صفحات سورية

حل سياسي أم حسم عسكري؟/ د. رياض نعسان أغا

 

 

يبدو أن إصرار النظام على متابعة الحل العسكري وإفشال كل المبادرات المحلية والإقليمية والدولية جعلا الرهان على الحل السياسي خاسراً، فمنذ أن قامت المبادرة السياسية الأولى للحوار في فندق سمير أميس في دمشق بتاريخ 17/6/2011 بمشاركة نحو 200 طالبَ المجتمعون بإنهاء الخيار الأمني، ولكن الحوار انتهى بتعرض المعارضين السلميين إلى الضرب والإهانة. وتكرر الأمر في مؤتمر صحارى الذي رعاه النظام ذاته، وانعقد في 10 و11 يوليو 2011 وقد وصف نائب الرئيس فاروق الشرع هذا المؤتمر بأنه «بداية حوار وطني نأمل أن يفضي إلى مؤتمر شامل يمكن منه الانتقال بسوريا إلى دولة تعددية ديمقراطية يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم» لكن الشرع أبعد وأهمل دوره لأنه أراد حلاً سياسياً جاداً.

وحين فرض المجتمع الدولي مؤتمر جنيف أعلن النظام أنه يواجه إرهاباً وأن الأولوية لمواجهته، وبرع في خلط الأوراق وتمكن من إقناع بعض قادة المجتمع الدولي بأن ما يحدث في سوريا هو تمرد إرهابي، وأنه الشريك الأساسي في مواجهة هذا الإرهاب، وسمح له المجتمع الدولي بصمته بشن حرب إبادة وتدمير للمدن السورية، وتم إهمال الحلول والمبادرات السياسية ووجد الشعب نفسه مضطراً لمتابعة القتال لنيل حريته، ولسوء الحظ انعكست عليه بشكل سيئ جملة من الصراعات الإقليمية والدولية، مما جعله يتعرض لخسائر ضخمة، ولكن قوة إصراره وتحمله الأسطوري للفواجع جعلته يحرز تقدماً عسكرياً بعد أن فشلت كل المبادرات السياسية، وكان آخرها ما قدمه المبعوث الدولي «ديمستورا» الذي أوشك أن يعلن استقالته مؤخراً كما فعل الإبراهيمي، ولكن الأمين العام للأمم المتحدة الذي يخشى أن تدخل القضية في فراغ سياسي طلب منه أن يبدأ سلسلة لقاءات مع المعارضة والنظام بهدف إحياء المسيرة السياسية فيما سيسمى جنيف 3.

كان الروس قد حاولوا عبر مؤتمرين أن يعبروا عن كونهم دعاة حل سياسي ولكن تعنت النظام واستعلاءه من جهة وعدم جدية الروس في إنهاء المأساة جعل لقاءات موسكو فاشلة فلم يعن أحد بها من الشعب الذي كان يتعرض لمزيد من القتل والتهجير والاعتقالات، وكانت براميل المتفجرات تتابع تدمير المدن والأرياف، وهذا ما حفز المعارضة المسلحة أن تبحث عن تنسيق يتجاوز الخلافات الإيديولوجية وأن تتحد مرحلياً فتحققت لها انتصارات في الجنوب في بصرى الشام وفي نصيب وتمكنت من صد الاحتلال الإيراني لمناطق مهمة في ريف درعا. وفي الشمال تمكن الثوار على اختلاف فصائلهم من دخول إدلب وجسر الشغور وبعض قرى الغاب وباتوا على مقربة من مدن الساحل الكبرى. وبدأ الشعب يتطلع إلى حسم عسكري مع فقدانه الأمل بالحل السياسي، وبات كثير من المراقبين يخشون أن يجدوا التقسيم قد أصبح أمراً واقعاً، ويترقبون المعركة الكبرى في دمشق التي تعتبر عقدة أساسية في حال وجود خطة ما لتقسيم محتمل يرفضه الشعب كله، ولكنه يخشى أن يفرض عليه بإرادة دولية لا سمح الله.

وعلى رغم اشتداد المعارك وقسوة الفواجع كان ممثلون كثراً عن القوى العسكرية المعارضة قد حضروا بعض اللقاءات السياسية وأيدوا الوصول إلى حل سياسي كما في اللقاء الذي تم في السويد مؤخراً، ولكنهم لم يجدوا لدى النظام أي رؤية لخريطة طريق مقبولة فالنظام وحده رغم ضعفه وانهياره لا يزال يملك القدرة على اتخاذ قرار الحل، رغم ارتباطه بقرار إيران المصرة على التهام المنطقة وعلى الإمساك بنفوذها المتصاعد في العراق وسوريا ولبنان، ولاسيما بعد أن خسرت نفوذها في اليمن.

وإزاء التصعيد العسكري الراهن وما يحققه الثوار يجد المفاوضون السوريون أنفسهم مطالبين بدراسة جديدة لبيان جنيف الذي ترك كثيراً من القضايا غائمة تحتاج إلى تفسير، ولاسيما تلك التي تتعلق بدور الأسد في المرحلة المقبلة، وأعتقد أن هذا ما يجب أن يكون موضوع التشاور الذي يدعو إليه الآن «ديمستورا» للتحضير لجنيف 3 بعد أن أخفقت مهمته التي كانت منحصرة في حلب وقد تجاوزتها الأحداث المتلاحقة.

ويبدو أن التطورات الراهنة في المنطقة، والتقدم الذي يحققه الثوار على الأرض، يجعل من الضروري تأجيل مؤتمر القاهرة ومؤتمر الرياض التشاوريين المفترض عقدهما هذا الأسبوع، بهدف انضاج أكبر، ورؤية أوسع من قبل المعارضة للخيار النهائي بين حسم عسكري أو حل سياسي يجنب البلاد خطر التقسيم ودماراً أكبر ولاسيما في دمشق وفي الساحل السوري.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى