خمسة أسباب لإجهاض الدولة الوطنية وتقويضها /برهان غليون
حاولتُ، في مقال سابق، أن أبيّن كيف أن ظروف اندراج الدولة الحديثة في بنية الجماعات والمجتمعات العربية الضعيفة والهشّة، والتي كانت قد خضعت قروناً طويلة في حكم الاستبداد السلطاني العقيم، والافتقار لتنظيمات مجتمع أهلي قوية، أو مدنية حية، قد حوّلها من مشروع دولة وطنية، تعمل على إيجاد شروط تحرير مواطنيها والارتقاء بشروط حياتهم، إلى أداة استعباد لهم، وغولٍ ابتلع الفرد والمجتمع والجماعات الأهلية والمدنية، القديمة والجديدة، من دون تمييز، بمقدار ما نجح المسيطرون عليها في اختطافها وفصلها عن مجتمعها وشعبها. لم يبقَ بعد ذلك للدولة من رسالة “تاريخية” سوى تنظيم طقوس عبادة الفرد، ولا من نظامها الإداري الحديث سوى تسيير الأجهزة الأمنية والعسكرية، ولا من مناهج قيادتها وإلهامها للجمهور إلا منهج التقريع والترويع والانتقام، على سبيل الردع والتطويع. والنتيجة خروج جماعي من تحت سيطرتها وثورة عارمة عليها، واستعداد كثيرين ممّن كانوا يراهنون عليها لتدميرها، باسم مشاريع بديلة، إسلامية أو غير إسلامية.
بالتأكيد، لا تقتصر مثل هذه التحوّلات السلبية على البلاد العربية. ففي كل بلاد العالم، باستثناء أوروبا وأميركا وبعض البلدان الكبرى، كالهند، بقي مسار تكوين الدولة الوطنية متعثّراً، وضلّت في أحيان كثيرة طريقها، وتحوّل الصراع فيها، ومن حولها، مع الزمن، في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وغيرها، إلى سبب رئيسي للمعاناة والنزاع وسفك الدماء. ولا يزال صراع الشعوب لتأهيل الدولة، وتدجينها، وإخضاعها لمنطق الأمة والمجتمع، بدل منطق العصابة أو الطائفة أو القبيلة، وما يرتبط به من تمييز وإقصاء بالجملة ضد البشر، هو محور التاريخ السياسي لثلاثة أرباع البشرية منذ قرن. ولهذا، صار الانتقال إلى نُظُمٍ ديمقراطية، وهو المسار الطبيعي لأي دولة حديثة تقوم على مبدأ المواطَنة المتساوية والاحتكام للشعب وسيادة حكم القانون، وكان من المفترض أن يكون جزءاً من رسالة الدولة الحديثة، وبرنامج عملها الأول، تحدياً تاريخياً استثنائياً، تقوم من دون تحقيقه المذابح وحروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والديني.
لكن، في البلاد العربية، وفي المشرق بشكل خاص، تضافرت ظروف وتحديات إضافية، جعلت القطيعة بين الدولة والمجتمع، وفي ما وراء ذلك، بين النخبة الحاكمة والشعب، غير قابلة الجبر، وتحوّل هذا الانحراف والتحدّي مع الزمن إلى مأزق بعيد الحل. فلم يعد الانتقال السياسي نحو نظام ديمقراطي هو المستحيل فحسب، وإنما انتقال السلطة داخل النظم نفسها من شخص إلى آخر، صارت مدعاة لمواجهات وأزمات وحروب، أحياناً بين الإخوة أنفسهم أو الأبناء والآباء. والواقع أن هذا المأزق لا يمكن أن ينفصل عن الشروط الجيوسياسية الإقليمية والدولية الإضافية التي أحاطت، وتحيط بعمل الدولة والسلطة العمومية في البلاد العربية، والتناقضات والتحديات الكثيرة التي تواجه مجتمعاتها في سعيها إلى السيطرة على الدولة التي شبّت على الطوق، والرهانات الكبيرة التي وجدت نفسها منخرطة فيها، من دون أن تختارها، أو تملك وسائل تحقيقها والتحكّم بمسارها.
إسرائيل تحدياً
من هذه التحديات وأصعبها، تحدي نتائج إقامة إسرائيل وتوطينها بالقوة، وما نجم عن ذلك من تشريد شعب كامل، وتحطيم كل التوازنات الاستراتيجية والسياسية العميقة في المنطقة، وتفجير نزاع دائم سمّم العلاقات العربية الدولية، كما لم تفعل أي قضية من قبل. وممّا ضاعف من تأثير هذا التحدي تخلي الدول الغربية عن قرارات مجلس الأمن، وصرف النظر عن حركة الاستيطان الإسرائيلي المستمر من دون توقف، وضمان التفوّق العسكري الدائم والساحق على الدول العربية، مجتمعة أو متفرقة. ولا أعتقد أن هناك تحدياً واجه مشروع بناء الدولة، وأجهضه في الوقت نفسه، في المنطقة العربية، أكبر من هذا التفوّق الذي يستعرض نفسه كل يوم، بحروب ونزاعات جديدة، مجرداً الدولة العربية من أول مقوماتها ومبرر وجودها، وهو سيادتها على أرضها وحماية شعبها والدفاع عن مصالحها. وهذا هو أصل السيادة التي من دونها لا صدقية لردع، ولا سيادة لشعب على أرضه. وبالتالي، لا حقوق ولا واجبات ثابتة، ولا استقرار. لقد حكمت سياسة الغرب الإسرائيلية على الدولة العربية بأن تكون دولة معاقة، وعنينة، وناقصة التكوين. وفي مواجهة هذا “الإخصاء الاستراتيجي”، زاد خوف النُّخَب الحاكمة من انتشار روح التمرّد على الدولة، والاستخفاف بها، عند جمهورها وشعبها، فاتجهت بشكل أكبر نحو سياسات الشدة والقسوة ومراكمة القوة واستعراضها، والاستخدام المفرط للعنف. فصارت غطرسة الدولة في الداخل تعويضاً عمّا تلقاه من إذلال ومهانة في “الخارج”، أو على المستوى الدولي. وصار ترويعها مواطنيها وإذلالهم والتنكيل بهم المصدر الوحيد لكرامتها المهدورة، وسيادتها المكسورة. وبهذا المعنى، لم تكن إسرائيل مشكلة فلسطينية فحسب، ولكن، مشكلة عربية، وتحدياً لمشروع بناء دولة وطنية، بل دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا تستطيع أن تكسب ولاء شعبها، وتبني علاقات ثقة مع جمهورها، وهي منزوعة السيادة، ما اضطرها إلى وضع نفسها، بصورة علنية أو مضمرة، تحت الحماية الخارجية، والتحوّل إلى دولة وكيل أعمال هذا الخارج. وما كان للفشل في إيجاد حل لمسألة الاستيطان الإسرائيلي، وإقامة أي نوع من الدولة الفلسطينية، إلا أن يزيد من ضغط هذا النزاع على مصائر الدولة العربية، ويدفع بها إلى مزيد من الانكفاء عن الشعب، والتحفّز للقمع والإرهاب، حتى صار إعدام الحريات الفردية وقطع الطريق على أي تظاهر يعكس وجود الإرادة الشعبية جوهر استراتيجيتها للبقاء والاستمرار. باختصار، زعزعت حرب إسرائيل الدائمة، وامتدادها عبر الاستيطان الزاحف والحروب المرتبطة به، ثقة الشعوب العربية بحكوماتها ودولها، كما لم تفعل أي قضية أخرى، وقوّضت صدقيتها أمام جمهورها. وقد دفع العراق وجوده ثمناً لمحاولة صدام حسين الخروج من هذه الدائرة الجهنمية، وتحدّي تعديل ميزان القوة الإقليمية.
أمن الخليج
ومن هذه التحديات الصعبة، ضمان أمن الخليج الذي يشكل أكبر منطقة مصدّرة للنفط في العالم، والذي يرتبط باستقراره واستقرار أسعار منتجه الرئيسي استقرار الاقتصاد العالمي ومعدلات نموّه. وأصل التحدي في هذا الملف الشائك أن الخليج، الذي يمثّل مركز الثروة في المنطقة، لا يملك الموارد البشرية الضرورية للدفاع عنها، في مواجهة الدول المحيطة به، وهي من أكثر المجتمعات فقراً. ولأن الدول الصناعية الغربية المستفيدة الرئيسية من هذه الثروة، قررت احتكار السيطرة عليها بأي ثمن، وردع الآخرين، بما فيهم العرب المحيطين بها، من المشاركة في عوائدها، فقد تبنّت سياسات أمنية تنحو إلى تجميد الديناميات السياسية في البلدان العربية القريبة، وإجهاض أي حركة شعبية عربية، شبيهة بتلك التي دفعت عبد الناصر في الستينيات إلى التدخل في اليمن، والاقتراب من آبار النفط، والعمل على عقد صفقات تاريخية مع النظم القائمة، لضمان تعاونها. والواقع، ما كان لسياسة التحييد وشل إرادة الشعوب وتعقيمها ضد التحولات السياسية التي تبنّاها الغرب وحلفاؤه، إلا أن تزيد من نزوع النخب الحاكمة في هذه البلدان المحيطة إلى تطوير سياسة الابتزاز بالإرهاب، وصنعه لتأمين موارد جديدة، أو لفرض ما يشبه الخوّة على بلدان الخليج. وهذا ما زاد من إفساد النخب وتخريبها واستقلالها، ثم انفصالها عن مجتمعاتها، قبل أن تحول الدول التي تسيطر عليها إلى شركة خاصة، وتسعى إلى إعادة تشكيلها، والتفكير فيها على مثال مشيخات الخليج وإماراتها.
طريق مسدود
هذه هي السياسة التي وصلت، اليوم، إلى طريق مسدود، مع انفجار نظام السيطرة والتعقيم المدعوم من الخارج، وانتشار العنف والفوضى والسلاح في أكثر المناطق حساسية استراتيجية في العالم. فقد كان من نتيجة هذه السياسة استتباع النظم بشكل أكبر، وإهدار صدقية الدول وهيبتها، واستعداء الشعوب العربية عليها. وكان الوضع سيختلف كلياً، لو أن الدول الخليجية، بدل التحوّط من الجماهير العربية الفقيرة، وتكبيل إرادتها بدعم نظم عميلة وفاشلة، قد تبنّت استراتيجية إشراك الدول والشعوب في الحفاظ على أمن المنطقة والخليج كجزء منها، عبر شراكة اقتصادية تفيد جميع الأطراف. وكانت آثار مثل هذه السياسة ستكون كبيرة على الأمن الإقليمي بأكمله.
ومنها الحرب السرية الغربية ـ الإيرانية التي فجّرها، في ثمانينيات القرن الماضي، حلم تصدير الثورة الاسلامية وتهديدها دول الخليج، واستمرت عبر سعي الغرب إلى فرض الحصار عليها، وزاد اشتعالها طموح إيران الخمينية إلى وراثة حلم صدام حسين في تحدي الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية في المنطقة، وسعيها إلى تمويل الزبائن والموالين من الجماعات والنظم الراغبة في الدعم، أو النخب المارقة التي لديها مشكلات مع العدالة الدولية، مثل نظام الأسد، صاحب الاغتيالات بالجملة في لبنان. وفي هذا السياق، ولد مشروع القنبلة النووية الإيرانية الذي أثار رد فعل قوي في إسرائيل، واضطرت طهران إلى القبول بالتفاوض عليه، للتحرر من العقوبات القاسية التي فرضت عليها من الغرب. في هذه الحرب الغربية ـ الإيرانية، الشعوب والدول العربية هي التي تدفع الثمن الأكبر، إن لم يكن الوحيد. أولاً بسبب أعمال التخريب والتحالفات التي تقيمها طهران داخلها، لأجل الضغط وابتزاز الغرب بزعزعة استقرار مناطق النفط ودوله، وثانياً بسبب التحالفات التي أقامتها، باسم الهلال الشيعي، مع سورية وحزب الله في لبنان، بعدما ساعدتها الحرب الأميركية ـ العراقية على ابتلاع العراق، واستخدامه جسراً للعبور إلى سورية ولبنان. وبعدما فقدت طهران أملها في الحصول على القنبلة النووية التي كانت ستحولها إلى قوة شريكة لإسرائيل في الهيمنة الإقليمية، بدل أن تبقى تحت سقفها، منافسةً أو موازيةً للقوة الإسرائيلية، غيّرت استراتيجيتها في اتجاه تشكيل خلافة شيعية، تمتد من قم إلى جنوب لبنان، وتطوّق المشرق العربي بأكمله. وهذا ما يفسر الدور الكبير الذي لعبته طهران، في الدفاع عن نظامي الأسد والمالكي في سورية والعراق، ومشاركتها الأساسية في قمع ثورة السوريين، وإحباط مشروعهم التحرري.
تحدّي التنمية
ومنها أيضاً تحدّي التنمية التي لعبت سياسات الدول الصناعية دوراً كبيراً في إجهاضها، في العالم كله. ويكاد يكون هناك اتفاق بين المحلّلين والخبراء الدوليين على أن السبب الرئيسي للنزاعات الأهلية المتنامية في البلدان الفقيرة هو غياب الأمن المعاشي، وأن النزوع إلى التفتّت والتفكّك والتخلي عن قيم التضامن الوطني والاجتماعي، أو بالأحرى موت هذه القيم، لا يمكن أن يُفهم في معزل عن عمليات الإفقار والتهميش التي تعيشها، أو تُدفع إليها المجتمعات والجماعات، ومحاولات بعضها، تلك التي تأمل بفرص أكبر للاندماج في السوق العالمية، إلى التحلّل من التزاماتها الوطنية، وتنمية ولاءات خارجية، تقرّبها من القطب الصناعي الذي يمارس عليها جاذبيةً شبيهةً بالجاذبية المغنطيسية، هذا ما حصل ويحصل بالفعل لمعظم الدول النامية تقريباً، التي دخلت في حروب داخلية وتفكّكت عراها. الدول القليلة التي حافظت على حد أدنى من تماسكها واستقرارها هي التي تمتعت بموارد وثروات استثنائية، سمحت لها بتعميم نوعٍ من الازدهار ومسايرة تطور حاجات المجتمعات، كما هو الحال في الدول النفطية الغنية، أو تلك التي لا تزال تحتفظ بشكل، أو آخر، ببقايا شرعية دينية أو قبلية، تغطي على العجز والقصور وتدهور القاعدة الاقتصادية للدولة. أو، أخيراً، بسبب نجاح بعض النخب الحاكمة في تأمين أجهزة قمع متماسكة، من المرتزقة المحليين، أو الأجانب، كما كان عليه الحال في ليبيا وفي سورية والعراق، بتجنيد شباب المناطق الفقيرة والبائسة في أجهزة أمنية هي ميليشيات خاضعة لإرادة النخب الحاكمة، تعمل بتعليماتها وتحت إمرتها.
هكذا تجد الدولة نفسها ضعيفةً ومكبّلةً أمام نتائج فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتضطر إلى التصدي بالقوة للثورة الكامنة عند عشرات ملايين العاطلين والمفقرين والمهجرين، وسكان المقابر والمشردين في الشوارع والصحاري، في وقتٍ لم تعد تملك فيه أي رصيد وطني أو عقائدي أو أخلاقي أو إنجازي، تغطي به على قمعها، أو تبرّر به فشلها. من دولة فاشلة ستتحول بسرعة إلى دولة مقاتلة، في سبيل بقائها، ضد حركات الاحتجاج والاعتراض، ولن يبقى في برنامجها السياسي سوى بند واحد: تنظيم ما ينبغي أن يوصف بالحرب السرية، والاستباقية، ضد المجتمع والشعب، وفي إطارها القضاء على أي ثغرة، ولو ضيقة، للتفكير والنقاش الوطني والمساءلة والمحاسبة. ينطبق على هذه الدولة تماماً قول الشاعر: أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ. فهي حَمَلٌ وديع أمام خصوم الشعوب الحقيقيين، ووحشٌ كاسر في مواجهة مواطنين، تخلّت عن حمايتهم وضمان مستقبل أبنائهم.
