المزيد من المدد لـ “داعش”/ إياد الجعفري
تنظيم “الدولة الإسلامية” ينكمش شمالاً وشرقاً، ويتمدد جنوباً وغرباً، وحدود إسرائيل ما عادت بعيدةً كثيراً عنه. هذا ما أكدته جريدة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية في تقرير أوردته على موقعها الالكتروني.
لم تورد الجريدة أية توقعات حول مصير الهدنة التي ما تزال تحكم جبهة الجولان السوري المحتل مع إسرائيل، في حال وصول مقاتلي تنظيم “الدولة” إليها.
تلك الهدنة بقيت قائمة فعلياً، حتى بعد سيطرة جبهة النُصرة على أجزاء واسعة من نقاط التماس مع المناطق المحتلة من الجولان. لكن هل ستبقى هذه الهدنة قائمة في حال تمكن مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” من الوصول إلى هناك؟
ربما علينا أن نطرح السؤال الأخير بصيغة أخرى: هل يمكن أن تسمح إسرائيل بوصول مقاتلي تنظيم الدولة إلى أعتاب المناطق التي تحتلها في الجولان؟
أظهرت جبهة النُصرة درجة عالية من البراغماتية منذ سيطرتها على أجزاء من نقاط التماس مع الجولان المحتل. ورغم أنها محسوبة على تنظيم “القاعدة”، إلا أن “النُصرة” لم تفتح جبهات أخرى عليها، واكتفت بالحرب مع النظام السوري.
هل يتمتع تنظيم “الدولة” بالبراغماتية ذاتها؟…لا يبدو ذلك. على العكس، يبدو أن التنظيم يراهن على إشعال المزيد من الجبهات، وجذب المزيد من الأعداء. هذا ما أوحى به إعدام الصحافيين الأجانب، ومنهم الأمريكيون، والذي أعطى واشنطن الذريعة الكافية للدخول على خط الحرب ضد التنظيم.
على خلاف “جبهة النُصرة” التي تراهن على معادلتين: التمكين لها في المناطق التي تسيطر عليها عبر نيل قبول السكان المحليين، وحصر الجبهات التي تقاتل فيها. يراهن تنظيم “الدولة” على معادلتين أخريين: التمكين له عبر فرض سلطته المُطلقة على المناطق التي يسيطر عليها ونيل “بيعة” السكان المحليين وطاعتهم فيها، وفتح الجبهات التي يمكن أن تحقق له هدفين، التعبئة المعنوية، والمكاسب السريعة.
لذلك ركز تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ البداية على مواجهة فصائل المعارضة السورية المُشتتة، فهكذا مواجهات تحقق له مكاسب سريعة، فيما جمّد التنظيم، لأكثر من عام، جبهة النظام السوري، قبل أن يقوى عوده منذ مطلع الصيف الماضي، حينما نفذ اجتياحه السريع لمناطق واسعة في العراق وشمال شرق سوريا.
بعد أن قَوِيَ عود التنظيم خلال الصيف الماضي، بحث قادته عن سبل التعبئة المعنوية للمزيد من الأنصار والمقاتلين المتحمسين لأجنداته. وكان إعدام الصحافيين الغربيين، بما فيهم الأمريكيون، يندرج في سياق جذب الغرب للتورط في الحرب ضده، بغية تحقيق المزيد من التعبئة، وجذب المزيد من الأنصار.
اليوم، يواجه التنظيم انتكاسات ملحوظة على الجبهتين الشرقية والشمالية، مع العراقيين والأكراد (بما في ذلك الوضع في عين العرب – كوباني شمال سوريا). هذه الانتكاسات لا بُد أنها أقلقت التنظيم، فهو يراهن على انتصارات سريعة تحقق له تعبئة أكبر للمزيد من الأنصار والمقاتلين، تتيح له السيطرة على المزيد من المناطق وبالتالي الموارد.
لذلك، بدأ التنظيم يتمدد غرباً وجنوباً. في ريف حمص الشرقي، حقق التنظيم اختراقات مهمة، قد يكون أبرزها، معنوياً على الأقل، ما أُشيع عن أن عبد الباسط الساروت، وكتيبته “شهداء البياضة”، قد بايعت التنظيم.
يستفيد التنظيم من شعور الخذلان العميق الذي تعيشه شريحة واسعة من مقاتلي المعارضة الأوائل، الذين يتحدرون من “الزمن الجميل” أيام الحراك الثوري السلمي. فالتنكيل الذي تعرضت له البيئة الحاضنة لهذه الشريحة من جانب النظام، خاصة في حمص، يشكل دافعاً قوياً للتطرف، والاستعداد لتقبل أي خيار يُتيح فرصة الانتصار على النظام، وربما الانتقام منه.
اليوم، يتفاقم هذا الخذلان مع الدعم الدولي شبه الكامل لمبادرة روسيا الساعية لحل سياسي يجمع المعارضة والنظام. حليف النظام في موسكو عليه أن يُراعي مصالح حليفه في طهران، ويصر الأخير على بقاء الأسد، لذلك من المُرجح أن خلاصة المساعي الروسية ستُودي إلى صيغة حلّ تُبقي بشار الأسد على رأس السلطة بدمشق، مع تقليص لبعض صلاحياته، دون النيل من الجوهري فيها.
صيغ كهذه للحل، ودعمها دولياً، سيزيد من شعور الخذلان المُتفاقم لدى المتضررين من جرائم النظام وبشائعه. عبد الباسط الساروت كمثال، فقدَ عدداً من أخوته وأقاربه، وخرج مكلوماً من مسقط رأسه في حمص. مثال الساروت يقبل التعميم على شريحة واسعة من المعارضين المتواجدين على الأرض السورية.
هذه الشرائح بيئة مستعدة لتقبّل تنظيم “الدولة”. فما بالك لو وصل التنظيم إلى أبواب إسرائيل، جنوباً، وهدد أمن المناطق الخاضعة لسيطرتها. ألن يؤدي ذلك إلى المزيد من التعبئة المعنوية للمزيد من أنصار التنظيم؟
خلاصة ما سبق: إن انتهت مبادرة موسكو للحل بسوريا إلى صيغة تُبقي الأسد، وأيّد الغرب تلك المُبادرة، فتلك ستكون الوصفة السحرية التي ستُضيف لتنظيم “الدولة الإسلامية” رصيداً كبيراً من الحانقين والمخذولين، المستعدين للقتال تحت رايته. ومع الضغط الذي يتعرض له التنظيم في جبهات العراق والأكراد، ومع توافر عنصر التعبئة المعنوية في جبهتي النظام وإسرائيل، يبدو أن التوجه غرباً وجنوباً، سيكون الخيار الأمثل للتنظيم وقياداته.
الخاتمة أن أي حلٍ لا يُرضي الشريحة الواسعة المتضررة من تنكيل النظام، لن يُفلح في تحقيق إجماع شعبي سوري يكفي لإقامة سلطة قادرة على مواجهة التطرف والمتطرفين. وستكون النتيجة عكسية، إذ سيكون للتطرف مدداً جديداً، ومرحلة أخرى من الأخذ والرد، ستكون أكثر شراسةً وعُنفاً، لأنها ستطال هذه المرة خطوطاً حمراء غربية، على أعتاب دمشق كعاصمة للأسد، وعلى أعتاب إسرائيل في الجولان السوري المحتل.
المدن