النصرة تريد تغيير المجتمع أيضاً/ مازن عزي
ليس الشاعر أدونيس وحده من يريد تغيير المجتمع السوري، وينظر إلى مسألة إزالة النظام كإشكالية ثانوية. فداعش تشاركه رغبة البدء من العدم، لتأسيس عالم المثل والقيم “الداعشية”، وكذلك جبهة النصرة. الإحالة إلى ضرورة تغيير المجتمع تحمل بعداً فاشياً، يتطلب الخلاص من المختلف، وأحياناً من المتشابه.
فجبهة النصرة، طالبت يوم الثلاثاء، إخوتها في الجهاد على أرض الشام، من الموقِّعين على بيان باسم ميثاق الشرف، بالرجوع عن بيانهم وتعديله وضبطه بألفاظ ومشاريع إسلامية واضحة بيِّنة، والله أعلم وأحكم.
وكانت مجموعة من أكبر التشكيلات العسكرية الإسلامية المقاتلة ضد النظام السوري، قد أصدرت قبل أيام بياناً إشكالياً، خلا من الإشارة إلى دولة الخلافة الإسلامية المنشودة. كما أدخل مجموعة من المفردات الغريبة على لغة هذه الكتائب؛ كالدولة، والثورة، والحقوق، والحريات. وأصبح “للثورة السورية المسلحة غاية سياسية هي اسقاط النظام برموزه وركائزه كافة وتقديمه الى المحاكمة العادلة بعيدا عن الثأر والانتقام”. ووجه نقداً قاسياً للمقاتلين الأجانب على الأرض السورية، وأكد على أهمية المكون السوري، فيما يعتبر أهم نقد موجه ضد داعش.
الميثاق، سبب موجة من التفاعلات حوله، فأطراف المعارضة المدنية، وكتائب الجيش الحر غير الإسلامية، تدرك أن هذا الكلام لذر الرماد في العيون. وهو يستهدف الخارج قبل الداخل، ويحمل نفساً انتهازياً عالياً، يُمكن هذه المجموعة من التشكيلات الجهادية، من نقل البندقية ظاهرياً من كتف إلى أخرى.
لكن الغريب، أن تبادر جبهة النصرة، إلى نقد البيان، لما اعتبرته مساً بها، وموجهاً ضدها. نقد النصرة للبيان كان الأكثر صدقاً في مقاربته لخط الجماعة الجهادي. فاصدرت بياناً مناقضاً، يوجز رؤيتها لطبيعة النزاع في سورية، والأخطاء والشراك التي وقع فيها أصحاب ميثاق الشرف. النصرة عابت على الموقعين على الميثاق “عدم الوضوح والانضباط والتحديد”، واستخدامهم “اصطلاحات وعبارات مجملة ومبهمة يحملها كل فريق على ما يريد”. كما اتهمت التشكيلات بإهمال “محاربة الإفراط والانبطاح والتنازل” والاقتصار على “محاربة الغلو والتنطع”. فالجبهة تجد نفسها اليوم في موقع المدافع عن الذات، وتبدو الخشية واضحة في بيانها، من احتمال انقلاب المقربين من الخط الجهادي عليها. ولذا فهي تُذّكر أخوة الجهاد، بأنه “لا يكفي الإدعاء بالرجوع والاستنباط من أحكام ديننا الحنيف والكل يدعي ذلك”. وهي تفند ميثاق الشرف، وتتحامل عليه حين اقتصرت رؤيته للحل العسكري باسقاط النظام، بل يجب أن يكون الجهاد “عن الدين وحاكميته قبل كل شيء”.
النصرة ترى في توجه الميثاق لتقديم “رموز النظام ومجرميه إلى المحاكمة العادلة بعيدًا عن الثأر والانتقام” مخالفة صريحة لما قررته الشريعة فأصحاب “الردة المغلظة ليس لهم في الإسلام إلا السيف”. وتسوق النصرة من الأمثال الدينية ما يكفي لتبرير موقفها شرعاً، فهي تعتبر بأن “عدم الانتقام لأهل الشام لهو الخذلان بعينه”.
الجبهة لا ترى في الأطراف الإقليمية، التي تدعو التشكيلات العسكرية السورية للحوار معها، إلا العمل “على محاربة الإسلام وأهله والوقوف في وجه عودة الخلافة الراشدة”. وهي تُعيب على الميثاق “غياب مبدأ الأخوة الإيمانية وطغيان روح الأخوة الوطنية والترابية”، وقد يشكل هذا بداية تبلور لجهادية سورية خالصة، تهدد وضع النصرة وقياداتها غير السورية. وهو أمر يخالف، في الوقت نفسه، “ما قررته نصوص الوحي من الأخوة الإيمانية دون النظر إلى الوطن والجنس واللون ونحو ذلك”. النصرة إذ تتحسس موقف المعارضة السورية المسلحة من شقيقتها داعش، تؤكد بأنها ترفض “كل الرفض وبكل صراحة ووضوح هضم أو إخفاء دور الإخوة المهاجرين في هذا الجهاد المبارك، فقد قاموا بدور عظيم وكبير نصرةً لأهل الشام”.
وهي تقول صراحة، بأن اصدار ميثاق الشرف نتج عن ضغوط وإملاءات واضحة، حين نصّ بـ”أن الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والقانون والحرية بمعزل عن الضغوط والإملاءات”. وبحسب النصرة فإن أهل الشام لا يريدون “إلا دولة تقوم على حاكمية الشريعة بلا خفاء ولا مداورة، بل ونعلنها بكل صراحة بأننا لن نقبل بأية دولة مدنية أو ديمقراطية أو أية دولة لا تقوم على حاكمية الشريعة”، “فلا عدل ولا حرية ولا أمن ولا أمان في ظل مجتمعات لا تقوم على الشريعة”.
الجبهة أكدت صراحة بأن “التعامل مع الفرق والأديان والطوائف في دين الله تعالى يختلف من طائفة إلى أخرى كما هو مقرر عند أهل العلم فلا يجوز المساواة بينهم”. وحصرت التعامل مع كل طائفة على حدة بما يناسب “نصوص الشرع وضوابطه فلا نظلِم ولا نُظلَم”. يأتي ذلك كتوضيح لما ذكره ميثاق الشرف: “الثورة السورية هي ثوره أخلاق وقيم تهدف إلى تحقيق الحرية والعدل والأمن للمجتمع السوري بنسيجه الاجتماعي المتنوع بكافة أطيافه العرقية والطائفية”.
المدن