صفحات العالم

سوريا: ذاكرة ثورة مجنونة

 

ساطع نور الدين

 في مثل هذا اليوم من العام ٢٠١١ كان النظام السوري يتمتع بما يشبه الإجماع العربي والعالمي، وكان الرئيس بشار الأسد شخصيا يحظى بما يشبه الرعاية الشاملة من مختلف الدول الشقيقة والصديقة لسوريا، وما يشبه العناية التامة من قبل أعداء سوريا وخصومها.

  لم يكن يشذ عن هذا الإجماع العربي والعالمي المؤيد لنظام الأسد سوى نصف لبنان لأسباب ليست خافية على احد، وليبيا التي كان الجيش السوري قد خاض فيها أولى معاركه التمهيدية للحرب الضارية التي يشنها الان في بلاده. أما مصر وتونس واليمن وغيرها من بلدان الربيع العربي، فهي أما كانت لا مبالية او حتى متعاطفة مع ذلك النظام، وتنفي عنه انتماءه الى ذلك النسق من الأنظمة الدكتاتورية العربية التي أطيح بها.

  عدا عن نصف لبنان ومعظم ليبيا، لم يتحمس احد في العالم كله لخروج نفر من السوريين الى الشوارع في أنحاء متفرقة من سوريا لتقليد أشقائهم المصريين او التونسيين وإطلاق هتافات او رفع لافتات او رسم شعارات كانت كلها أدنى مرتبة مما رسمه فتيان درعا على الجدران في اليوم الاول للثورة ، وظلت غالبيتها تنادي بالإصلاح ولا تفكر حتى في الهتاف المرجعي: “الشعب يريد إسقاط النظام”!

  كان الحرص العربي والعالمي على نظام الأسد أكبر بكثير مما يعتقد، حتى من جانب ألد أعدائه وخصومه المعلنين او المفترضين. وكان هذا الموقف يشمل الدول الخمس الكبرى في العالم مثلما كان يمتد من القارة الاوروبية بشقيها الغربي والشرقي الى دول اميركا اللاتينية، ومنها الى الهند وباكستان وصولا حتى الى استراليا.

 في مرحلة من المراحل كان النظام السوري يفاخر بانه يتمتع بتأييد دول تضم اكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية. لم يكن مخطئا تماماً في الحساب، طالما كانت الكتلة البشرية الصينية والهندية تقف الى جانبه، ومعها كتل بشرية أخرى في القارات الخمس.

 كانت اميركا توفر الغطاء الأهم والأقوى للنظام، برغم خلافاتها الإيرانية والعراقية واللبنانية معه، والتي لم تصل الى حد المواجهة او حتى القطيعة. وكانت إسرائيل من أوائل الدول في العالم التي قرعت جرس الإنذار من خطر تغيير قواعد العمل التقليدية مع دمشق سواء في الجولان او في لبنان. وكان الغرب كله يخشى من فقدان الرئيس الشاب الذي درس في جامعاته وتعلم لغته وحمل وعدا بإصلاح ما خلفه والده من اهتراء في الدولة والمجتمع.

  لم تكن تركيا خارج هذا السياق، بل لعلها كانت اهم رعاته. ولم تكن ايران غريبة عن هذا المسار، بل كانت مستفيدة منه الى حد بعيد. ولم يكن العراق او الأردن بعيدين عن هذا التوجه. كان لبنان البلد الوحيد في العالم الذي لم يلتقط هذه الإشارات برغم أنها كانت تنقل اليه بوضوح شديد لا يحتاج الى شرح او تفصيل.

  لم تكن دول الخليج العربي، لا سيما السعودية وقطر منعزلة عن هذا النهج. لعلها كانت في صلبه. والعودة بالذاكرة الى تاريخ وصول آخر موفد سعودي او قطري الى دمشق او آخر نصيحة سعودية او قطرية الى الأسد، العام الماضي ، لا يدع مجالا للشك في موقف البلدين وفي اهتمامهما بالحؤول دون سقوط النظام السوري مثلما سقط النظام المصري او الليبي او حتى اليمني.

 كان هذا هو الجو العربي والعالمي الذي خرج فيه السوريون الى الشارع، طوال عامين، في واحدة من اغرب الثورات الشعبية واكثرها جنونا وجرأة: النظام نفسه ما زال قائدها الفعلي، والسبب الوحيد لانتصارها عليه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى