رؤية لجان التنسيق المحلية حول الحماية الدولية
لجان التنسيق المحلية في سوريا
مضى على الثورة السورية أكثر من ثمانية أشهر. تحركت مدن وقرى بكاملها ضد حال الشقاء وانعدام الأمل الذي فرضه سوء إدارة النظام السوري المزمن للشؤون العامة وعلى كل المستويات وأهمها على المستوى السياسي.
يتظاهر آلاف المواطنين كل يوم، في حركات اجتماعية من جذور المجتمع، ويستخدمون جميع أشكال التجمع السلمي، حيث يطالبون بالقطع مع نظام الحكم الاستبدادي والعائلي القائم، والتأسيس لقيم الحرية والكرامة لجميع المواطنين في سورية. واجه النظام السوري ثورة القيم بالإصرار على الإفلات من المحاسبة، وبمحاولة تأليب مكونات المجتمع على بعضها، وبممارسة أبشع أشكال القمع.
تقتل أجهزة النظام السوري الأمنية والعسكرية وشبيحة النظام كل يوم العشرات. ويسقط يومياً المئات من الجرحى. ويعتقل ويعذب المئات، ويدخل مثلهم يوميا في عداد المفقودين.
سجلت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أنماط الانتهاكات الممنهجة التي يقوم بها النظام السوري لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، في مواجهة التظاهر السلمي، ومنها القتل العمد للمتظاهرين بمن فيهم الأطفال؛ والسجن والحرمان من الحرية البدنية؛ والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية؛ والاختفاء القسري للأشخاص؛ وغيرها من الأفعال اللاإنسانية الأخرى التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة للمدنيين، كمهاجمة المستشفيات واعتقال وتعذيب وقتل الجرحى فيها، ومهاجمة المباني الدينية والمساكن. وقد أقرت تلك التقارير بأن هذه الأفعال ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين في سورية، وعن علم بالهجوم، وهي لأجل ذلك قد ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية.
إنه بالنظر إلى تفاقم الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك القمع العنيف للمتظاهرين المسالمين، بفعل مباشر وغير مباشر من السلطات السورية وبتحريض من وسائطها الإعلامية، ومنع الصحافة المستقلة والعالمية من العمل، فإننا نبين عناصر رؤيتنا لمتطلبات التحرك الدولي لوقف تلك الانتهاكات:
نؤكد على أن احترام حقوق المواطن الأساسية هي من السمات الرئيسية التي يتحدد على أساسها ما إذا كانت الدولة تتمتع بالسيادة. كما أن احترام حقوق الإنسان هو عنصر أساسي من عناصر السيادة المسؤولة. يواجه النظام السوري تطلعات الشعب السوري إلى الحرية والكرامة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كما أغلق النظام السوري كل الأبواب التي من شأنها أن تسمح بمعرفة حقائق الانتهاكات بشكل موضوعي ومحاسبة مرتكبيها بشكل عادل وصارم. وبناء عليه فإن هذا النظام لايحق له أن يتذرع بمبدأ السيادة في مواجهة شعبه. وهو إن يفعل ذلك، فهو يشهر سلاحاً آخر في وجه الشعب، وليزيد من عزلة الشعب السوري.
نؤكد على حق الشعب السوري في تحديد شكل الحكم السياسي لديه وفي السعي إلى التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، بحرية و بدون تدخل خارجي. إن للشعب السوري الحق في تقرير مصيره الذي ينبثق مباشرة من المادتين (1) و (55) من ميثاق الأمم المتحدةi، عندما يعجز النظام الحاكم عن الاضطلاع بمسؤولياته الدولية، وعندما يمعن في انتهاكاته لحقوق الأفراد والكرامة الإنسانية.
إننا إذ نصر، في هذه الظروف الخاصة جداً، على حق الشعب السوري المباشر في تأكيد حقه في تقرير مصيره أمام المجتمع الدولي، وبالتالي فإن الدعوات القائمة على أساس “الحق في التدخل” أو “واجب التدخل” أو “التدخل الإنساني” أو حتى “مسؤولية الحماية”، يجب أن لا تؤدي إلى تعطيل تطلع الشعب السوري إلى التغيير السلمي بقواه الذاتية، أو أن يكون مآلها معاملة الشعب السوري بوصفه مجال نفوذ في لعبة الأمم. يهتف المتظاهرون في مدن وقرى سورية كل يوم بلازمة “الشعب يريد”. إن الشعب يريد التحرر من الاستبداد، وأخذ زمام القرار في الشؤون العامة بيده بشكل مستقل وسلمي، ليقرر مصيره وجميع جوانب حياته العامة بشكل حر وتداولي، وليبني علاقات سليمة بين الأمم. إن الشعب السوري لا يريد استبدال الاستبداد بالخضوع إلى نفوذ أجنبي. لقد انتزع الشعب السوري استقلاله، وأسس لدولته الحديثة. وهو يتطلع لتحرير كامل أراضيه وعلى رأسها الجولان، ومواصلة دعم نضال الشعوب في تقرير مصيرها وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني. وكما يثور الشعب السوري على مستبديه فإنه لن يتوانى عن الثورة ضد أشكال السيطرة الأجنبية كافة.
نؤكد على أنه كما أن الثورة السورية هي خلاقة في حراكها السلمي والمستمر والعنيد، في مواجهة آلة قمع لا تشبه غيرها، فإن أي دعم دولي، في ظل إغلاق النظام السوري لأية فرص لحلول سياسية الوطنية، يجب أن يكون خلاقاً، ولايشبه غيره، ومبني على وجوب المحافظة على وحدة التراب السوري، ووحدة المجتمع السوري بمكوناته الدينية والمذهبية والأثنية كافة.
إننا نرى بأن أهداف الحماية الدولية يجب أن تبقى محصورة، في تأمين حماية سلامة التجمع والتظاهر السلمي، بهدف تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره في التحول بقواه الذاتية السلمية إلى نظام ديموقراطي تعددي ومدني، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
إننا نرى بأن وسائل الحماية الدولية، التي يجب إقرارها بقرار صادر عن مجلس الأمن الذي يتصرف بموجب الفصل السابع للأمم المتحدة، يجب أن تبقى محصورة فيما يلي:
ضمان الظروف الملائمة للتجمع السلمي بما يتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها سورية، ويشمل ذلك:
الطلب من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع توريد جميع أنواع الأسلحة وما يتصل بها من عتاد إلى النظام السوري.
الزام النظام السوري برفع كافة القيود فوراً عن وسائط الإعلام المختلفة.
الزام النظام السوري بضمان دخول الآمن لجميع وكالات الأمم المتحدة الإنسانية إلى المدن والقرى السورية كافة، وذلك للإشراف على الوقف الفوري للقتل والعنف، والإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المفقودين، وسحب جميع المظاهر المسلحة لقوى الجيش والأمن ورفع الحواجز من المدن والقرى والطرق، وكذلك إجراء المراقبة المتواصلة للتجمعات السلمية كافة ولاسيما تلك المناهضة للنظام السوري، والإبلاغ عن أية انتهاكات بشأنها.
ضمان الظروف الملائمة لإجراء تحقيق نزيه وموضوعي في الأفعال التي يعتقد بأنها تشكل جرائم ضد الإنسانية، على الأراضي السورية منذ تاريخ 15 آذار 2011، وإحالة مرتكبيها إلى المحاكمة العادلة. ويشمل ذلك:
إلزام النظام السوري باستقبال لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وللوقوف على حقائق وظروف وقوع تلك الانتهاكات، وتحديد مرتكيبها.
الطلب من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتطبيق تدابير منع السفر وتجميد الأصول ضد كل من يعتقد بأنه متورط بشكل مباشر أو غير مباشر في التحريض أو الاشتراك أوتمويل أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سورية، مع عدم المساس بمبدأ قرينة البراءة.
إحالة الوضع القائم في سورية منذ 15 آذار 2011 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مع إلزام النظام السوري على التعاون الكامل مع المحكمة والمدعي العام وتقديم ما يلزم من المساعدة لتمكين المدعي العام والمحكمة من أداء مهامتهما.
ضمان الظروف الملائمة للبدء بعملية سياسية وطنية واسعة على نحو ما يتم الاتفاق عليه بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية المكونة للشعب السوري، من شأنها أن تفضي إلى انجاز التحول الديموقراطي المنشود. ويشمل ذلك:
تأمين الظروف السياسية التي تسمح بالتداول بين مكونات الشعب السوري كافة حول المرحلة الانتقالية وإجراءاتها التأسيسية.
تأمين الظروف السياسية الملائمة لتمكين الشعب السوري من إجراء التصويت بالاقتراع العام والانتخابات الشفافة والعادلة والحرة على المستويات كافة وبحسب ما تتطلبه المرحلة الانتقالية للوصول إلى التحول الديموقراطي المنشود.
تدريب وبناء قدرات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لزيادة معرفتها بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتغيير عقيدتها لتكون قائمة على حماية البلاد بدل حماية النظام، ومع عدم المساس بوحدة الجيش.
إن تعنت النظام السوري في الإضطلاع بمسؤوليته الدولية في احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، يتطلب، في هذه المرحلة، دعم التدابير المشار إليها أعلاه بإرسال بعثة مراقبين من الأمم المتحدة، بموجب قرار من مجلس الأمن الذي يتصرف بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة. يجب أن تركز مهمة بعثة المراقبين على الوقاية والمساعدة على بناء الظروف السياسية الملائمة لإنجاز تحول ديموقراطي سلمي في سورية. ويجب أن تتألف بعثة المراقبين من عناصر مدنية تحمل جنسيات دول معروفة بحيادها تاريخياً، وبإشراف مباشر من الأمين العام للأمم المتحدة وبالتعاون مع جامعة الدول العربية. كما يجب أن تكون صلاحيات بعثة المراقبين محددة زمنياً. ويجب أن يكون عناصر البعثة الدولية بأعداد تسمح لهم بالتواجد أو الوصول إلى المدن والقرى السورية كافة في أي وقت، لمراقبة وإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة عن أية انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وعن تطور العملية السياسية لإنجار التحول الديموقراطي السلمي وفق الإجراءات التأسيسية التي يحددها الشعب السوري حصراً.
إننا نؤكد على أولوية إعمال أساليب الحوار والاقناع السلمي التي تشمل تدابير الاستجابة غير القسرية وغير العنيفة. إلا أنه من الواضح ومن وقائع نحو ثمانية أشهر مضت، تعنت النظام السوري ومحاولته شراء الوقت. لقد كشفت التجربة على أن المهل لا تثني النظام السوري عن الإمعان في انتهاكات أكبر لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وهي تكلف الشعب السوري المزيد من القتل والتدمير. إن كل يوم يمر، يعني سقوط مزيد من القتلى، وتجد سورية نفسها أكثر بعداً عن أية إمكانية الوصول لحلول سياسية وطنية.
i المادة 1
مقاصـد الأمـم المتحدة هي:
حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
المادة 55
رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم المتحدة مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:
أ – تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ب- تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
ج- أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.
لكم منى اجمل تحيه
بجد موقع هايل