صفحات العالم

المظاهرات السلمية وأساليب التعامل معها: تركيا ـ إيران ـ العراق ـ سورية

د.عبد الحميد صيام

نظم أنصار البيئة مظاهرة صغيرة في إسطنبول قبل نحو أسبوعين احتجاجا على قرار الحكومة بناء مركز تجاري يشمل مسجدا في حديقة غازي التاريخية بميدان تقسيم. وكان يمكن للمظاهرة أن تمر من دون أن ينتبه إليها أحد، لولا أن رد الشرطة كان عنيفا وغير متوقع، مما أعطى فرصة لمعارضي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يحشدوا مئات الألوف وربما الملايين ويحولوا المظاهرات في ميدان تقسيم إلى حركة احتجاجية واسعة تطالب برحيل أردوغان. وقد أدى استخدام الشرطة للعنف المفرط ضد المتظاهرين، الى سقوط 3 قتلى وأكثر من 4000 جريح، من بينهم 43 حالتهم حرجة. بدأ العديد من المحللين والصحافيين والمعلقين يقارنون هذه الاحتجاجات بمظاهرات الربيع العربي، خاصة مظاهرات ميدان التحرير وأسرعت أنظمة الطغيان والقمع العربية الى تقديم النصائح لأردوغان بالاستقالة، بل وذهب وزير الإعلام السوري إلى أبعد من هذا عندما نصح السيد أردوغان باحترام إرادة شعبه واختيار الدوحة كمنفى إختياري له، وأضاف قائلا ‘إن استخدام العنف المفرط ليس صحيحا في مواجهة الشعب التركي والمتظاهرون ليسوا إرهابيين’. ويبدو أن السيد أردوغان استمع لنصيحة الوزير السوري الخبير في الرد على المظاهرات بالطرق السلمية، واعتبار المتظاهرين ليسوا إرهابيين، فلم يستخدم إلا خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، ولم يسمح للجيش بالتدخل ولم يسقط إلا ثلاث ضحايا وربما أربع ضحايا، وشكلت لجنة للتحقيق في الحوادث وقدم رئيس الوزراء ونائبه اعتذارا للضحايا وأهاليهم أكثر من مرة، وقرر السيد أردوغان الاجتماع بزعماء المحتجين للاستماع إلى مطالبهم. ونقترح على السيد أردوغان أن يشكر السيد الوزير لوضع خبرة النظام السوري العريقة في السماح بالاحتجاجات السلمية، التي لا يسقط فيها لا قتلى ولا جرحى ولا يتحرش فيها جيش أو شرطة أو قوات أمن أو شبيحة، وتتم معاملة المحتجين على أنهم وطنيون غيورون على وطنهم وليسوا إرهابيين، وقد يوسع أردوغان الشكر لجاري تركيا الآخرين العراق وإيران، لأنهما أيضا خبيران في التعامل الإنساني مع الاحتجاجات واستيعاب التحركات السلمية والاعتصامات، من دون استخدام مفرط للقوة.

كم نتمنى لو كان رد النظام السوري على نقطة البداية في الاحتجاجات السلمية في مدينة درعا يوم 15 آذار/مارس 2011 بنفس الطريقة التركية، باستخدام خراطيم المياه والعصي والغاز المسيل للدموع، وكم تمنينا لو أن النظام السوري انحنى قليلا لشعبه واعتذر من أهالي الأطفال الذي عذبوا وقتلوا، لربما تجنبت سورية حمام الدم الذي ما زالت غارقة فيه.

انتقادات حقيقية ضد أردوغان

هذه الاحتجاجات المليونية تشير إلى أن هناك أسبابا حقيقية وراءها، وما كان ميدان تقسيم إلا الشرارة التي أطلقت مخزونا من الغضب والإحباط والتظلم ضد سياسات أردوغان من قبل أنصار النظام القديم والأحزاب الأتاتوركية الشوفينية والتيارات الأكثر علمانية. يتهم المحتجون أردوغان بأنه أصبح طاغية وسلطويا ومتعجرفا مستندا إلى حجم إنجازات حزبه الذي يقود البلاد منذ عام 2002، التي وضعت تركيا ضمن أعظم الدول الاقتصادية في العالم. وهناك مجموعة من الممارسات التي لا تليق بالنظام الديمقراطي المستقر في تركيا يسوقها معارضو النظام نذكر منها:

1. تقول منظمة حماية الصحافيين إن حرية التعبير قد ضاقت في عهد أردوغان وأن أعدادا من الصحافيين أودعوا السجن بتهم ملفقة. وتقول المنظمة إن هناك تهديدات تطلق على الصحافيين وعمليات طرد وتشهير ومضايقة ومصادرة للصحف أو إغلاق لها بسبب مواقفها المناوئة لأردوغان. وقد بلغ عدد الصحافيين المعتقلين مع نهاية عام 2012 أربعة وتسعين، حسب نقابة الصحافيين التركية، بينما يقبع في سجون الصين 27 وفي السجون الإيرانية 42. وقد تقدم أردوغان بشكاوى عديدة ضد بعض الصحف والصحافيين بتهمة التجريح، واعتبر الإعلام الاجتماعي أكبر خطر على المجتمع.

2. فرض غرامات عالية على بعض الشركات التي تنتقد علانية سياسة أردوغان مثل شركة دوغان يايين للإعلام.

3. رفع الدعم الحكومي للمؤسسات الفنية الذي يصل إلى 63 مليون دولار بحجة الخصخصة، حسب مجلة ‘فورن أفيرز′ الأمريكية، التي تقول إن أردوغان من جهة يعزز الديمقراطية ومن جهة أخرى يعتدي عليها. وإذا ما تم تجميد الدعم الحكومي فستغلق أبواب نحو 60 مسرحا، بالإضافة إلى إغلاق معارض فنية وإنهاء عمل بعض الفرق الموسيقية والمسرحية.

4. تدرس الحكومة حاليا إصدار قرار يقضي بالتضييق على بيع الكحول، خاصة بين الساعة العاشرة مساء والسادسة صباحا ومنع الإعلانات الخاصة بالكحول ومنع فتح محلات جديدة تبيع الكحول أو تستهلكها كالنوادي الليلية إذا كانت قريبة من المدارس.

5. يحاول أردوغان أن يلوي ذراع اللجنة المشتركة التي تعد الدستور الجديد، الذي يسعى أردوغان من خلاله إلى تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي برلماني يعطي الرئيس المنتخب صلاحيات واسعة على الطريقة الفرنسية، بحيث يتم تقاسم السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء. وعندما لم تتوصل اللجنة إلى رأي قاطع في الموضوع ظل أردوغان يهدد باستخدام صلاحياته لفرض النظام الثنائي ‘الرئاسي البرلماني’. من الواضح، يقول معارضو أردوغان، انه ينوي الترشح لمنصب الرئيس بعد نهاية ولايته عام 2014 ويترك رئاسة الوزراء للرئيس الفخري الحالي عبدالله غول، مستنسخا بذلك تجربة الثنائي بوتين ـ ميدفيدف الروسية.

5. هناك تخوف جاد من قبل العلمانيين من خطر أسلمة تركيا العلمانية، بسبب سياسات أردوغان وتشجيعه. أردوغان من جهته ينفي أن لديه أية نية للتخلي عن علمانية تركيا، كما يقول ‘البعض يسموننا حزبا إسلاميا والبعض الآخر إسلاميا معتدلا، ولكننا لا هذا ولا ذاك. نحن حزب محافظ ديمقراطي ولسنا حزبا دينيا وعلى الجميع أن يعرف هذا’. لكن المعارضة لا تأخذ هذا الكلام على محمل الجد وترى أن التيارات الدينية قد انتعشت في عهد أردوغان وحزبه الإسلامي، حتى لم يحمل في طيات اسمه هذه الصفة. إذن هناك أسباب حقيقية تدعو المعارضة التي خسرت انتخابات 2002 و2006 و2011 أن تحشد أنصارها وتتظاهر بطريقة حضارية، لأن الدستور يكفل لهم هذا الحق ولا يستطيع أحد أن يسلبهم هذا الامتياز. ونحن نقف مع هذا الحق ونؤيد حق الاحتجاج السلمي في كل مكان وندين أي نوع من استخدام القوة ضد التظاهر السلمي.

