حسابات إسرائيل في سوريا/ وحيد عبد المجيد
أربك تغير ميزان القوى في الأزمة السورية صانعي السياسة الإسرائيلية، وربما كان أكثر ما أربكهم التحول الواسع في مسار الأزمة لمصلحة نظام بشار الأسد وحلفائه، منذ التدخل العسكري الروسي قيل نحو عامين، لذا كان عليهم تعديل تقديراتهم لنتائج الأزمة في ضوء ميزان القوى الجديد، ومن أهمها التقدير الذي ذهب إلى أن نظام الأسد كان آيلاً للسقوط.
لكن المعضلة الكبيرة التي واجهوها، ولم يجدوا لها حلاً بعد، هي كيفية التعامل مع تداعيات التغير الذي حدث، خصوصاً امتداد النفوذ الإيراني إلى منطقة الحدود الإسرائيلية السورية. لم يكن هذا الاحتمال ضمن تقديراتهم السابقة أصلاً. أما وقد أصبحت قوات وميليشيات تابعة لإيران قريبة من هذه الحدود، فقد فرض عليهم هذا التطور أن يراجعوا حساباتهم كلها تقريباً، فقد ازدادت أهمية منطقة جنوب سوريا التي لم تتعرض إسرائيل إلى أي تهديد منها منذ انتهاء حرب 1973. وكان وصول أسلحة إلى «حزب الله» عبر الحدود السورية اللبنانية هو أقصى تهديد يمكن أن يواجههم. لم يتوقعوا أن تقترب ميليشيات تابعة لإيران من حدودهم، وتزداد معدلات التهديد المترتب على إرسال السلاح، واتخاذه بُعداً جديداً بصناعة بعض أنواعه في مناطق سورية قريبة من الحدود.
لذلك تغيرت حسابات إسرائيل حتى على صعيد أولوياتها بشأن الأزمة السورية. فقد أصبح هدفها الأول هو إخراج القوات والميليشيات التابعة لإيران من سوريا. ولأن هذا هدف بعيد المنال في المدى القصير، وربما المتوسط أيضاً، تُركِّز إسرائيل على هدفين يأمل صانعو سياستها أن يؤدي إحراز تقدم باتجاههما إلى تقريب الهدف الأبعد.
أول هذين الهدفين هو إبعاد القوات الموالية لإيران مسافة كافية من حدودها. أما الثاني فهو منع إقامة قواعد ومنشآت عسكرية، وأي بني تحتية إيرانية أو تابعة لإيران في سوريا. وسعياً لتحقيق الهدف الأول، اعترضت إسرائيل على اتفاق خفض التصعيد في منطقة جنوب غربي سوريا، رغم أنه ينص على عدم وجود قوات غير سورية فيها، وبالتالي انسحاب الميليشيات الموالية لإيران مسافة تتراوح بين 8 و32 كم.
لكن هذه المسافة لا تكفي لطمأنة إسرائيل القلقة لسبب ثان هو أن الاتفاق يقيد حركتها لمواجهة ما تعتبره مصادر تهديد قرب الجولان، رغم أنه لم يمنعها من قصف مواقع على مدى أبعد ثلاث مرات خلال خمسة أسابيع، كانت الأولى في 9 سبتمبر الماضي ضد مخزن صواريخ، ومركز بحوث في محافظة حماة تفيد معلومات إسرائيلية أنه مخصص لصنع أسلحة، والثانية في 22 من الشهر نفسه ضد مخزن أسلحة في محيط مطار دمشق الدولي، والثالثة في 16 أكتوبر ضد بطارية صواريخ شرقي دمشق.
وربما تكون معضلة إسرائيل الأولى على هذا الصعيد أنها لا تثق في أن روسيا ستفي بوعدها بشأن إخراج القوات الأجنبية من سوريا، فيما تريد المحافظة على علاقاتها الجيدة مع موسكو، ولا ترغب في المخاطرة بها، وهي لا تستطيع الاعتراض على الرد الذي تتلقاه من موسكو كلما عبرت عن قلقها من الوجود الإيراني، وهو أن الأولوية لمكافحة الإرهاب، وأن رحيل القوات الأجنبية عموماً سيكون في مرحلة تالية.
يبدو الموقف الروسي منطقياً، لكن إسرائيل تخشى أن تُرسِّخ إيران حضورها العسكري بحيث يتعذر إخراج القوات الموالية لها حتى إذا التزمت روسيا بهذا الموقف، كما تخاف إسرائيل أن تتغلب مصالح موسكو مع طهران في النهاية، وخاصة في ضوء التطور المتزايد في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما.
لذا تظل حسابات إسرائيل مرتبكة، سواء اختارت قبول موقف روسيا وانتظار انتهاء الحرب على الإرهاب في سوريا، أو لجأت إلى المناورة عبر مواصلة دعم العلاقات معها وممارسة بعض الضغوط عليها في آن معاً، والأرجح أن يرتبط خيار إسرائيل بمدى استجابة روسيا لمطالب محددة يبدو أن الاتصالات بشأنها ما زالت مستمرة منذ زيارة بنيامين نتنياهو موسكو في أغسطس الماضي. ومن أهم هذه المطالب إبعاد القوات الموالية لإيران إلى مسافة 40 كم من الحدود وفرض رقابة قوية على تحركاتها، والحصول على حرية حركة كاملة في المجال السوري، مع التعهد بعدم استغلالها إلا في حالة نقل أسلحة إلى لبنان، أو إقامة منشآت عسكرية تابعة لإيران، كما تطلب إسرائيل وضعها في أجواء الاتصالات المتعلقة بإعادة ترتيب الأوضاع في سوريا لكي تتمكن من وضع خططها وتعديلها في ضوء معلومات متجددة.
الاتحاد