الهروب من الحلم الأميركي.. سوريون يتمنّون رفض طلبات لجوئهم
واشنطن – موح أوبيهي
في قاعة ندوة “السوريون: اسألوا المحامين” في مدينة الإسكندرية التابعة لولاية فيرجينيا الأميركية، كانت هواجس الجميع تنتهي بسؤال واحد: متى ينتهي هذا الكابوس، لماذا لا يرفضون طلبات لجوئنا؟ بعد ساعة من النقاشات القانونية انتهت الندوة، بعد تحولها إلى نقاشات سياسية لا تنتهي، لكن معاناة اللاجئين السوريين في 50 ولاية أميركية، مستمرة بسبب عدم قبول الحكومة الفيدرالية طلباتهم باللجوء وعدم رفضها أيضا، ما جعلهم عالقين في الحلم الأميركي.
من بين حاضري الندوة، عبد الرحمن عماد، الذي تمنى رفض ملفه من قبل إدارة الهجرة في الحكومة الأميركية، حتى يتقدم بطلب لجوء إلى كندا أو ألمانيا. يقول الناشط السوري المقيم في أميركا منذ أشهر لـ”العربي الجديد”: “وضعي هنا غير قانوني. العمل بدون ترخيص من الحكومة الأميركية عبودية حقيقية. والسلطات لا تقبل ولا ترفض طلباتنا”.
مثل عماد التقت “العربي الجديد” سعد وعبد الله الممنوعين من السفر خارج الولايات المتحدة، إذ إن جوازاتهما منتهية الصلاحية، والأنظمة الأميركية لا تسمح لهما بالخروج من البلد. ولا يستطيعان أيضاً التحرك في الإدارات الأميركية بدون رقم “الضمان الاجتماعي”. يقول عماد: “ضاعت سنتان من حياتي. لست وحدي، مئات الشباب السوريين تضيع حياتهم هنا في عذابات يومية، انتظاراً لوثيقة قد تأتي وقد لا تأتي”.
الرفض سياسي
عمل عبدالرحمن عماد مستشاراً قانونياً في وزارة الدفاع السورية، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية مارس/ آذار 2011، التحق بالثورة وأصبح منذ يومها ملاحقاً. هرب إلى تركيا ثم وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية بتأشيرة “التبادل الثقافي” للدراسة. بعد أن انتهت مدة صلاحية جواز سفره ظل عاجزاً عن السفر إلى كندا لاستصدار جواز سفر جديد. فالحكومة الأميركية طلبت العام الماضي من نظام بشار الأسد إغلاق سفارته في واشنطن وقنصلياتها في تروي بولاية ميتشيغن وهيوستن بتكساس.
واليوم، بعد أن سمحت سلطات النظام السوري لبعثاتها الدبلوماسية بإصدار وتجديد جوازات السفر للمقيمين بالخارج، أصبح الحل الوحيد أمام الجاليات السورية في أميركا هو السفر إلى كندا لاستصدار الجوازات. غير أن المعارضين السياسيين يخضعون لمراجعات أمنية تنتهي برفض طلباتهم.
” ورغم أن دمشق أكدت أن عدداً كبيراً من اللاجئين والمعارضين حصلوا على الجوازات من سفاراتها وقنصلياتها، إلا أن عبد الرحمن عماد لا يستطيع الخروج من أميركا والسفر إلى كندا، لأن جواز سفره منتهي الصلاحية، قبل قرار دمشق تجديد الجوازات، ما يقيد كل تحركاته. يقول عماد لـ”العربي الجديد”: “الحكومة الأميركية تعرف معاناة اللاجئين السوريين، لكنها ترفض التحرك لإنهائها بداعي المخاوف الأمنية، والحقيقة أن القرار سياسي”.