التربية والتعليم
وأخيراً، تعيش المجتمعات في المنطقة نتائج فشل الإصلاح الفكري، وإخفاق نظم التربية والتعليم، التي أضاعت أهدافها الوطنية والعلمية والمهنية، وأصبحت آلة لإنتاج العاطلين وأنصاف المتعلّمين وفاقدي الأهلية. كما تعيش نتائج الأزمة الأخلاقية التي قاد إليها حرمان الأفراد من أي تربية مدنية، تعرّفهم بحقوقهم وواجباتهم، وتربطهم بأقرانهم على قاعدة التعاون والنديّة، في إطار الحرب الاستباقية، ومنع الجمهور من اكتشاف فضيحة نظام الحكم القائم على الانتهاك اليومي لحقوق الفرد، والمخالفة العلنية لنص الدستور الذي ما كان من الممكن إلا أن يؤكد على حكم القانون وصون الحريات والحقوق الفردية والجماعية. وهذا ما قوّض أي حياة أخلاقية ووطنية، وأحلَّ منطق البحث الفردي عن المنافع محل بناء حقل علاقات اجتماعيةٍ، يستلهم القيم والمبادئ الإنسانية، مقوّضاً بذلك إمكانية نشوء أي ضمير وطني أو وعي مواطني.
في هذا الفراغ الفكري والروحي والأخلاقي، وجدت التيارات السلفية والمحافظة تربة خصبة، واستطاعت، بسهولةٍ، أن تملأه بالأفكار والمفاهيم والقيم المنقولة من مجتمعات الماضي، والمرتبطة بظروف حياتها وأوضاعها. وعلى هذه الأرضية، نما شعور الأفراد المتزايد بالغربة في المجتمع الذي يعيشون فيه، وانتقلت بهم أفكار التمرد والاحتجاج من موقف الرفض والمقاطعة والاعتراض على سياسات الإقصاء والتهميش، الذي يستبطن فتح النظام، إلى حالة العداء للنظام والدولة، وأحياناً، للمجتمع نفسه.
ما نشهده، اليوم، في العالم العربي هو أكبر عملية خروج على الدولة شبه الوطنية، التي أخفقت في الوفاء بالتزاماتها جميعاً تقريباً، الداخلية والخارجية، الأمن والحرية والتنمية والحياة القانونية والأخلاقية، للأكثرية الساحقة من السكان، وهي لا تزال ترفض القبول بأي محاسبةٍ، أو مساءلة، وتريد أن تفرض نفسها وصيّاً أبدياً وقاطع طريق على الجميع، أفراداً وشعوباً محليين وأجانب. وبإجهاض هذه الدولة التي شكلت، عقوداً طويلةً، نافذة أمل وإطاراً للانتماء الوطني الجامع لأجيال كثيرة من الشباب والبنات والرجال، الذين تعلّقوا بها وتعلّموا في مدارسها، وقرأوا على أضواء كهربائها وعولجوا في مشافيها، يجد ملايين البشر أنفسهم اليوم، في الوضع نفسه الذي وجد آدم نفسه فيه عندما حُكم عليه بالطرد من الجنّة، محكومين باليأس والحرمان، ولا أمل لهم بالخروج من محنتهم إلا بالعودة إلى بناء جنّتهم. لكن، هذه المرة على الأرض، وبعد تطهير أنفسهم وتربيتها، بانتظار أن تتحقق وعود السماء.
العربي الجديد