حلقة النار السورية
سمير الحجاوي
تخطئ الأنظمة العربية، قبل الحكومات الغربية والصين وروسيا، إذا ظنت أن النظام البعثي بزعامة بشار الأسد يمتلك أية فرصة للبقاء، فهذا النظام سقط نظريا عندما ثار الشعب السوري وخرج إلى الشوارع وقدم الشهداء والدماء من أجل الحرية والعدالة والكرامة.
وبما أن الشعوب لا تعاند ولا يستطيع أي نظام حكم أن يقف في وجهها إذا ثارت أو تمردت، فان نظام بشار الأسد المدعوم بثلاث حلقات من الموالين وهم معظم الطائفة العلوية وإيديولوجيي حزب البعث ورجال أعمال النظام وطبقة التجار المستفيدين من وجوده، سيسقط لا محالة، رغم أن الكلفة ستكون مرتفعة على غرار ما حصل في ليبيا.
خلع العقيد في ليبيا كلف 50 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين، ودمر البلد بأكملها، وتقدر الخسائر المادية حسب بعض الأرقام إلى 500 مليار دولار، وشطر البلد إلى نصفين، القبائل التي قاتلت ضده والقبائل التي تقاتل معه، وهذه جروح من الصعب تضميدها، فمن يقاتل في سرت وبني وليد هم كتائب القذافي المدعومين بالقذاذفة والقبائل المتحالفة معها، وفي سوريا أيضا سيكون هناك جرح كبير، فالمتحالفون مع النظام لن يكون لهم دور في سوريا المستقبل بعد الانتصار النهائي للثورة، وبعيدا عن الكلام الممجوج للوحدة الوطنية، والحديث المنمق فان المجتمع السوري سوف ينشق إلى ثوار وإلى موالين للنظام “طائفيا وحزبيا ومصلحيا”، فنظام بشار الأسد قام بتسليح القرى العلوية، وتوترت العلاقات بينهم وبين القرى والمدن المجاورة، والشبيحة “مليشيا النظام” في معظمهم ينتمون للطائفة العلوية، مع وجود أقلية غير علوية معهم، وهذا يدل على أن نظام بشار الأسد يستخدم الورقة الطائفية بكل قوته، ويحاول أن يجعلها “خشبة الخلاص” من أجل التشبث بالسلطة.
بالإضافة إلى تقسيم المجتمع طائفيا، فإن عناد نظام بشار الأسد وإصراره على التشبث بالسلطة أدى أيضا إلى شق الجيش، حيث بدأت عمليات التمرد والانشقاق، وهي العمليات التي تحولت إلى معارك بين أبناء الجيش الواحد كما حصل في الرستن، التي دارت فيها معارك حقيقية، وهذا يعني أن الجيش الذي يتركب من راس علوي، ومن جسد غير علوي سيشهد مزيدا من الانشقاقات في الأيام المقبلة، مما يعني إضعاف الجيش السوري المنهك من مواجهة ثورة الشعب السوري المستمرة منذ أكثر من 6 شهور، وهذه خسارة سورية وعربية فادحة، فالجيش السوري “نظريا” جيش قوي يمتلك أسلحة معقولة مقارنة بإسرائيل المسلحة حتى الأسنان، وانشقاق هذا الجيش وتقاتل أفراده إلى جانب انقسام المجتمع السوري أفقيا وعموديا يعني أن سوريا خرجت من المعادلة في المنطقة كما خرج العراق قبل ذلك، مما حول العالم العربي إلى ملعب لإيران وتركيا وإسرائيل والقوى الكبرى، وهنا لا بد من التوضيح أن نظام بشار الأسد لم يكن مكافئا موضوعيا لأي من هذه الدول، لكنه كان الخط الفاصل بينها، ولكن في المشهد السوري المتغير فإن بقاء نظام بشار الأسد في الحكم مع استمرار الثورة يعني استنزاف سوريا اقتصاديا وتمزيقه مجتمعيا وعسكريا وتكبيده خسائر بشرية فادحة.
إسرائيل ومعها الغرب، تكسب مما يحدث في سوريا، كما كسبت في كل الفترة خلال نصف قرن من حكم حزب البعث وعائلة الأسد، فما يجري هناك يعني تحول سوريا إلى “ساحة صراع داخلي” كما حدث في العراق، وسيكون العرب هم الخاسر الوحيد والكبير، وكما فتح احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين الباب أمام تمدد إيران وتحولها إلى قوة إقليمية كبيرة، فإن تمزق الداخل السوري يعني أيضا مكاسب لتركيا، القوة الإقليمية الصاعدة، ومكاسب لإسرائيل أيضا، وان اختلفت الأهداف والنوايا، وسيخسر العرب ساحة اخرى ستتحول إلى “جحيم” من الصراع إذا استمر بقاء نظام الأسد الذي يرفضه الشعب السوري.
للأسف الشديد فإن الأمة العربية تعاني من انعدام الوزن، وتعاني عدم وجود قيادة مرجعية، وتفتقر إلى القوة المركزة، وتقاتل أنظمته شعوبها، والدول العربية الكبيرة إما مريضة يحكمها مرضى أو تعاني من عدم الاستقرار والصراع بين الثورة والثورة المضادة، واستمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انهيار الكيانات العربية التي تشكلت ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحولها إلى فسيفساء فوضوية، وهو انهيار لن يستطيع احد وقفه إذا استمر الصمت على ما يجري في سوريا، وإلى جانبها اليمن، وستتحول الحالة إلى “أحجار الدومينو” التي ستتساقط تباعا ولن يفلت أي كيان عربي من العاصفة المقبلة، وسيكون الثمن مرتفعا جدا.
ومن أجل تقليل الخسائر، على الأنظمة العربية “العاقلة” إذا رغبت بإطالة عمرها، أن تخلع السن الفاسد “في سوريا” بدل خلع “الفك” كله، وهذا يتطلب منها الضغط للإطاحة بنظام بشار الأسد، والتدخل لإعادة ترميم الوضع في سوريا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
المسألة لا تحتمل التأجيل، فالنار السورية ستلتهم الجميع بدون استثناء، ويخطئ من يظن أن بوصلة الأحداث ستغير الاتجاه، وإذا لم يتم إسقاط النظام البعثي السوري فإن النار قد تتمدد إلى لبنان والأردن في المرحلة الأولى وإلى مناطق أخرى بعد ذلك.
الأنظمة العربية مطالبة بالتدخل لإجبار نظام الأسد على الرحيل قبل فوات الأوان، وأي تأخير يعني أنها قد تكون جزءا من الثمن، وستتحول مواردها وميزانياتها لتمويل العساكر والجيوش لحماية نفسها من السقوط، وستذهب هذه الأموال سدى لأن الشعوب إذا ثارت فإنها لا تتوقف..
أيها الحكام العرب.. اخلعوا نظام بشار الأسد بدل أن تجدوا أنفسكم داخل حلقة النار التي تتسع يوما بعد يوم.
الشرق القطرية