المسيحيون العرب: هذا هو المستحيل بالضبط
جهاد الزين
يواجه المسيحيون العرب بشكلٍ متزايد من مصر إلى سوريا ناهيك عن العراق لحظة مدهشة الاستحالة والمأسوية.
في مرحلة جديدة غير مسبوقة تشهد انتصار إحدى أهم القِيم الغربية بل القيمة الأهم للثقافة السياسية الغربية بين نخب وشعوب العالم العربي وهي الديموقراطية… يتعرضون –أي هؤلاء المسيحيون العرب- لأخطار أمنية وسياسية وثقافية توجّه ضربات لوجودهم أو ما تبقى من وجودهم – وهو كبير وفاعل- في المشرق العربي.
مأساوية هذا الوضع تكمن في أنهم يواجهون خطرا وجوديا في لحظة انتصار قيم الثقافة السياسية الغربية المفترض أنهم “ممثّلوها” الأكثر حيوية منذ عصر النهضة العربي في القرن التاسع عشر، وهو دورٌ استمروا بممارسة تأثير ثقافي واقتصادي واجتماعي كبير فيه حتى بعد أن انتهى عصر النهضة العربي اعتبارا من العام 1948 تاريخ تأسيس دولة إسرائيل الذي حمل معه منذئذٍ تكريسا طويلا وأحيانا متوحّشا للمسألة الوطنية على حساب شبه تام للمسألة الديموقراطية في العالم العربي… وحمل معه أنواعا مختلفة من الديكتاتوريات أو كرّس ديكتاتوريات قائمة.
أما استحالة الوضع الذي يجد المسيحيون العرب أنفسهم فيه بعد ثورات “الربيع العربي” فتكمن في أنهم يبدون متراجعين سياسياً وديموغرافيا بل حتى “مهزومين” في لحظة “انتصارهم” القيمية أي لحظة تحوّل النخب العربية نحو الديموقراطية.
كيف تشعر بـ”الهزيمة” في لحظة “انتصارك”؟! هذا هو المستحيل بالضبط… وأنا هنا أضع كل كلمة استخدمها بين هلالين لأحاول أن أتحفّظ على اللغة رغم أنني أريد تظهيرَ معنى مأساويٍّ جدا في المرحلة الراهنة.
كيف يمكن أن تتحوّل الفرصة الديموقراطية التي استقطبت إلى مدارها، بالنتيجة، نخبا واسعة من الإسلام السياسي إلى لحظة تهديد يومي لحياة المسيحيين العرب – على الأقل لمشاعرهم- في المناخ الديموقراطي الجديد.
ثمة خلل عميق إذن لا يجوز تجاهله أو اعتباره ثانويا. صحيح القول الذي يردده البعض وبينهم صديقي السوري ميشال كيلو وإبن بلدي سمير جعجع من أن المسيحيين العرب لا يمكن أن يكونوا ضد الخيار الديموقراطي السياسي للشعوب العربية، وصحيح أن التيارات السلفية المتشددة، وليس فقط المسماة “الجهادية”، تهدّد النخب الليبرالية المسلمة أيضا من تومبوكتو إلى الموصل مرورا بمصر، لكن كل هذه الحقائق المتناقضة هي دليل على تعقيد الحالة وليس على عدم صحّة كون المسيحيين مهددين.
لهذا بات من الضروري أيا تكن المعالجات أن نسمع من ليبراليّي وعلمانيّيي “الربيع” اعترافا جديا بخطورة المشكلة. ويستطيع المراقب القول أن هذا “الاعتراف” وما يتطلّبه من مواجهة شجاعة بدأ يظهر في مصر بأقلام وتصريحات العديد من النخب العلمانية، وإن كانت “حركة الإخوان المسلمين” الحاكمة هناك تعكس ممارساتُها حينا وصمتُها حينا آخر عجزاً حقيقياً بل “لا مبالاة” ضمنية تتجاوز مجرد التظاهر اللفظي بالاستنكار لممارسات التعصب الديني والسياسي. لا أقول قطعا أنه تواطؤٌ ولكنه علامة على نظرة للموضوع لا تعتبره بين الأولويات الفعلية لثقافة النخبة الجديدة الحاكمة.
لذلك النخبة السورية المعارضة، لا سيما “العلمانيين”، هي المطالبة بخطاب أكثر اعترافا بصعوبة المشكلة وبما يؤدي إلى جعله بين الأولويات. صحيح هو الخطاب التبريري بأن كل الثورات تشهد “تجاوزات” ولكن نعرف جميعاً أن هذا تبسيط للمشكلة… مجرّد هروب منها في الزمن السلفي الذي يكاد يجعل العلمانيين مقسومين بين “علمانيين” سعوديين و”علمانيين” إيرانيين… في الحرب “الأهلية” المسلمة الدائرة.
… وفي ما يعنينا في لبنانَ، الشاهدِ المهمِّ جدا على التاريخ العربي الجديد، علينا أن نسأل ما الذي يجعل كاتباً إسرائيليا يقول مؤخرا في “يديعوت أحرونوت” حسب مقالة نشرتها “قضايا النهار” أول من أمس: “ضَمُّ السُنة والشيعة إلى لبنان قضى عليه؟”.
النهار