تأثيرات الموقف الدولي على الأزمة السورية
احمد المرشد
تتشابك الأزمة السورية ويزداد سفك الدماء وتضيع أرواح بريئة في أتون حرب شبه أهلية.. فلا النظام يتنازل عن حربه الشعواء ضد شعبه المسكين، ولا المعارضة بإمكاناتها الحالية قادرة على حسم الحرب لصالحها في ظل سياسة عدم التوازن العسكري واللوجستي والدبلوماسي والسياسي. فالمعضلة في سوريا هي تشابك الخطوط الدولية والإقليمية والداخلية في بلد يتنازعه أكثر من طرف بغية حصد مكاسب ليست من حقه.
وإذا تحدثنا عن اللاعبين الخارجيين في الأزمة، فنجد أن اللاعب الأول هو إيران ويكشف هدفه علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشؤون الدولية، بقوله إن ثمة رغبة جامحة لدى الشعوب المسلمة لإقامة جبهة موحدة محورها إيران، مرجحا “أن يجعل ذاك التوجه، الإسلام أحد أقطاب العالم مستقبلا”. وكعادة الإيرانيين، يضعون أمريكا في جملة سواء أكانت مفيدة أم غير مفيدة.. فولايتي الذي يعد أشهر وزير خارجية لإيران في العصر الحديث يتهم أمريكا بمحاولة تكريس سياسة القطب الواحد في العالم. غير أنه يستطرد قائلا “وهذا لا يمكن تطبيقه في الظروف الراهنة”.
إذا ً.. إيران تسعى هنا جاهدة لتكوين جبهة إسلامية موحدة تكون هي قائدتها ولتكون قطبا عالميا تواجه به الولايات المتحدة، أي مشروع خلافة إسلامية ولكن ليست سنية هذه المرة وإنما شيعية، وحتى وإن لم تفصح إيران عن الهوية الطائفية، فهي بالتأكيد ستسعى نحو تكريس مسألة الطائفية فيما بعد وتتاجر بها على حساب بقية المسلمين.
وإنما نرى إيران على لسان ولايتي توجه التهم لأمريكا فقط، فهي تناست لاعبا آخر مهما في حلبة السباق نحو الفوز بالكعكة السورية.. وهي بالطبع روسيا، التي استخدمت سلاح الفيتو في مجلس الأمن للمرة الثالثة لعرقلة قرار دولي ضد نظام بشار الأسد واستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
فروسيا تحاول تحقيق نقاط على حساب الولايات المتحدة، خاصة بعد اتهامها واشنطن بتبرير الإرهاب ضد الحكومة السورية، وانتقادها الدول الغربية لأنها لم تقم بإدانة الهجمات التي أسفرت عن مقتل أعضاء كبار في الدائرة المقربة للرئيس السوري بشار الأسد. وطبيعي أن تزج روسيا بالقاعدة في الصراع على خلفية كراهية الأمريكيين لهذا التنظيم الإرهابي، ولكن هذه المرة تتهم روسيا واشنطن مجددا بأنها تغض الطرف عن عمليات القاعدة ضد نظام الأسد لأن الأمر في صالحها.
من وجهة نظر روسيا، فإن الولايات المتحدة تستغل خطر حدوث المزيد من الهجمات للضغط على مجلس الأمن ليخضع خطة السلام للمبعوث الدولي كوفي عنان للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما تعتبره موسكو أمرا شنيعا. ثم الغريب أن روسيا عادت لتكرار موقفها السابق من بشار الأسد بأن رحيل الأسد يجب ألا يكون شرطا مسبقا لحوار سياسي لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من 16 شهرا، وإن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلادهم.
وقد نشير هنا إلى حقيقة المغزى الروسي لاتهام القاعدة بالتدخل في الصراع السوري لصالح المعارضة.. ويتركز في تخويف الأمريكيين من تمويل الجيش السوري الحر أو المعارضة عموما، لأن هذا سيقف عائقا أمام أي عملية تمويل أمريكية أو حتى دولية للمعارضة السورية التي يتطلب عملها أموالا طائلة لتمويل شراء السلاح والتدريب وتمويل أعمال المخابرات وزعزعة استقرار نظام الأسد.
فالروس يعلمون مدى حساسية الأمريكيين من الحديث عن القاعدة وبالتالي، فإذا كان ثمة حديث عن مشاركة نشطاء بالقاعدة في العمليات العسكرية للمعارضة على مناطق الحدود أو حتى داخل الأراضي السورية، فإن أمريكا في هذه الحالة قد تنسحب تماما من أي مؤتمر أو منتدى أو فكرة تمويل المعارضة.. خاصة وأن واشنطن أعلنت مؤخرا أنها لن تفكر في تدخل عسكري في سوريا ما لم يكن هناك موافقة من مجلس الأمن، وبالتالي منحت واشنطن روسيا الفكرة، حيث سترفض موسكو دائما أي مشروع قرار بالتدخل العسكري.
ويبدو أن واشنطن تتعامل مع التلاسنات الروسية بحذر لأنه ربما تكون حقيقية وأن مشاركة القاعدة في الصراع أمر واقع على اعتبار أن انتماء بشار الأسد للطائفة العلوية هو أمر مشجع للقاعدة للإطاحة بهذا النظام من أجل العمل على إقامة نظام سني جديد في سوريا يكون معادلا قويا لإيران الشيعية وليكون هذا النظام الجديد أيضاً أول شوكة في الحلف الاستراتيجي بين سوريا وإيران والذي تم بناؤه منذ أواسط الثمانينيات تقريبا.
وقد نجحت روسيا في مغزاها من تخويف أمريكا من دعم المعارضة السورية على الأقل بالسلاح تحسبا لانتقال هذا السلاح وهذا الدعم إلى القاعدة فيما بعد. ولهذا رأينا المسؤولين الأمريكيين يمتنعون عن التعليق مباشرة حول إمكانية توغل مجموعات متطرفة – القاعدة – في سوريا وفي صفوف الثوار. ولكن في الوقت نفسه ترفض واشنطن أن تكون هذه ذريعة روسية في عدم العمل على إسقاط نظام الأسد ودعم الثوار.
وتعول واشنطن بشكل كبير على قدرة الثوار السوريين على السيطرة على مناطق محددة، والإبقاء على تلك السيطرة، من أجل تأسيس نقاط انطلاق ضد النظام السوري في المعارك الحاسمة لإسقاطه. ولكن الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند، التي أكدت أن نظام الأسد يفقد السيطرة بشكل متصاعد عن أجزاء من الأراضي السورية، لم توضح بالضبط ما شكل الدعم الذي ستقدمه للثوار لدعمهم في الاحتفاظ بمواقعهم الجديدة.. فهي اكتفت بالقول: ” نحن ملتزمون بمساعدة المعارضة لتصبح أكثر اتحادا في خطتها السياسية، وفي التخطيط للمرحلة الانتقالية لما بعد الأسد”.
اللاعبون أو الأطراف لم تنته بعد، فهناك إسرائيل بمخاوفها من السلاح الكيماوي السوري خاصة بعدما أثيرت هذه المسألة عقب تفجير دمشق وإمكانية استخدام بشار لهذا السلاح كورقة أخيرة ضد معارضيه وضد إسرائيل أيضا، وإن كان إمكانية توجيه طلقة سلاح واحدة ضد إسرائيل مسألة مستبعدة من قبل بشار لأنه يعلم جيدا أن آخرته تكون أوشكت في هذه الحالة.. فشروط شراء الأسلحة من روسيا ليس توجيهها ضد إسرائيل وإنما ضد شعبه فقط.
نحن حقيقة أمام معضلة حقيقية.. فهناك شعب يموت ورئيس يضحي بشعبه، وأعود وأذكر شعوب العرب والعالم، أن وقتنا الراهن بحاجة إلى موقف عربي قوي لمواجهة هذه الأزمة
الشرق القطرية