وتتخوف أجهزة الاستخبارات الأميركية من وجود مندسين من البعث ومتشددين بين اللاجئين. ورغم أن نيكولاس راسموسن، مدير مركز مكافحة الإرهاب، وعد باستخدام كل ثقل أجهزة الاستخبارات الأميركية للتحقق من هويات اللاجئين قبل منحهم الإقامة، “إلا أن وعوده بقيت كلاماً إعلاميا فقط” حسبما يقول ضياء الرويشدي، الناشط السوري والمحامي المقيم بواشنطن لـ”العربي الجديد”.
وتتلكأ مكاتب الهجرة في الولايات المتحدة في التعاطي مع ملفات اللجوء الخاصة بالسوريين بسبب القطعية الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن لمدة طويلة، وغياب تعاون أمني بينهما. ولا تمنح واشنطن أوراق الإقامة للأجانب إلا بعد بحث أمني مفصل عن الأرشيف الشخصي للمترشحين. واعتبر رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الجمهوري مايكل ماكول، في شباط/ فبراير الماضي أن جلب لاجئين سوريين إلى الولايات المتحدة “قد يصبحون بعدها متطرفين” سيكون “خطأً هائلا”.
الزواج طريق سريع
رغم الجدل القانوني والأخلاقي الذي يطرحه ما يسمى في أميركا بـ”الزواج الأبيض”، إلا أن العشرات من الشباب السوريين يلجأون سنوياً إلى الزواج بأميركيات للحصول على أوراق الإقامة مقابل المال.
سعد الأحمد جاء إلى سورية بتأشيرة الدراسة، لكن بعد اندلاع الحرب قرر البقاء في الولايات المتحدة والزواج بأميركية منأصول إفريقية. يقول لـ”العربي الجديد”: “الزواج الأبيض طريق سريع للحصول على الأوراق، لكن قاد أيضاً بعض الناس إلى السجن”. فالسلطات الأميركية ترفض بشدة استخدام الزواج للحصول على أوراق الإقامة الدائمة.
وأضاف أن حلم الهجرة دفع البعض إلى التخلي عن زوجاتهم وخطيباتهم في سورية وفي مخيمات اللاجئين والارتباط بأميركيات، “والبعض منهم يحاول التوفيق مؤقتا بين مشروعين، بإقناع الزوجة أو الخطيبة في سورية بأن الارتباط مرحلي”.
لكن هذا الارتباط المؤقت يستحيل أحيانا إلى زواج دائم، وهو ما حدث مع بركات نشروان، سوري كردي مقيم بنيويورك، يقول إنه التقى زوجته الأميركية واتفقا على الزواج مؤقتا مقابل مبلغ 12 ألف دولار، “لكن بعد اللقاءات المستمرة وتقاسم لحظات إنسانية اكتشفت أنها إنسانة مناسبة للزواج والإنجاب أيضا”. لكن بركات يقول إن هناك حالات لسيدات أميركية يمتهنّ الابتزاز، إذ يرفضن الطلاق ويتشبثن بالزواج لدفع الطرف الآخر إلى زيادة المبلغ المالي المتفق عليه.
“أنهكت مثل هذه الخدع شباباً سوريين ودفعتهم إلى بذل الوقت والجهد لصرف الكثير من المال في الدعاوى القضائية للحصول على الطلاق”، كما قال بركات لـ”العربي الجديد”. وتتركز الجالية السورية المقيمة في الولايات المتحدة في كاليفورنيا وميتشيغن وواشنطن العاصمة.
الهروب من الحلم الأميركي
“يجب أن تكون مستغرقاً في الغيبوبة والنوم لتصدق أسطورة الحلم الأميركي”. تؤكد صابرين الفرن أنها سمعت الكوميدي الأميركي الراحل جورج كارلين يردد هذه الجملة في كل مناسبة، “لكن الواقع الأميركي اليوم شديد المرارة”، بحسب صابرين، التي أضافت “بلاد حقوق الإنسان والديمقراطية ترفض تقديم أي تسهيلات أو معونات لضحايا الحرب واللاجئين”.
تقول صابرين إن أوروبا، وتحديداً كندا، أرحم للسوريين من أميركا. وقد نصح كثير من الراغبين في طلب اللجوء بتفادي الولايات المتحدة، مؤكدة أن ألمانيا تدفع للاجئين 400 يورو (447 دولاراً أميركياً) وتؤجر لهم السكن وتقدم معونات أخرى للعائلات، “بينما يصل اللاجئ السوري إلى أميركا فيبحث عن الأصدقاء والمعارف حتى لا يتشرد ويشحذ في الطرقات”.
وتخطط صابرين، وهي مهندسة معمارية، للرجوع إلى لبنان، بعد أن أضاعت كل فرصها في اللجوء إلى أحد البلدان الأوروبية. فالولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا تربطها اتفاقيات تمنع منح اللجوء لأشخاص سبق لهم أن وضعوا ملفاتهم في دول أخرى.
واشنطن: هذه شروطنا
تقول واشنطن إنها عازمة على توطين مئات اللاجئين السوريين، لكن وفق شروطها. وأحد الشروط المهمة لاستقبال السوريين، بحسب ما تقول مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون اللاجئين والهجرة آن ريتشارد لـ “العربي الجديد”، “هو التسجيل في لوائح المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة”. وتستثني إدارة الهجرة حالياً طلبات اللجوء الآتية من مواطنين سوريين تقطعت بهم السبل في أميركا بسبب انتهاء صلاحيات جوازاتهم، أو لصعوبة الرجوع إلى سورية بسبب الحرب أو الخوف من الاعتقال.
” يقول ضياء الرويشدي إن اللاجئين الذين تتحدث عنهم مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون اللاجئين والهجرة هم المسجلون في لوائح الأمم المتحدة، “أما السوريون الذين قدموا طلبات اللجوء في أميركا بعد أن تقطعت بهم السبل بسبب الحرب فيواجهون مصيرا مجهولا. وقد يمتد انتظارهم لسنوات”.
ويؤكد المحامي الأميركي المتخصص في قضايا اللجوء جوي هاتشن، أن القاعدة الذهبية لطلب اللجوء هو العيش في الولايات المتحدة لمدة سنة على الأقل، مشيرا إلى أن هناك ستة شروط أخرى يجب توفيرها قبل تقديم طلب اللجوء وهي: تقديم دليل على أن طالب اللجوء يتعرض لخطر في حياته وملاحق بسبب آرائه السياسية أو انتمائه لمجموعة إثنية أو عقدية أو دينية أو ضحية تعذيب أو معرض للتعذيب. ورفض المحامي الأميركي التعليق على سبب تأخير ملفات اللجوء للسوريين، قائلا إن “الأمر إجراء أمني وروتيني”.
في المقابل، ذكرت الناشطة في اللجنة الأميركية للاجئين والمهاجرين سارة دجين إبراهيم لـ”العربي الجديد” أن ما يحدث للسوريين في أميركا سبق أن حدث مع دول أخرى كانت فيها نزاعات ولا تربطها علاقات متينة بالولايات المتحدة الأميركية، مؤكدة على ضرورة أن ينضوي اللاجئون داخل جمعيات مدنية أميركية لتضغط على السياسيين في الكونغرس. وقالت إن “ثقافة مجموعة الضغط تؤتي أكلها، وعلى اللاجئين العمل بزخم لإيصال صوتهم عبر الإعلام الأميركي”.
ومنذ اندلاع الحرب في سورية في 2011 قدم 4176 شخصا طلبات للجوء في أميركا، تم رفض حوالي ثلث هذه الطلبات، وتم قبول 1565 شخصا فقط، حسب مكتب خدمات المواطنة والهجرة. وفي حين تغيب إحصائية جديدة لعدد السوريين المقيمين في الولايات المتحدة، إلا أن مكتب الإحصاء الأميركي قدر عددهم بنحو 150 ألفا عام 2000، أي ما يعادل 12% من العرب الأميركيين الذين بلغ عددهم نحو مليون ومئتي ألف في ذلك العام.
العربي الجديد