تنظيم الفوضى
مصطفى زين
تؤكد التصريحات الأميركية، والغربية عموماً، ان واشنطن وضعت خطة لما بعد الرئيس بشار الأسد، متوقعة فوضى عارمة تطاول كل المدن والمؤسسات. وبدأت تتصرف على هذا الأساس، بالتعاون مع الدول المجاورة لسورية، وبالتنسيق مع الحلفاء في المنطقة وخارجها.
ولأن ضغوط الحلفاء فشلت في توحيد المعارضة حول رؤية واحدة، وبرنامج عمل يسهل انتقال السطة إليها، يخشى هؤلاء الحلفاء من صراع دموي بين الجماعات المسلحة للإستحواذ على ما يبقى من السلطة، فـ «المجلس الوطني»، على ما أكدت المؤتمرات المتعاقبة، أضعف من أي فصيل أو جماعة مسلحة في الشارع، فضلاً عن أن الإنقسامات والخلافات العميقة في صفوفه تحول بينه وبين الإمساك بالشارع. وقد انعكست هذه الخلافات على أدائه وعلاقاته بالدول التي تحتضنه من جهة، وبالحراك الداخلي من جهة أخرى. «الإخوان المسلمون» يؤكدون أنهم الحزب الأقوى والأكثر تنظيماً ومن حقهم الإستئثار بالسلطة. الليبيراليون، على ضعفهم التنظيمي، يرون أنهم الأقرب إلى التوجه الأميركي والغربي ويطمحون إلى دعم أكبر لتكون حصتهم كبيرة. الأكراد لديهم مشروعهم الخاص يسعون إلى تحقيقه. وقد انسحبوا من مؤتمر القاهرة الأخير احتجاجاً على عدم الإشارة إلى حقوقهم القومية في البيان الختامي. العشائر ترى أنها تمثل معظم الطيف السوري وأنها أحق من غيرها في إدارة البلد. ويبقى بعض المثقفين المندفعين (المنتفعين) بحماسة إلى التغيير، وهؤلاء لن يكونوا أكثر من شهود على الدماء المراقة في الشوارع. شهود لا عمل لهم سوى تبرير ما يحصل بقصيدة أو مقالة يعتقدون بأنها ستغير العالم، وهي ليست سوى بكائية على أنفسهم، قبل أن تكون على بلادهم.
الولايات المتحدة تعرف هذه الخلافات تماماً، وتعرف حجم الفوضى التي ستعم سورية، إذا سقط النظام، لذا حاولت، خلال مؤتمر القاهرة الأخير لـ «المجلس الوطني»، توحيد صفوفه والخروج باتفاق على تشكيل حكومة في المنفى يصار إلى الإعتراف بها في مؤتمر باريس الذي عقد بعد يومين وحضره مندوبون عن أكثر من مئة دولة كانت مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة، خصوصاً أن مؤتمر القاهرة عقد برعاية الجامعة العربية. وكان على هذه «الحكومة» اتخاذ قرارات (هذا ما كان مطلوباً منها)، من بينها إتاحة الفرصة أمام «الحلفاء» للدخول إلى سورية بقوات «تساعد» في حفظ النظام وتحفظ مخازن الأسلحة، خصوصاً الترسانة البيولوجية والكيماوية ونقلها إلى بلد آخر للتخلص منها «خوفاً من سقوطها في أيدي الإرهابيين». لا يجمع أطراف المعارضة السورية سوى كرهها للنظام. ما عدا ذلك، أي النظرة إلى مستقبل سورية وشكل النظام فيها، وعلاقاتها الدولية والإقليمية فخارج إرادة وقدرة هذه الأطراف المتآلفة المتصارعة في آن معاً.
الفوضى الشاملة هي ما تتوقعه واشنطن، إذا سقطت سورية. المهم لديها أن تمسك بأقوى طرف في النظام البديل. الأقوى الذي يضمن تنظيم الفوضى والتخلص من الأسلحة الثقيلة وانتقال دمشق إلى موقع الحليف في الإقليم.
الحياة