صفحات العالم

تركيا وروسيا: أبعاد الأزمة السورية

حميد المنصوري

أنه ليس برقم بسيط أن يكون أكثر من 442 ألف لاجئ سوري في مناطق شتى، كما أن الكفاح المسلح لإسقاط النظام السوري طال في مدتهِ وتكلفتهِ البشرية وما يعانيه الشعب السوري… ربما الحل اقترب من أن يكون التدخل الدولي من دول إقليمية ودولية لإنهاء الأزمة السورية. ها هي تركيا بحكم عضويتها في «الناتو» وقربها وتأثرها بما يجري بسوريا تتقدم نحو الحلبة السورية بمشروع عسكري عبر نشر حلف شمال الأطلسي (الناتو) صواريخ باتريوت قرب حدود تركيا مع سوريا. أجل تتقدم نحو روسيا بتأييد غربي من الولايات المتحدة وفرنسا، فيما تنتظر ألمانيا موافقة برلمانها على هذه الخطوة.

روسيا وفلكها في الشرق الأوسط (إيران ونظام الأسد) باتوا في جغرافية تركيا وحق تركيا القانوني في «الناتو» من توفير الحماية لها، لكن روسيا لا تنظر بأن الطلب التركي لنشر صواريخ «باتريوت»، إلا من منظور بدء عمليات عسكرية جديدة دولية وإقليمية عبر تركيا لإسقاط نظام «البعث» السوري. يدعم هذه الخلفية التاريخية، ما قد مضى من نشر حلف الأطلسي صواريخ باتريوت أرض- جو مرتين في تركيا في 1991 وفي 2003 أثناء حربي الخليج تحرير الكويت ثم إسقاط نظام «البعث» العراقي. رغم أن بعض الخبراء ينظرون إلى نشر صواريخ باتريوت في تركيا على أنها صورة رمزيه بهدف إظهار وقوف «الناتو» مع تركيا.

الدب الروسي يحك ظهرهُ على غابات الغرب، أجل تركيا ممثل للغرب في الشرق الأوسط من المنظور الواقعي البراجماتي، فقد عبرت وزارة الخارجية الروسية عبر متحدثها «ألكسندر لوكاشيفيتش» في شأن الموقف الروسي إزاء طلب تركيا من حلف شمال الأطلسي نشر صواريخ «باتريوت» على حدودها مع سوريا «أنه من الصعب التعليق على ما يمكن أن يحدث نظرياً، دعونا ننتظر لنرى رد فعل الدول الأخرى الأعضاء في حلف شمال الأطلسي كيف سيكون، لكنكم ربما عرفتم تعليق نائب وزير خارجيتنا بأن وضع معدات عسكرية على الحدود السورية التركية مؤشر ينذر بخطر».

وأضاف المسؤول الروسي: «نصيحتنا لزملائنا الأتراك هي أن يستخدموا تأثيرهم على المعارضة السورية، من أجل بدء الحوار الداخلي السوري في أسرع وقت ممكن، وألا يفردوا العضلات ويوجهوا الوضع لمثل هذا الاتجاه الخطير». مما لا شك فيه بأن وضع سوريا الحالي هو أحد نقاط الصراع الروسي الغربي، كما أن روسيا تريد الحل من داخل سوريا. ماذا لو فعلتها موسكو وقلعت نظام الأسد من جذورهِ بالقوة أو بطرق أخرى كالترحيل، لتكون هي صاحبت الفضل في تغيير النظام. لا شك أنها قادرة ولكنها ليست راغبة لأن المعارضة لن تكون مجذوبة للتحالف مع سياسات موسكو في الشرق الأوسط، كما أنها غير محبة للسياسات الداخلية الروسية من خلال مخرجات سيطرة بوتين وحزبه على السياسية الروسية الداخلية. فتركيا ذراع الغرب كما تعتقد موسكو، فهي بطلبها هذا تقود إلى صراع أو تصادم روسي غربي، رغم هذا التصور، ربما يحدث تفاهم متبادل في إنهاء الأزمة بين كل من (الغرب وأميركا) مع روسيا، والفضل في ذلك يعود إلى الخطوة التركية، التي ربما تكون مخططاً لها بشكل كبير وواضح من بعض الدول.

في صراع آخر قادم، فبعد إنهاء الأزمة السورية إما بنجاح غربي أو تفاهم غربي روسي يعكس نجاح الغرب، ربما تواجه إيران حليف روسيا تركيا كدولة رادعة للنفوذ الإيراني في المنطقة من قبل دعم غربي كبير لها، وهذا الدور تسعى إليه تركيا بشكل غير صريح، وتود أن تكون رادعاً لإيران بصور ليست واضحة، بل هناك علاقات تركية إيرانية في نقل الغاز وفي الاستثمار، فتركيا في نظري ستكون رادعاً ناعماً لإيران ونفوذها لوجود مصالح مشتركة في الطاقة والاستثمار، ووقف بروز القومية الكردية كقوة تتنامى قدراتها الاقتصادية والسياسية وسد امتداد نفوذها إلى أكراد إيران وتركيا.

وربما تكون حالة الردع بين إيران وتركيا قوية جداً، فالموقف الإيراني من طلب تركيا نشر صواريخ باتريوت، أدى إلى تصريحات تعكس شدة الخلاف وربما الصراع في المستقبل، حيث ألقت إيران بخطاب سياسي لا يخلو من التهديد المباشر والنقد للسلوك التركي، فقد قال مساعد للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي يوم السبت «إنه يتعين على تركيا أن تعيد النظر بشكل جذري في سياستها تجاه سوريا والدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي والترويج لعلمانية مسلمة في العالم العربي وإلا فإنها ستواجه مشاكل مع شعبها. وهنا ماذا قصدت إيران بمشاكل مع شعبها، لاشك أنها تقصد دعم الأكراد بتركيا لزعزعة الاستقرار الداخلي، كما فعلتها إيران الشاه في العراق إزاء الخلاف الحدودية في سبعينيات القرن العشرين، أي أن الأكراد مازالوا ورقة سياسية وأمنية تلعب بها الدول في استقرار العراق وتركيا وإيران وحتى سوريا، ولايقصد من ذلك التصريح الشعب التركي الذي رضي بحكومتهِ، والتي بوأتهُ المركز السادس عشر في قوة الاقتصاد بين اقتصاديات العالم. كما نعتت إيران تركيا بأنها تخدم إسرائيل والولايات المتحدة وستكون ضد مشروع وطموح إيران النووي، ولوحت إيران بالعلاقات الاقتصادية بأنها لابد وأن ترتبط بالعلاقات السياسية على نحو وفاق بين الطرفين، وإلا في حالة التضارب في السياسات الأمنية ستقل العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين. حقيقةً، إيران باتت تخشى تركيا أكثر مما كان في فترة حزب «العدالة والتنمية» من نواحي عدة كالترويج لنموذج العلمانية الإسلامية للدول العربية والتحالف مع الغرب والموقف إزاء أزمة النظام البعثي «الراحل لا محالة».

ليس من المبالغة، أن هناك تنافساً بين تركيا وإيران (وهما دولتان إسلاميتان غير عربيتين) في الشرق الأوسط على النفوذ في العالم العربي الذي يشهد أكبر تغييرات وتحولات منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وهو تنافس يعكس بصورة أخرى صراع واشنطن والغرب مع موسكو وبكين في المنطقة.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى