زهران علوش: القوة الجديدة على الأرض في سوريا/ مايك جيغليو- باوز فيد
أحد السجناء السابقين في سجن صيدنايا سيئ السمعة شمال دمشق, لا زال يتذكر أرضه. أجزاء السجن لم تكن تدفئ في الشتاء, وكان الحراس يجبرونهم في بعض الأحيان على النوم على أرضية الممرات المتجمدة. كان هذا من أهون صور التعذيب هناك, ولكنه ترك ذكرى دائمة لا تمحي .
يقول السجين السابق :”نمت على الأرض لمدة ثلاثة أو أربعة أيام متتالية. كان البرد قارصا”.
صيدنايا جزء من شبكة من السجون الممتدة في جميع انحاء سوريا التي تحوي وتعذب المعارضين وهو متصل بما أطلقت عليه هيومان رايتس ووتش “أرخبيل التعذيب” في البلاد. هذا السجن يعرف باحتوائه على الإسلاميين, مثل السجين السابق الذي طلب عدم ذكر اسمه. بعد أكثر من عامين على إطلاق سراحه, كما قال “فإن ذكريات السجن لا زالت تطادرني”, من الجوع إلى الزنزانات المكتظة. التعرض للتعذيب “مسألة حظ” تخضع لأهواء الحراس. ولكن هناك جانب مضئ, كما قال أيضا :” وهو التعرف على زهران علوش عن قرب”.
اعتقل علوش, وهو ابن رجل دين معروف يقيم في السعودية, في عام 2009 خلال حملة كبيرة شنت في البلاد ضد الإسلاميين ليجد نفسه في صيدنايا. وكحال المعتقلين الإسلاميين في جميع أنحاء سوريا, أطلق سراحه هو والسجين السابق في صيف عام 2011 كجزء مما أطلق عليه عفو شامل من الحكومة التي كانت تواجه احتجاجات متزايدة, انطلقت في ذلك الربيع. وكحال الكثير من نظرائهم المحررين, انضم الرجال سريعا إلى الجناح المسلح للتمرد الجديد. السجين السابق أصبح مقاتلا حاليا مع أحرار الشام, إحدى أقوى المجموعات في التمرد وأكثرها إسلامية أيضا, والتي أنشئت على يد سجناء سابقين من سجن صيدنايا.
في هذه الأثناء, أصبح علوش أحد أكثر المتمردين نفوذا في سوريا, لوجود قوة قتالية تتمتع بسمعة كبيرة إضافة إلى مهارته كقائد وتدينه.
ومع خسارة الجيش السوري الحر لجزء كبير من الأراضي, فإن أسهم الجماعات الإسلامية مثل جماعة علوش أصبحت تعلو, مما جعلهم يظهرون كمركز قوة داخل سوريا وخارجها على الأرض. مجموعة علوش, التي يطلق عليها جيش الإسلام, ربما تكون “أكثر الجهات المقاتلة قوة في التمرد الآن” كما قال آرون زيلين من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. “كما يعرفون بأنهم يؤدون جيدا على أرض المعركة”.
جيش الإسلام الذي يتمركز في ضواحي دمشق, أخذ اسمه من خلال النجاح الذي حققه في أصعب جبهات القتال في سوريا. كما أنه بنى سمعته بمساعدة حملة إعلامية مكثفة, حيث استخدم مقاطع فيديو دعائية على اليوتيوب إضافة إلى التواجد الدائم على التويتر والفيس بوك, وحتى أن هناك صفحة باللغة الانجليزية تابعة له على الإنترنت. تركز الكثير منها على إظهار علوش “الذي يبدو أنه يريد لفت الانتباه, وهو يحب أن يظهر في تلك المقاطع” كما قال زيلين.
قبل أن يعتقل عام 2009 بسب نشاطه الإسلامي, كان الشيخ كوالده تاجرا للعسل في دوما, قرب دمشق. تعرف هذه الضاحية من دمشق بمحافظتها وهي الآن معقل قوي للتمرد, مما يجعلها هدفا دائما للنظام. السجين السابق في صيدنايا,الذي كان يتحدث من سوريا عبر السكايب, يستذكر بأن علوش كان ورعا جدا وكان يشارك بنشاط في الحياة الدينية في السجن, وكان من الطراز الذي يترك أثرا على زملائه. وأضاف :” الشيخ زهران كان قائدا. لقد كان ذلك انطباعي الأول”.
وكان علوش, كما يقول, يتحدث كثيرا حول الانتفاضة السورية, التي بدأت كحركة احتجاج سلمية. ولكن الشيخ كان سرعان ما يبادر إلى التحذير بأن “هذا النظام لن يخضع إلا بالقوة”.
يعتقد أن علوش مدعوم من السعودية, مما ساهم في زيادة شهرته. كما كان لاعبا رئيسا الشهر الماضي في تشكيل الجبهة الإسلامية, وهو تحالف للمتمردين أصبح على الفور أكبر جبهة في البلاد. حيث غطى على الجيش السوري الحر. علوش هو قائد الجبهة للعمليات العسكرية, وهو “الموقع الذي يؤهله ليكون أقوى رجل في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سوريا” كما قال جوشوا لانديز, مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما.
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة الجيش السوري الحر القوة الأولى للمتمردين, ولكنه لم يقدم له سوى المساعدات غير الفتاكة مثل أجهزة الاتصال والمواد الطبية. الجيش السوري الحر تلقى الكثير من دعمه من قبل حلفاء الولايات المتحدة خصوصا تركيا والسعودية وقطر. وجود جيش سوري حر قوي كان أمرا حيويا بالنسبة لجهود الولايات المتحدة لفرض الحل السياسي على الرئيس بشار الأسد في مؤتمر جنيف للسلام الشهر القادم.
أما الآن فإن الجيش السوري الحر أصبح ضعيفا مع مناشدة قادته للحصول على المساعدات العسكرية المفيدة. المتمردون الإسلاميون, من ضمنهم مجموعتان مرتبطتان بالقاعدة, أصبحوا يتقدمون في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الحر ويسحبون المقاتلين من صفوفه. الشهر الماضي, قامت الجبهة الإسلامية بما اعتبره بعض المحللين والمتمردين المسمار الأخير في نعش الجيش السوري الحر, حيث استولت على قواعده الرئيسة ومستودعاته بالقرب من معبر رئيس مع تركيا. هذه السيطرة أجبرت الولايات المتحدة على تعليق مساعداتها إلى الشمال السوري وذلك لخشيتها من أن هذه المساعدات سوف تقع في نهاية المطاف في أيدي الجبهة الإسلامية.
يبدو أن تطور الأحداث أخذ الولايات المتحدة على حين غرة, كما أثار تحذيرات بأن نفوذها يتلاشى في سوريا. البعض في في المعارضة السورية يقترح علاجا ممكنا من خلال توسيع تحالف جديد للمتمردين يضم كلا من الجبهة الإسلامية والجيش السوري الحر. ويبدو أن المسئولين الأمريكان يدرسون هذه الفكرة, ويقولون إن الولايات المتحدة منفتحة للتعامل مع الجبهة الإسلامية. و أخبر المتحدث باسم السفارة الأمريكية في تركيا “باوز فيد ” ألاحظ أن القيادة السياسية للجيش السوري الحر بدأت بالتواصل مع ممثلين عن الجبهة الإسلامية, وهي خطوة نرحب بها مع تحضير المعارضة لجنيف 2″.
كانت الفورين بوليسي أول من أشار إلى رغبة واشنطن في الحوار مع الجبهة الإسلامية وذلك على الرغم من سيطرتها الأخيرة على منشآت الجيش السوري الحر يوم الاثنين.
ولكن وفي حين بذلت الولايات المتحدة جهدا كبيرا مع الجيش السوري الحر – حتى أنها نظرت في أمر كتائب محتملة- فإن المحللين المتابعين للصراع يقولون بأنها سوف تواجه وقتا صعبا في التأثير على الجبهة الإسلامية. المتحدث باسم الجبهة الإسلامية اتفق مع ذلك, حيث قال “ليس هناك فرصة للتعاون مع الولايات المتحدة, فنحن لا نثق بها”.
تقول الجبهة الإسلامية بأنها تريد بناء دولة إسلامية في سوريا. و رفضت فكرة التفاوض مع الأسد, قائلة إن أي جهة تقوم بذلك فهي خائنة. يقول زيلين من معهد واشنطن :” إنهم يريدون الحكم ضمن دولة إسلامية وتطبيق تفسيرهم الخاص للشريعة. ليس لديهم أي مصلحة في المرحلة الانتقالية, إنهم يريدون تدمير النظام برمته”.
من بين أهم قادة الجبهة الأربعة هناك ثلاثة إسلاميين متشددين. إلى جانب علوش هناك حسان عبود, وهو مدرس وسجين سابق في صيدنايا يقود أحرار الشام, وأحمد عيسى الذي يقود صقور الشام, وهي مجموعة مؤثرة أخرى موجودة في محافظة إدلب, المتاخمة للحدود التركية.
الذين يدعون إلى أسلوب منفتح مع الجبهة الإسلامية يشيرون إلى أنه وحتى وقت قريب فإن العديد من المجموعات الرئيسة إما أنهم كانوا جزء من الجيش السوري الحر – مثل صقور الشام- أو أنهم ينسقون مع الجيش السوري الحر, مثل جيش الإسلام وأحرار الشام. وقد قال مسئول تركي لباوز فيد بأنهم ” ليسوا لاعبين جددا تماما على الأرض, ومن غير المحتمل أن يأتوا من الخارج بأجندة وأفكار متطرفة غير قابلة للتطبيق”. ولكن المسئول شدد سريعا على التزام تركيا مع الجيش السوري الحر.
مقاتلو الجبهة الإسلامية عملوا جنبا إلى جنب مع مجموعات مرتبطة بالقاعدة, ولكن هذه المجموعات تركت التحالف, في محاولة من الجبهة الإسلامية النأي بنفسها عن المتطرفين. يعتقد بعض المحللين أن الجبهة الإسلامية القوية ربما تكون قادرة على مواجهة نفوذ القاعدة المتزايد في سوريا بشكل أفضل من الجيش السوري الحر وبالتالي التأثير على التدين المتصاعد في التمرد وتحويل هذا الزخم من المجموعات التابعة للقاعدة, وفي نفس الوقت تشكيل ثقل مواز لهم.
يقول أندرو تابلر, وهو خبير في الشأن السوري في معهد واشنطن بأن لواء علوش لطالما احتل هذه الأرضية المتوسطة الغريبة بين المجموعات المتطرفة والمتمردين الأكثر اعتدالا, وهو حريص جدا على تجنب المواجهات الكبيرة مع الجانب الآخر. ويضيف :”يمين الوسط هذا يمثل الآن جوهر الجبهة الإسلامية”.
وفقا لتابلر يبدو أن دعم هذه الجماعات السلفية على حساب القاعدة هي حسابات قامت بها السعودية, التي يعتقد أنها القوة التي وجهت تشكيل الجبهة الإسلامية. ويضيف تابلر :”يريدون القيام بأمرين: الأول هو تقوية معارضة الأسد, والأمر الآخر هو إبعادهم عن المتطرفين. كما أنهم لا يريدون أن تصل الجماعات المرتبطة بالقاعدة إلى السلطة. إنه فرق دقيق بينهم وبين الجبهة الإسلامية. ولكنه في نهاية المطاف فرق”.
بعض المحللين الذين يتابعون الصراع يرون في ظهور الجبهة الإسلامية دليلا على زيادة الهوة بين الولايات المتحدة والسعودية, التي تشعر بغضب حيال تقاعس الولايات المتحدة عن التحرك في سوريا إضافة إلى تقاربها مع إيران. وفي حين أن علاقات علوش مع السعودية أصبحت أمرا معروفا- مع نفيه الحصول على أي تمويل من أي جهة كانت – إلا أن الكثير من الجماعات الداخلة في تشكيل الجبهة الإسلامية مدعومة من قطر, التي تعتبر منافسة للسعودية لكسب النفوذ داخل التمرد. يقول آرون لوند, رئيس تحرير صفحة مؤسسة كارنيغي على الإنترنت :” من ناحية لديك شبكة تمويل من جميع الدول والحكومات والشبكات الخاصة, ومن ناحية أخرى لديك هذه الاتصالات الشخصية بين قادة المتمردين وهي أمور في معظمها لا يمكن اختراقها. أنا متأكد أن هناك عددا قليلا من المجموعات التي تستجيب للتعليمات, ولكن هناك الكثير من المجموعات الأخرى خصوصا الكبيرة منها لا يمكن السيطرة عليها بسهولة”.
