العربية. كما ان اللجان الدستورية التي أقامها المجلس العسكري في مصر لم تضم أية امرأة.
من هنا السؤال: هل تخسر المرأة العربية الحقوق التي حصلت عليها زمن الديكتاتوريات؟ لقد نشأت في تونس ومصر طبقة مدنية نسائية كبيرة جداً. وكان زين العابدين بن علي وحسني مبارك يفاخران بالحقوق التي أعطيت في عهدهما للمرأة. ويظهر تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي الذي صدر عام 2002 وتحت عنوان «تمكين المرأة» ان استبعاد المرأة عن النشاط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كان من الأسباب الرئيسية لتخلف أقطار الوطن العربي. وفي مصر قامت سوزان مبارك بنشاط مهم من أجل زيادة حقوق النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بعد سقوط الأنظمة العربية الموالية للغرب، وصعود الإسلام السياسي، يسود القلق الأوساط النسائية العربية من فرض فهمها الخاص لدور المرأة في المجتمع، وخاصة في تونس التي عاشت نخبتها العليا وفق النموذج الفرنسي حيث حرية النساء بلا حدود ولا ضوابط.
تتمتع النساء في تونس بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل. علماً أن نسبة الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة (14 إلى 19 سنة) منخفضة جداً. وقد وضعت تلك القوانين في عهد الحبيب بورقيبة الذي تبنى المبادئ العلمانية لإدارة المجتمع التونسي وفق النموذج الأتاتوركي. ولكن تلك الإصلاحات لم تمتد إلى الريف الذي يبقى سكانه محافظين على التقاليد الإسلامية.
أما اليوم، فتشهد أقطار عديدة من الوطن العربي عودة إلى ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية. وينسحب ذلك أيضاً على الزي الذي ترتديه النساء. ففي تونس كانت نسبة المحجبات قليلة، أما اليوم فإن الكثرة من النساء يرتدن الحجاب، علامة على هويتهن الجديدة البعيدة عن تقليد الغرب وعاداته.
لا تظهر المفكرة التونسية سناء بن عاشور قلقها حول التغيرات التي ستطرأ على عادات المرأة وأزيائها تحت حكم الإسلاميين. وترى ان الفتيات اللواتي يضعن الحجاب ويلبسن في الوقت نفسه الجينز الضيق، لسن صادقات مع أنفسهن. أما في مصر فالوضع أخطر، اذ ان أغلب نساء مصر يضعن الحجاب فوق رؤوسهن، ومن النادر ان تعثر على امرأة مصرية من دون حجاب.
تشارك النساء في مصر في الحياة السياسية وذلك منذ ثورة 1919 ضد البريطانيين. وفي عهد جمال عبد الناصر حدث اختراق اجتماعي وأصبحت المرأة تعمل في كافة المجالات. لكن الأمر عاد إلى الانتكاس في ثمانينيات القرن الماضي عند بداية صعود الإسلام السياسي. أما في العراق فالأمور أسوأ بكثير. إذ اضطرت كثرة من الفتيات إلى قطع دراستهن بسبب المضايقات التي يتعرضن لها.
بعد الانتصار الذي حققته حركة النهضة الإسلامية في تونس لم تظهر النساء التونسيات قلقاً من انقلاب الأوضاع، فيما يخصهن. كما ان قادة الحركة أكدوا ان لا قوانين جديدة تحد من الحقوق التي حصلت عليها النساء من قبل. وعلى سبيل المثال فإن سمية الغنوشي، ابنة زعيم الحركة راشد الغنوشي، عملت محررة في جريدة «الغارديان» البريطانية عندما كان والدها منفياً هناك.
إن التحليل السابق لا يعفي المرأة العربية من مواصلة النضال للمحافظة على الحقوق التي حصلت عليها، وللمشاركة في تقرير مصائر الشعوب العربية، التي تعيش حالياً ثورة تاريخية عارمة لن يسلم منها أي قطر عربي في مشارق الوطن ومغاربه.
السفير
