بين أطفال الغوطة والطفل الملكي/ فاطمة العيساوي
وجدت الأزمة السورية منفذاً لها في بعض وسائل الإعلام البريطانية
من يعتني بالطفل الملكي البريطاني اليوم؟
والدته الأميرة كايت اضطرت لمرافقة زوجها في أول ظهور إعلامي لها بعد ولادة الطفل الملكي، وهو الحدث الرئيس في نشرات الاخبار بموازاة خسارة رئيس الوزراء البريطاني المدوية في التصويت البرلماني على قرار المشاركة في عملية عسكرية ضد نظام الأسد في سوريا. إذن، من سيهتم بالطفل اليوم؟ سألت المذيعة في “سكاي نيوز”، وعلقت المراسلة مقدمة إحتمالات حول العناية الملكية بالطفل في غياب والدته.
لم يقنع أطفال سوريا، الذين قضوا خنقاً بغاز السارين، النواب البريطانيين للتصويت بـ”نعم” للحرب، إلا انهم أيضا بدوا أقل أهمية في النقاش الإعلامي البريطاني للحدث الجلل، من مناقشة مكانة رئيس الوزراء البريطاني ومستقبله السياسي بعد الضربة الموجعة التي تلقاها وآثارها على مستقبل قيادته لحزب المحافظين وللبلاد.
إنها المرة الأولى التي يخسر فيها الحزب الحاكم التصويت البرلماني على قضية بهذه الأهمية. إنها إذن مسألة داخلية تتعلق بإمكانات رئيس الحزب الحاكم القيادية وقدرته على إقناع البرلمان في الوثوق به في قيادة خطاهم إلى معركة عالمية جديدة. تحول الجدل من البحث في جدوى التدخل العسكري في وضع حد لفاشية نظام الأسد والمخاطر المحتملة على أمن المنطقة من تدخل كهذا، إلى مناقشة موازين القوى الداخلية بين كاميرون وخصومه. فقد شغلت مسألة التدخل العسكري نفسه حيزاً ضيقا من النقاشات مقارنة مع تداعيات الإنتفاضة البرلمانية على مستقبل رئيس الوزراء وشد الحبال بين حزبي المحافظين والعمال. ماذا عن مستقبل العلاقات المميزة مع واشنطن؟ كيف سيتعامل كاميرون مع مرحلة ما بعد الصدمة؟ كيف سيتعامل مع النواب المتمردين في حزبه؟ هل سيتجاوز التصويت البرلماني إذا ما حزمت الولايات المتحدة أمرها وذهبت للحرب ام أنه سيلتزم قرار البرلمان مقيدا يديه بنفسه؟
لكن ماذا عن الأطفال في المدارس؟ ماذا عن حلب؟ ماذا عن الغوطة؟ تحاول مذيعة “سكاي نيوز” عبثاً تحويل النقاش إلى ساحته الأساسية في سوريا إلا أنه يعود دوما إلى لندن، إلى أداء رئيس الوزراء المتسرع وإنزعاج النواب من الاضطرار لقطع إجازاتهم الصيفية للبحث في مستقبل الضربة العسكرية المحتملة من دون إنتظار نتائج تقرير فريق الأمم المتحدة.
المزاج العام البريطاني ليس محسوماً للحروب من أجل الغير، ولم يصل به تعاطفه مع مشاهد جثث الأطفال المختنقة في الغوطة السورية إلى حد تأييد عملية عسكرية قد لا تحمد عقباها. التقارير من الشارع، والتي نقلتها المحطات التلفزيونية، أكدت الإنطباع نفسه: لا حماسة كبيرة للذهاب إلى أي مكان خارج بريطانيا، بل الأجدر إعادة من هو خارج بريطانيا في أفغانستان وغيرها إلى قواعده سالماً.
مزاج البريطانيين محلي جداً وكذلك التغطية الإعلامية. الطابع المحلي المتزايد لنشرات الاخبار والبرامج جعل من الشأن الخارجي مسألة ثانوية في ما يتعدى أخبار العنف ذات الوقع الدراماتيكي. عادت الأحداث المحلية إلى تصدر نشرات الاخبار ومنها جرائم القتل، الانتحار، السرقة، فضائح كبار نجوم الفن والسياسة في الجنس وغيرها، إلى جانب أخبار العائلة المالكة. كان حدث ولادة ما أسمته وسائل الاعلام البريطانية “الطفل الملكي”، ولي العهد البريطاني الجديد، قد شغل وسائل الاعلام أياماً وأفردت له محطات التلفزة ساعات من البث المباشر. في هذا المشهد الإعلامي شديد المحلية، لا يشكل الشأن الخارجي، ومنه تطورات الثورات العربية، إلا جانباً ثانوياً.
شغلت صور جثث أطفال الغوطة الإعلام البريطاني، إلا أن النقاش البرلماني أعاد الاهتمام إلى الدائرة المحلية وتحول، من مناقشة هول المأساة الانسانية للشعب السوري وأطفاله، إلى مباراة في عرض العضلات بين المحافظين والعمال خيم عليها شبح العراق. بعدها، عادت وتيرة التغطية الإعلامية الى روتينها الإعتيادي ومعها صور النشاط الاجتماعي الأول لوالدة الطفل الملكي.
المدن