ثمن رجل واحد/ عباس بيضون
هل حان الوقت لنستريح. هل مر زمن العصف الجميل وانتهى الخراب الجميل بحسب أدونيس، لقد كون العنف أحلامنا منذ قرن. الثورة كانت أسطورتنا الأم. والتحرير، التحرير بعد معارك غنينا لها قبل أن تصل. هكذا كنا مجرد منتظرين في صالة العالم، أعيننا مصوبة إلى المستقبل. المستقبل الذي انتظرنا أن يكون هويتنا، العنف الجميل، العصف الجميل، الخراب الجميل، الثورة الجميلة والتحرير الجميل. هكذا سلخنا نصف قرن. لا نقول اننا كنا نحلم فهذا لم يتمتع بجمالية الحلم، لم نقل اننا كنا نحلم فللحلم مداه وأفقه وشاعريته، كنا فقط نتطلع بعيون جامدة. لم نتخيل مستقبلاً. كان خيالنا صحراء فحسب. لقد ربينا شوكاً كثيراً في رؤوسنا وأمامنا، يمكننا واثقين أن نتكلم على لا شيء، لا شيء كانت النجوم على أكتاف ضباطنا، لا شيء كان السلاح في أيديهم، لا شيء كانت الريبة التي خلقت المخابرات وأقامت مجتمعاً مشبوهاً بكليته متوجساً بكليته. وفجأة، فجأة جاء العصف، من حيث لم ينتظر، جاءت الثورة من حيث لم نحسب، جاءتنا من صحراء مخيلتنا، من حجر انتظارنا، من اللاشيء الذي كان عالمنا، فجأة جاءت الثورة، قبلها جاء التحرير، جاءا بصخب كبير وضجة أكبر. جاءا بهدير هو هدير الأزمنة المقتولة، هو هدير الانتظارات المتحجرة. هو هدير اللاشيء الذي حبل، والذي انتفخ والذي فرقع، اللعبة مع ذلك لم تكن من هذا العصر، آخر ديكتاتوريات في العالم وتقاتل حتى آخر نفر لتبقى في العالم، آخر طغاة في العالم ويقدرون أنفسهم بسعر شعب كامل. مئات الألوف من أجل رأس واحد. مئات ألوف الضحايا من أجل رجل واحد. انها بالطبع قسمة ضيزى، معادلة مشبوهة، ميزان عجيب، غير رؤسائنا لا يساوون عثرة شخص، غير رؤسائنا لا يساوون خطأ حسابياً، ينسحبون بمجرد أن تحيطهم شبهة يتركون لخطأ بسيط. لا يستحقون التضحية برجل واحد. تحصى عليهم نفقاتهم وديونهم وصلاتهم ويحاسبون عليها ويحاكمون، ليبرمان العدو نجا أمس من المحكمة وخسر أولمرت مستقبله في المحكمة، رؤساء من الغرب الامبريالي استقالوا لشبهة ما، هذا ما نسميه الديموقراطية. حقوق البشر العادية ونحن علينا ان نموت بمئات الألوف دون ذلك. كم لحمنا رخيص. كم سعرنا قليل. كم نحن بلا ثمن.
السفير