الناقد السوري علي سفر : الدراما السورية تعاني ككل شيء في سوريا
علينا ألا نتجاهل الدراما التي صنعها الثوار على الأرض
24 – خاص
يكتسب الحديث مع الناقد والمخرج علي سفر عن الدراما السورية بعداً يتجاوز الرؤية النقدية للإنتاج الدرامي إلى تفكيك صناعته وآليات عمله ومنهج التفكير فيه وصولاً إلى منصة العرض وأحكامه، فالناقد الأكاديمي سفر الذي تخرج من قسم الدراسات المسرحية بالمعهد العالي للفنون المسرحية، سبق أن عمل مخرجاً تلفزيونياً، وقام بكتابة السيناريو التلفزيوني، كما قام بمعالجات درامية لسيناريوهات أخرى، وتولّى مهمة مدير البرامج لقناة “سوريا دراما”، المختصة، لسنوات طويلة، وبالتالي يمتلك مفاتيح التحليل والتفسير، من داخل الملعب
ما هو تقييمك بشكل عام للدراما العربية هذا الموسم؟
من خلال ما يمكن للشخص أن يتابعه في هذا الازدحام البصري العام، ضمن حيّز زمني بسيط، أعتقد أن الدراما العربية، وبحسب معيار الراهنية السياسية، ما تزال غير مستجيبة لجرعات التغيير الذي فرضته، على الجميع، ثورات الربيع العربي.
إن تصنيع بعض الحلقات، من بعض المسلسلات، التي يتمّ فيها تصوير مشاهد الثورات، لا يمثل استجابة لما حدث، فالزلزال السياسي يستتبعه هزات ارتدادية نلمسها في المجالات كافة، في الحياة، ولكن هذا لم يحدث في الدراما، على رغم وجود مسلسلات تقترب من الأمر الواقع الجديد، الذي يستلزم من الدراما، بوصفها المنتج الفني الأكثر جماهيرية في المنطقة، ويتطلّب من صنّاعها، الاقتراب أكثر من تغيير البنى السائدة في طريقة تصنيعهم لخطاباتهم. تغيير يبدأ من الأفكار التي يتمّ بثها في الدراما، ولا ينتهي بالأشكال البصرية.
وإذا قاربنا ما أقوله على أرض الواقع، نرى كيف أن المواضيع الغالبة، على ما شاهدته شخصياً من دراما، ظلّت خارج تغطية الثورة، فالعجلة الإنتاجية تراهن على كونها تصنع الترفيه المعلب للجمهور، وهذا الأمر لا يعيب العملية الإنتاجية، ولا المنتجين، ولكن ما يعيب الأمر، من خلال نظرة أكثر شموليةً، هو أن يتم تحييد الفن عن مقاربة الواقع الاجتماعي.
وبينما كان تفاقم الأوضاع على الأرض يقتضي أن يحضر الشأن الاجتماعي بقوة، من خلال معالجات أكثر جذرية، تتحرّى ما يحصل على الأرض في المجتمعات التي تتناهشها حصادات التغيير، نرى كيف انكفأت الدراما لتبحث في القضايا الأقل إلحاحاً!
أين تجد الدراما السورية في المشهد؟
الدراما السورية تعاني مثل كل شيء في سوريا، خاصة بعد خروج عدد كبير من الفنانين والكتّاب والمخرجين من البلد. ولهذا فإن البعض يقول بأن أي نتائج درامية نخرج بها الآن تبقى أفضل من تلاشي الحضور الدرامي.
قد نتفق على هذا الكلام من ناحية إجرائية، هي ضرورة استمرار الحضور الدرامي. وفعلياً إذا راجعنا قائمة الأعمال المُنتجة سنلاحظ وجود ما يقارب الثلاثين عملاً دراماً، تتوزّع بين أعمال اجتماعية، منها مسلسلات تستكمل أجزاءها، ودراما بيئة شامية، وأعمال ذات تيمة واحدة، يتم معالجتها من قبل عدد من الكتّاب، وأعمال كوميدية، تتنوع مستوياتها بين المُسف، والمقلّد، والخفيفة المُوجّهة للأسرة، وغير ذلك.
إنها حصيلة لا بأس بها، من ناحية حجم الإنتاج، الذي يتم في مجتمع يعاني من تبعات الثورة والحرب. ولكن، من ناحية نقدية، علينا التدقيق بالأعمال التي يتمّ عرضها على أنها دراما، وإثارة سؤال: هل هي بسوية تستحقّ المشاهدة؟
أظن أن الشرط الإنتاجي الذي يتيح لصنّاع الدراما الانطلاق برحابة نحو تصنيع مادة يتمّ من خلالها استكمال المشاريع الفنية المُبشّرة التي كانت قد بدأت قبل الثورة، كان غائباً، ولهذا فقد لجأ البعض إلى التصوير في أمكنة محدودة، وبالاعتماد على مخرجين متوسطي الموهبة، أو لنقل بمواهب مسقوفة برغبات المنتجين، كما أن غياب الممثلين الذين غادروا البلاد، فرض سوية محددة من الأداء، على أغلب الأعمال.
ما رأيك بمقاربة الدراما السورية لما يحدث في سوريا؟
الأعمال التي تقارب الواقع السوري الحالي، مما أتيح لي مشاهدته، أربعة أعمال، هي “منبر الموتى”، أو الجزء الثالث من مسلسل “الولادة من الخاصرة”، للكاتب والشاعر سامر رضوان، والذي تمّ إخراجه من قبل مخرجين اثنين هما رشا شربتجي التي أخرجت الجزئين السابقين، وبعضاً من حلقات الجزء الثالث، ليكمله عنها المخرج سيف السبيعي، والعمل الثاني هو “سنعود بعد قليل”، الذي كتبه رافي وهبة، عن فكرة مُستقاة من فيلم إيطالي معروف، هو فيلم “الجميع بخير”، وقام بإخراجه الليث حجو، والعمل الثالث هو مسلسل “وطن حاف”، الذي كتبه كميل نصراوي، وأخرجه كلٌّ من محمد فردوس أتاسي، ومهند قطيش، والعمل الرابع هو ثلاثيات “تحت سقف الوطن”، لنجدت أنزور.
هنا أرغبُ، من خلال ما شاهدتُ، تسجيل بعض الملاحظات، فيما يخصّ المعالجة التي تقدّمها الأعمال الأربعة، وبشكل متباين، فكل هذه الأعمال لا تبدو مهجوسةً بمقاربة الواقع من خلال تحرّيه بشكل توثيقي، وبما يتيح النظر إلى الواقع كما حدث على الأرض، بل إنها تجاوزت الطبقة الأولى من طبقات الحدث لتنظر إلى الطبقة الثانية، أي الطبقة الإعلامية التي ترى الأمر على أنه صراع بين طرفين، دون أن تدقّق في معنى التناظر في بنية الحدث الدرامي، ففي لوحة الصراع الفاعلي، في الحكايا المُحدّدة، في القراءات النقدية التي نعرفها بترسيمة “غريماس”، يكون وجود طرفين متصارعين، دلالةً على وجود عناصر قوة متكافئة بينهما، وحين يتمّ فرض هذا الشكل على العمل الدرامي، يتم تحويل الدراما من عمل جدلي، إلى عمل ذي بعد واحد، أيّ عمل صراعيّ تشويقيّ، وكأن صنّاع الدراما يريدون القول للمشاهدين إن ما يحدث لا يعدو أن يكون سوى مجرد صراع بين طرفين يرغبان بالسلطة، ويتقاتلان حولها، وها نحن نصنع الدراما الممتعة حول ما يحدث، بينما يتمّ تجاهل معطيات حقيقية تتمحور حول فكرة الثورة، التي بدأت حراكاً سلمياً، ثم تحوّلت إلى ثورة مسلحة!
بالتأكيد إن هذا النقد للمعالجة المُقدّمة في هذه المسلسلات لا يتوزّع عليها بالتساوي، بل بشكل متباين، ولعل هذا ما خلق ردّات فعل عنيفة، من قبل الجمهور المُنقسم في الواقع، فالمعارضون اعتبروا هذه الأعمال مشغولة بنفس وروح ورؤية السلطة، بينما رآها الطرف الآخر تعرّض بالسلطة وبالوطن، إلخ.
أعتقد أن الإنحياز في مثل هذه الظروف قد يكون مريحاً، وأفضل من أن يفكّر صناع الدراما بكسب الجميع، وهذه في الحقيقة فكرة ساذجة، لا يمكن تحقيقها في الواقع السوري حالياً. وهنا ربما يكون من المفروض علينا أن نوجّه التفكير نحو موشور نقديّ آخر، يتعلّق بالاستعجال الفني، فأنتَ تعلم، كما يعلم الجميع، أن أهم الأعمال الفنية التي تتحدّث عن تاريخ الشعوب وأحداثه، لم يتمّ تصنيعها في زمن الحدث نفسه، بل بعد مرور وقت كان كافياً لتبين الوقائع، ولنضوج الخطاب النقدي تجاه الحدث، وهذا ما لم يحدث.
على رغم ولادة العديد من القنوات السورية الخاصة، المعارضة تحديداً، إلا أنها اختفت تماماً من المشهد الدرامي السوري. لماذا برأيك؟
القنوات المعارضة غارقة في الحدث على الأرض، عبر المتابعات الاخبارية، وتعتبر معركتها الحالية مستمرةً طالما أن النظام لم يسقط، وهي تضع كل إمكانياتها في هذا السبيل، وحتى إن غامرت بطلب مسلسل درامي، لعرضه على شاشاتها فإنها لن تقدّم الأعمال المنتجة تحت سقف النظام، بل ستلجأ لعرض الدراما القديمة ذات المضامين الوطنية.
وهنا سنلحظ غياب الأعمال الدرامية التعبوية، التي كان من المُفترض أن تُنتج للشدّ من عزيمة الثوّار على الأرض، وحين ستسأل عن الموضوع لن تجد ممولاً واحداً يتحمّل عناء الأمر، ليس تقاعساً، بل إن أغلب هؤلاء يرغبون بتقديم المال من أجل دعم الثورة في الداخل، ودعم العمل الإغاثي، ودعم وسائل الإعلام التي تتوالد بشكل كثيف، وخاصة في مجال المطبوع والمسموع.
وعلى رغم هذا الغياب الواضح للدراما “الثورية”، إلا أنه علينا ألا نتجاهل تلك الدراما التي قام الثوار على الأرض بتصنيعها. ففي حمص يُنتج الناشطون الموسم الثاني من “بقعة ضوء” حمصية، وكذلك يحدث في الزبداني أنهم يقومون بعمل مشابه، بينما لم يتوقّف الأخوان ملص عن تصنيع الدراما الخفيفة، التي تقوم القنوات المعارضة ببثّها، كما لا يمكننا تجاهل البرامج الكوميدية، ذات الملمح الدرامي الساخر، مثل برنامج “حاجي عاد”، الذي يُعدّه “سونغا” أدمن صفحة “الثورة الصينية ضد طاغية الصين”، وكذلك البرنامج الساخر الذي يقدّمه الشاب الموهوب أنس مروة، ويقوم بنشره على صفحات يوتيوب.
فرانس 24