لقد غذى خطاب الجبهة الإسلامية اللغة المشحونة التي تزيد من التوترات الطائفية في الحرب.
الأسد ينحدر من الطائفة العلوية لتي تعتبر جزء من الإسلام الشيعي وهو مدعوم من قبل حلفاء شيعة مثل إيران وحزب الله اللبناني. أما المتمردون ففي غالبهم من المسلمين السنة ويتلقون الدعم من الدول السنية البارزة في المنطقة.
علوش يعتبر بمثابة مصدر قلق على هذه الجبهة. يقول لانديز :إن علوش “يدعو إلى تطهير دمشق من جميع الشيعة والعلويين والتخلص من أعمالهم الشريرة وبقاياهم القذرة, وهو يستخدم لغة مستمدة من القرآن لتأكيد قذارتهم”.
كما أشار لانديز إلى مقطع فيديو دعائي أنتجه علوش الصيف الماضي, فيه دعوات طائفية لحمل السلاح. يقول علوش في المقطع :” يهددوننا بانتفاضة شيعية, ونحن نقول إن الشيعة لا زالوا أذلة وصغارا. على مر التاريخ, دمر الإسلام الدولة الشيعية عدة مرات, ودمر جماجمهم مرات ومرات, رغم أنوفهم, والحمد لله”.
لكن جيش الإسلام لا يتصرف وفق خطابات علوش الطائفية, مما يوحي أن هذه الخطابات ربما تشي بجهود لجذب المزيد من المقاتلين إلى المجموعة وليست سياسة مطبقة على الأرض. ولكن هذه اللغة أيضا تظهر “كيف تمت شيطنة العلويين في الدعاية التي تمارسها الجبهة الإسلامية”.
وفقا للانديز, الذي يضيف :”النظام تعامل مع المعارضة بنفس أسلوب اللغة المتطرفة هذه, حيث وصفهم بالإرهابيين والتكفيريين, وبأنهم ينتمون للقاعدة, وبأنهم ليسوا سوريين حقيقيين”.
الجبهة الإسلامية تحصر طموحاتها في سوريا, على النقيض من أهداف القاعدة ذات الطبيعة العالمية. ولكن ووفقا لما كتبه لانديز في مدونته مؤخرا :”فإن كلاهما يمجد الإمبراطورية الإسلامية. وكلاهما يرفضان الديمقراطية ويتبعان الشريعة, ويرحبان بالجهاديين الأجانب ويحملان العلم الإسلامي عوضا عن علم سوريا كشعار لهما”.
المتحدث باسم الجبهة الإسلامية, الذي يطلق على نفسه اسم “إسلام علوش”, يقف نفس موقف جيش الإسلام. ردا على أسئلة مكتوبة, قال إن الجبهة الإسلامية ترجب بجميع المقاتلين الذين يناوئون الأسد, بغض النظر عن خلفيتهم الأيدلوجية. كما قال إن المجموعات المرتبطة بالقاعدة “سوف تبقى حتى ينتهي النظام.. ولكنهم ليسوا أصدقاؤنا كما أننا لا نتعاون معهم عسكريا”.
طالما أن الأسد باق السلطة, كما أضاف “فإن الجبهة الإسلامية سوف تتجنب قتال المجموعات المرتبطة بالقاعدة”. ولكنه لم يرد على سؤال حول مستقبلهم في سوريا إذا سقط الأسد.
كما ألقى إسلام علوش اللوم على الولايات المتحدة لظهور القاعدة المتنامي في سوريا. حيث قال:”الولايات المتحدة هي المسئولة بصورة مباشرة. لأنه لو كانت الولايات المتحدة تقف حقيقة مع الشعب السوري وضد الأسد, لكانت ساعدت المتمردين. وفرضت منطقة حظر جوي سلحت المتمردين, وتدخلت وفقا لما قاله أوباما حول الأسلحة الكيماوية والخطوط الحمر”.
وأضاف :”إذا كانوا سوف يقدمون المساعدة للجبهة الإسلامية, فذلك جيد. ولكننا لن نخضع لأجندة الغرب”.
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي