برهان غليون ورئاسة المجلس الوطني الانتقالي السوري
شاكر فريد حسن
في التاسع والعشرين من آب المنصرم جرى اختيار المعارض السوري الدكتور برهان غليون ، رئيساً للمجلس الوطني الانتقالي السوري، وذلك خلال الاجتماع الذي عقدته في اسطنبول قوى ورموز المعارضة السورية في الداخل والخارج ،والتي اكدت فيه على الطابع السلمي للثورة وعدم طائفيتها وانها لم تخرج تحت مظلة دينية او عرقية او ايديولوجيا سياسية ، وانما هي تعبير عن غضب الشعب السوري، ورفضه للقهر والظلم والاضطهاد وثقافة الاستبداد ، وطموحه الى الانعتاق والديمقراطية في ظل الدولة الديمقراطية المدنية العصرية ، التي تحترم الانسان في اطار الحرية والمساواة والعدالة .
ولا شك ان تتويج الدكتور برهان غليون واختياره لرئاسة المجلس الوطني الانتقالي هو حدث سياسي وثقافي بالغ الاهمية ، ولم يأت من فراغ او من قبيل المصادفة . فبرهان غليون ، المفكر والاكاديمي وعالم الاجتماع والمناضل، يشهد له القاصي والداني باتقاد الذهن وصفاء الفكر والالتزام القومي والرؤيا الواضحة والمواقف الجذرية والثورية الراسخة ، وقدرته على استيعاب الحقائق وتشخيص واقع مجتمعاتنا العربية وكشف عللها وامراضها . ولا ننسى نداءاته المتواصلة بضرورة اجراء التغيير في بنية مجتمعاتنا، واحداث التحول الجذري فيها، وخلق واقع جديد مغاير ومختلف ، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية. وهو من اشد وكبار المعارضين لسياسة النظام الحاكم في سوريا والانظمة القمعية الدكتاتورية والاستبدادية في الوطن العربي، ولم يخف موقفه من ثورات الربيع العربي، التي هزمت ثقافة الاستبداد ، ولم يتردد بالوقوف مع ابناء شعبه ودعم ثورتهم وحراكهم الشعبي منذ انطلاقته.
وفي الواقع هنالك اصوات راحت تشكك بقدرة برهان غليون على قيادة الثورة والحركة الشعبية والانتقال بالسلطة على طريق الحرية والكرامة بعد سقوط النظام . وثمة من قال ان غليون يصلح ان يكون مفكراً فقط وليس رجل سياسة او قائد ثورة .
وبالمقابل هنالك الكثير من الاوساط الاكاديميمة والانتلجنسيا العربية والنخب في سوريا والعالم العربي، رحبت بهذا الاختيار واعتبرته وفاء لسيرته الفكرية والنضالية وخطوة في الاتجاه الصحيح ، لكون غليون مفكر ومناضل عريق وصاحب تجربة طويلة في التنظير والمراس والنضال السياسي والمدني . ومن اقدر منه على فهم حقائق الواقع الراهن ، وتحويل الفكر والتنظير والايديولوجيا الى واقع عملي ملموس وممارسة يومية نحو بناء سوريا المدنية العصرية؟!.
لقد عرفنا برهان غليون مفكراً تنويرياً، ومثقفاً عضوياً ،وناشطاً ثقافياً ،ومحاوراً كبيراً، ومشاركاً في ندوات وحلقات فكرية وثقافية وعلمية ، وقامة فكرية سامقة تعيش هموم العصر وتعتز بهويتها وانتمائها ، واستاذ علم الاجتماع السياسي، ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بباريس ، وصاحب مشروع فكري وتنويري ونهضوي ذاد ويذوت عنه ، وخطابه العلمي ينصب على نقد المجتمع والسلطة الاستبدادية . كذلك فهو صاحب العديد من المؤلفات والدراسات في الاجتماع والسياسة والدين ، اضافة الى التحليلات والمعالجات السياسية والفكرية والاجتماعية المنشورة في المجلات العلمية والثقافية والصحف اليومية ومواقع الشبكة العنكبوتية . ومؤلفاته رائجة وشائعة بين اوساط القراء والمثقفين العرب وتثير الجدل والسجال الدائم ، وما يميزه انفتاحه على الآخر ، ونقده المنهجي العقلي لكل المساهمين في اغتيال وتغييب العقل وتهميش الانسان واضطهاده، وحلمه وطموحه بالمستقبل العربي المضيء ، الذي تسوده وتظلله الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . وكم كان صادقاً حين قال في “بيان من اجل الديمقراطية”:” فالديمقراطية العربية مشروع تاريخ كبير وبعيد المدى ، والنجاح فيه اصعب بكثير من النجاح في الدولة الاستبدادية ، وسيبقى النزوع قوياً لدى السلطة العربية، مهما كان مصدرها والقائمون عليها، نحو الرجوع الى الدكتاتورية في اية فرصة تشعر فيها بعجزها عن الوعود التي اطلقتها او اعطتها”.
واخيراً المهمة صعبة امام الدكتور برهان غليون وليست بالامر السهل ، وعليه ان يثبت جدارته كمثقف ومفكر وثوري وسياسي صاحب تجربة طويلة في التنظير الايديولوجي والعمل السياسي والمعارضة السياسية .