المظاهرات في دول الجوار

لا نستطيع أن نقارن ديمقراطية تركيا، التي بالكاد أكملت عقدها الأول مع الديمقراطيات العريقة. فأجهزة الأمن والشرطة بشكل عام تربت في ظل النظام السلطوي السابق، الذي كان يقوده الجيش. فلا عجب أن نرى هذا الإفراط في استخدام خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والعصي والهراوات. ولكن مقارنة بسيطة بين ردود فعل الحكومة التركية على الاحتجاجات مع تصرفات جيرانها الثلاثة الذين راحوا يقدمون لها النصائح ويقرعون أردوغان على هذا التصرف المشين تظهر الفرق بين النموذجين: النموذج التركي والنموذج الإيراني- العراقي- السوري. وهذه عينة صغيرة من ردود أفعال جيران تركيا

طهران 12 يونيو 2009

بدأت الاحتجاجات الجماهيرية ليلة 12 حزيران/يوينو 2009 بعد الإعلان عن نجاح مرشح الرئاسة محمود أحمدي نجاد، فقد تدفقت الملايين إلى الساحات العامة بقيادة مرشحي التيار المعتدل: مير حسين موسوي ومهدي خروبي للإعلان عن رفض النتائج واتهام النظام بتزوير الانتخابات. تم سحق المظاهرات بالقوة بعد أن نزلت إلى الشوارع قوات الشرطة وميليشيات الباسيج، التي اعتقلت الآلاف وأودعت قادة المعارضة في السجن، بمن فيهم أخو محمد خاتمي ورؤساء التيار الإصلاحي. وقد أثار مقتل الشابة ندا سلطان إدانة عالمية. بلغ عدد القتلى نحو 72 معظمهم برصاص الباسيج. أغلقت الجامعات وأقفلت شبكات الإنترنت والهاتف المحمول وأعلن المرشد الأعلى أن الاحتجاجات هي مؤامرة صهيونية ويجب أن تحارب حتى النهاية وقال: ‘يجب إعدام قادة المظاهرات لأنهم يعلنون حربا على الله’. وبعد ثلاثة اشهر تم قمع المظاهرات بالقوة والتعذيب والاعتقال والتهديد. والسؤال الذي يدور في أذهاننا جميعا الآن هل ستطلق الانتخابات الرئاسية القادمة ربيعا إيرانيا جديدا؟

الحولة- سوريا 25 مايو 2012

انطلقت في بلدة الحولة مظاهرة سلمية يوم الجمعة تحت شعار ‘دمشق: موعدنا قريب’. تم اقتحام القرية الواقعة في ريف حمص من قبل الميليشيات المسلحة والشبيحة تحت غطاء من قذائف الدبابات، حسب تقرير الجنرال روبرت مود رئيس بعثة المراقبين الدوليين آنذاك. قتل في البلدة نحو 92 مدنيا، من بينهم 30 طفلا، بينما تقول مصادر المعارضة إن العدد تجاوز 110. وقد أدان المذبحة كل من الأمين العام بان كي مون والمبعوث الخاص كوفي عنان، كما أصدر مجلس الأمن بيانا يدين المجزرة.

‘الحويجة- العراق 23 أبريل 2013

اقتحمت قوات الجيش العراقي مدعومة بميليشيات سوات التابعة لحزب الدعوة ساحة الاعتصام السلمي في بلدة الحويجة التابعة لمحافظة كركوك وأطلقت نيرانها على المحتجين، فأردت ما يزيد عن 82 قتيلا و150 جريحا. وقد بدأت عملية الاقتحام الساعة الخامسة صباحا باستخدام خراطيم المياه الساخنة والهراوات، ثم تعمدت قوات ‘سوات’ والجيش بإطلاق الذخيرة الحية. منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى مكان المذبحة وتم حرق خيام المعتصمين التي ضمت جثث الشهداء.

إنجازات حزب العدالة والتنمية منذ تولى السلطة عام 2002 كثيرة. ولكن أعظم الانجازات عدا عن الازدهار الاقتصادي كانت إبعاد الجيش عن السياسة بعد أكثر من 76 سنة، والتوصل إلى حل سلمي مشرف للأزمة الكردية . أما الإنجاز الثالث، في رأينا، فهو عدم قمع المظاهرات على الطريقة الإيرانية العراقية السورية. وكما قال الرئيس عبد الله غول: ‘لقد كانت مظاهرات ميدان تقسيم أقرب إلى مظاهرات احتلوا وول ستريت منها إلى مظاهرات ميدان التحرير’. وكم كنا نتمنى لو أن الرد على المظاهرات والاحتجاجات العارمة كانت أيضا شبيهة برد السلطات الأمريكية على موجات الاحتجاج التي أطلق عليها ‘احتلوا وول ستريت’.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى