صفحات المستقبل

تفكيك ملامح وجه حافظ الأسد/ ضحـى حسـن

 

 

الرجل المسنّ = الديكتاتور

رجل مسنّ، رأس كبير، وجه طويل، جبين عريض، شعر خفيف مشذّب وممشط بفرْقٍ جانبي، أذنان كبيرتان، شوارب بيضاء، أنف متوسط الحجم، عينان غائرتان إلى حد ما، وابتسامة.. نعم ابتسامة. لا يميز هذا الوجه أي ملامح حادة، أو عظام بارزة. رجل كبير في السن، إنه رجل كبير في السن فقط، لا شيء ملفتاً في ملامحه العادية، (الصورة المجردة).

“ما في صور إلو وهو مبتسم، ما بعرف.. ما بتذكر إنه مبتسم، كانوا يعلمونا بالمدرسة إنو حافظ الأسد قوي وخيالي. لهيك ما بيبتسم”، يعلّق عامر مطر (27 عاماً)، ويكمل “ما بعرف وِجُّو إلا صورة مسطحة”.

“بتذكر فوراً صورتو إلي كنت شوفا على السرفيس، راس كبير وراه في ضو ولابس بيريه”، يقول نوار قاسم (26 عاماً)، ويضيف “عيونو زغار وجمجمة كبيرة بالنسبة لمساحة الوجّ، ممكن يكون عم يبتسم ابتسامة خفيفة”.

تركيب وجه الديكتاتور

لنتخيل وجه حافظ الأسد دون العودة إلى أرشيف الصور، كما طلبت من مجموعة من الأشخاص في عمر العشرينات وأوائل الثلاثينات. جمعت ما قالوه في محاولة لرسم وجه وملامح الأسد، فكانت الصورة المركبة من ذاكرتهم الجماعية هي التالي:

رجل مسن، رأس كبير، جبين عريض، شعر خفيف، ملامح باردة، صارمة، ابتسامة ماكرة، ديكتاتور، وحش، مجرم.

“بتذكّر الوج كان كبير كتير، أكيد أكبر من كل الوجوه اللي بعرفها، وحتى وج أبي. وكان هذا كتير طبيعي لأنه الرئيس”، تقول مها 30عاماً.

“بصراحة لا أستطيع حقاً أن أتخيّل شكلاً لحافظ الأسد، هو اللون الأسود الكالح المتشكل عند إغماضة العين”، يوضح دارا عبد الله (24 عاماً) “الصور الخاصّة بحياة حافظ الأسد الشخصيّة هي قليلة، معظمها صور صارمة ورسميّة ومدرسيّة، تلائِم اتساع المباني الحكومية المقفرة، وتشابه الأبنيّة السكنية، لأنّ الحياة الخاصّة فيها من الحس الإنساني اليومي الذي يبعثرُ هالةَ أيَّةِ سلطة، لذلك لا صور لحياة حافظ الأسد اليوميّة. حتّى تبقى هكذا، سلطة غامضة فوقيَّة”.

عُلِّقت صور حافظ الأسد في كل مكان، على دفاتر المدرسة وجدرانها، كذلك في الجامعات، الدوائر الحكومية، جدران الشركات الخاصة أيضا. إذاً وجهه بقي أمام العين بشكل مستمر، يومي، والذي لازم الطفولة والمراهقة والشباب.

“كنت أستغرب دايماً وقت كنت صغيرة من تمثال حافظ إللّي موجود عطريق طرطوس من حماة- مدخل القدموس، ليش تمثال رئيس سوريا إيدو أكبر من راسو؟ وكأنو جاهز دائما ليسفق يلي تحتو كفّ”، تقول سارة (25 عاماً).

فرضية

إحتفاظ الذاكرة بهذه الصورة أخذ شكلاً مختلفاً عن شكلها المجرد الفيزيولوجي، إسقاط شخصية الشخص، أفعالها، ما تسمع عنها، نظرتك لها، لإعادة خلق الوجه والملامح وبناء غيرها والتي من الممكن أن تكون مختلفة تماماً، أو يصبح وصف الملامح بشكل دقيق عصياً بحالة حافظ الأسد عند الكثيرين، إذ تتم الإجابة عن السؤال: أوصف ملامح وجه حافظ الأسد؟ الجواب كان عند أغلب من سألتهم هو “خسيس، وحش، حامل سكين، غضبان، (وجُّو عم ينقّط سمّ)”.

“أول ما بلشت الثورة رسمتو لحافظ الأسد، عملت إسقاط بينو وبين فيتو كورليوني من فيلم العرّاب، في تشابه بالنشأة والمسار، بين الشخصيتين ، يعني الـ2 كانوا اشخاص نكرة، والـ2 قدروا يعملوا امبراطوية مافيوية بتحكمها العائلة.. والـ2 ورّثوا إدارة العصابة للابن”، يقول أحد رسامي كفرنبل أحمد جلال الملقب بـ”مفك الفاحص”: “إذا بدي إرجع أرسمو هلق، يعني أكيد ما فيه صفات بشرية.. مزيج بين وحش مفترس وشيطان”.

الذاكرة الرّضية

“في ما يتعلق بحافط الأسد، من الصعب تمييز ذلك الوجه ذا الملامح الانسانية من الناحية الوصفية البحتة، إذ غالباً ما يتم استحضار جملة من المحتويات الذاكرية والأفكار “النمطية” شبه الجاهزة، المدعومة بمرويات لها نصيب شخصي وآخر جمعي”، يوضح الاخصائي والباحث في علم النفس جمال صبح، ويكمل “عندما نُجابَه بالتفكير بصورة أي دكتاتور، وحافظ الأسد منهم، يتم في الذات، وعلى درجة كبيرة من الوثوقية، تفعيل شيء يمكن وصفه بـ”الذاكرة الرّضية” (traumatic memory)، حيث الفجوات المتعددة، العواطف السلبية المؤجّجة، لا مكان للتفاصيل مقابل الشمول الأعم للوحة الذاكرية المستحضرة”.

المخزون البصري والعقلي والحسي – مجزرة حماة

يسمع صوت أقدام كثيرة تهرول باتجاههم. لم يكن يفهم ماذا يحدث، تفجيرات، رصاص كثيف، النساء يقرأن القرآن، الأطفال يبكون، ضجة وحركة مستمرة، ورعب، “وجدنا ملجأ كبيراً يتسع للجميع وبقينا داخله لمدة يومين قبل وصول الجيش العربي السوري، ليتحول الملجأ إلى معتقل، ثلاثة أيام ثابتة في ذاكرتي، حتى الرائحة أتذكرها جيداً، أستطيع أن أستعيد الرائحة حتى الآن”، الفنان خالد الخاني.

أظن أن إعادة تذكر ملامح الوجه، له شقين بحسب رأي، الأول هو التحضير المسبق عن هؤلاء وعن إجرامهم (جنود الجيش السوري)، والثاني عدم التكافؤ بيننا وبينهم”، يوضح الخاني “كنت شوف وجوهن وجوه وحوش. ما كنت اقدر شوفون بشر بلامح عادية أو بشبهونا”.

الطفل ذو 7 سنوات كان متعلقاً بعمّته، التي كانت تسكن مع أخيها وزوجته في المنزل ذاته منذ زمن، لذلك كان الخاني يناديها “أمي”. طلب والد خالد الخاني من زوجته أن تأخذ الأولاد وتزحف معهم إلى حي الاميرية، لم يقبل الطفل أن يترك عمته العجوز، صفعه والده وأمره صارماً أن يلتحق بوالدته.

“برأيي السلوك يطغى على الشكل البصري بشكل عام، لا أستطيع تذكر وجه عمتي آنذاك عندما طُلب مني الانضمام إلى أمي، إذا حاولت تذكرها الآن في تلك اللحظة، بتخيلها تمثال جامد، ماعاد في دم فيو، وقتا ماعملت أيا ردة فعل، كانت تماماً هيك وهيك بتذكر وجهها، قال خالد.

عملية التحطيم

في أرشيف التلفزيون السوري، صور كثيرة عن الرجل المسنّ، الذي يحيط نفسه بأطفال صغار في إحدى المدارس، صورة الأب التي حاول فرضها. والتي تعود إليها أرشيفياً في صوره، “الرجل المسن، المبتسم”.

يعلق الاختصاصي في علم النفس جمال صبح: “إننا نكاد نجزم بأن طبيعة الأحداث ما بعد الثورة قد قامت على توحيد الصور الذهنية عن الدكتاتور البائد/الحاضر في ثنايا الذاكرات الفردية الخاصّة لتأخذ صيغة جمعية أعم”.

الثورة السورية ومنذ بدايتها، كسرت الخوف من الديكتاتور الأب، امتداداً للابن، فككت الصورة من الذاكرة البصرية بعد أن قامت باقتلاع الهالة المسببة للضبابية على الملامح، وأعادت رسم الوجه الحقيقي للصورة البصرية الواقعية، وجه الديكتاتور

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى