صفحات الرأي

بشأن نزعات التطرّف والتعصّب والعنف

 

ماجد كيالي

بشأن نزعات التطرّف والتعصّب والعنف ليست نزعات التطرّف والتعصّب والعنف حكراً على مجتمعات محدّدة، ولا هي نتاج ثقافات أو أديان بعينها، من دون غيرها، فهذه النزعات عرفتها معظم المجتمعات والبلدان والثقافات والأديان، وما زال بينها حتى الآن من يعاني منها، إلى هذه الدرجة أو تلك.

هكذا فإن معظم المجتمعات شهدت، عبر التاريخ، موجات من التطرّف والتعصّب والعنف والحروب الأهلية، لاسيما في المراحل الانتقالية، كما حصل في روسيا والصين والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الواقع فإن الدول الأوروبية لم تصل إلى ما وصلت إليه، من استقرار وازدهار وطمأنينة فردية وسلام اجتماعي، إلا بعد صراعات أهلية، دينية وطائفية (كاثوليك ضد أرثوذوكس ثم كاثوليك ضد بروتستانت)، في القرون الوسطى، وصولاً إلى الثورات الطبقية والسياسية، التي شهدتها في العصور الحديثة، وهي بالإجمال كانت بلغت حداً كبيراً من العنف والوحشية ونبذ الأخر، ناهيك عن الحروب، التي أودت بحياة عشرات ملايين البشر وخرّبت عمرانهم.

القصد من ذلك التأكيد بأن نزعات التطرّف والتعصّب والعنف التي تشهدها بعض بلدان العالم العربي والإسلامي لا تسم بشكل خاص مجتمعات هذه البلدان، فليس ثمة جوهر خاص بها، يجعلها حاملة لتلك النزعات، أو تمتلك قابلية لها، أكثر من غيرها. وتالياً لذلك  فهذا يعني أن ثمة شروطاً سياسية واقتصادية واجتماعية هي التي تولّد هذه النزعات، وتغذّيها، وأنّ تغيّر هذه الشروط كفيل بالحدّ منها، وبعزلها.

وفي الواقع فإن مشكلة التطرّف لا تكمن في الدين بحدّ ذاته، أيّ دين، لا في طقس العبادات، ولا في المبادئ المتعلقة بمعاملات البشر. وبدورها فإن مشكلة التعصّب الطائفي لا تكمن في الطوائف، بوصفها وحدات مجتمعيّة تشترك كل منها بصفات معينة، وإنما تكمن في كيفية توظيف بعض البشر لهذا الدين أو ذاك، ولهذه الطائفة أو تلك، في مصالحهم الخاصة، وفي صراعاتهم على السلطة. فوق كل ذلك، ليس ثمة ترابط حتمي ومطلق بين الطوائف والتعصّب الطائفي، فالأولى هي نتاج تطوّر تاريخي طبيعي، ديني واجتماعي وثقافي، بينما الثانية (الطائفية) هي مجرد نظرية في التفكير السياسي، ينتجها بشر لخدمة مصالحهم الشخصية والسلطوية، من دون صلة بالتديّن، بل وقد تكون نقيض ذلك لاسيّما لجهة استغلالها الدين في لعبة السياسة والسلطة والمصلحة. تبقى ظاهرة العنف، فهذه ليست نتاجاً طبيعياً وحتميّاً للدين والتديّن، ولا لوجود طوائف في المجتمع، بقدر ما هي نتاج للصراعات على السلطة والغنيمة، فضلاً عن أنها بمثابة وسيلة النظم التسلطية لترسيخ سيطرتها.

عموماً، استطاعت معظم المجتمعات تخطّي عتبة التطرّف الديني بأشكال متعددة، ومثلاً، فثمة ثورات الإصلاح الديني في أوروبا (في القرنين 16و17) التي حدّت من استبداد الكنيسة (لاسيما في ألمانيا وبريطانيا)، وثمة العلمانية التي نجمت عن الثورة الفرنسية (1787) التي فصلت الدين عن الدولة (مع ضمان الحريات الدينية)، وثمة العلمانية الأميركيّة التي حمت الدين من تسلّط الدولة، وجعلت له مجاله الخاص والمستقلّ والمحترم.

وبالنسبة للطوائف فقد ابتدع البشر فكرة دولة المواطنين الأفراد، الأحرار والمتساوين، وهو إنجاز للتيار الليبرالي الذي اعتبر الشخص بمثابة قيمة عليا، وله مجاله الخاص الحرّ والمستقل، بغض النظر عن أية انتماءات أولية، وهذا مبدأ مؤسّس للحداثة.

أما مسألة العنف فقد تمّ التغلب عليها بواسطة اعتماد الديمقراطية، التي تتأسّس على المشاركة السياسية، والفصل بين السلطات، وتداول السلطة بواسطة صناديق الاقتراع.

عن طريق كل ذلك ثمة مجتمعات ودول استطاعت أن تحد من نزعات التطرف والتعصّب والعنف، وثمة مجتمعات ودول مازالت على الطريق.

المدن

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال سطحي للغاية, و مجال المقارنة محدود جداً بالنسبة لمسببات الصراع في الأديان والمجتمعات الأخرى والمجتمع العربي أو المسلم بشكل عام. وتصرفات معظم العرب والمسلمين بشكل عام في بلاد الغرب يجعلك تتسلل بحق هل نحن حقاً وحوش ناكرة لأي شي إنساني؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى