إياد الجعفريصفحات المستقبل

سوريا وأشهر أوباما الأخيرة/ إياد الجعفري

 

الأنباء الواردة مساء السبت، من شمال شرق سوريا، تقول بأن قوات “سوريا الديمقراطية”، التي يغلب عليها المكوّن الكردي، سيطرت على قرية في ريف الرقة الشمالي، أخلاها تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعد هجوم برّي لـ “سوريا الديمقراطية” مدعوماً بغطاء جوي من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

يأتي ذلك، في الوقت الذي أتاح فيه تنظيم “الدولة”، لسكان مدينة الرقة، فرصة مغادرة المدينة، بعد يوم من إلقاء طائرات التحالف الدولي لمنشورات تدعو سكان المدينة إلى المغادرة، منذرةً باقتراب معركة السيطرة على الرقة.

لقد اقترب آوان معركة الرقة، أسرع بكثير مما توقعنا. معركة تم التحضير لها، على عجل، كما يبدو. وهي معركة ترسم ملامح ما ينتظر سوريا في الأشهر الأخيرة المتبقية من حكم باراك أوباما.

فالرئيس الأمريكي الذي يشارف على إنهاء ولايته الثانية والأخيرة، يعمل، كما يبدو، بكدّ، كي يحقق إنجازاً ما، على الصعيدين الميداني والسياسي، في سوريا، بغية ترك إرث إيجابي، يُذكر به، بعد رحيله عن البيت الأبيض.

على الصعيد الميداني، يأمل أوباما في أن تنجح مساعيه للسيطرة على الرقة، مركز ثقل تنظيم “الدولة” في سوريا. كما يأمل في تحقيق نقلة نوعية عبر إبعاد تنظيم “الدولة” نهائياً عن خط الحدود مع تركيا، في عملية عسكرية من المُرتقب أن تشارك بها تركيا، بإسناد ناري وجوي، لقوات سوريّة معارضة مقربة منها، في منطقتي منبج والباب، بريف حلب الشرقي.

ولو تم ذلك لأوباما وحلفائه، ستكون تلك ضربة قاصمة للتنظيم في سوريا. أن يخسر عاصمته، الرقة، ومنفذه الحدودي الأخير مع تركيا.

أما على الصعيد السياسي، يبدو أن رهان أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري، على بدء مرحلة الانتقال السياسي في سوريا، في الأول من آب القادم، قد باء بالفشل والإحباط.

إحباط ظهر جلياً على الحاضرين في مؤتمر فيينا الأخير. الأمر الذي يُنبئ بأن ملف التفاوض قد يُغلق، أو على الأقل، سيصبح ثانوياً، مقارنة بالمسعى الميداني، الأكثر جديّة، في أجندات معظم الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا.

ففي الوسط، تحرك تحالف عسكري يضم في صفوفه، جبهة النُصرة، ليوجه ضربة قاسية لنظام الأسد بالاستيلاء على بلدة ذات غالبية علوية، في ريف حماه الجنوبي الغربي(الزارة). الضربة التي آلمت نظام الأسد، وحاضنته الشعبية، كثيراً، لم تُثر أي تعليقٍ سلبي من جانب الأمريكيين، رغم مشاركة جبهة النُصرة فيها.

ورغم محاولات الروس لإحراج واشنطن عبر مطالبتها، وحلفائها الأوروبيين والعرب والأتراك، بالضغط على فصائل المعارضة لفك ارتباطها بـ “النُصرة”، المُصنفة “إرهابية”. ومن ثم دعوة موسكو الأمريكيين، للقيام بغارات مشتركة ضد “النُصرة”. لا يبدو أن واشنطن بصدد القيام بأي تغيير نوعي في موقفها من هذا التنظيم، “النُصرة”.

فالمعادلة التي حكمت سياسة الأمريكيين حيال “النصرة”، ستبقى على حالها في الفترة القادمة، المُتبقية من حكم أوباما، على ما يبدو. وهي معادلة مفادها، أن “النُصرة” مُدانة أمريكياً، لكن ملف فك الارتباط عنها، ومحاربتها، مؤجل، لاعتبارات متصلة بصعوبة تحقيق ذلك، وضريبته على العلاقة مع حلفاء إقليميين، وأطراف محلية سورية.

أي أن واشنطن ستغض الطرف عن “النُصرة”، في الأشهر القادمة. ولا يمنع ذلك من بعض الغارات المتفرقة غير المتواصلة، على مواقع للنصرة، من حين لآخر.

هكذا يبدو أن ملامح سياسة أوباما تجاه سوريا، في ما تبقى من ولايته الأخيرة، قد أصبحت واضحة. فأولويته القصوى هي تحقيق إنجازات ميدانية نوعية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. أما على الصعيد السياسي، سيحافظ الرئيس الأمريكي على التوازنات الصعبة القائمة، في علاقته مع حلفائه الإقليميين، “دول الخليج وتركيا”، من جهة، وفي علاقته مع الروس تحديداً، في سوريا، من جهة أخرى. ولن تحصل أي تغيرات نوعية في هذه السياسة. فالرئيس الأمريكي، لن يذهب إلى أبعد الحدود في التعاون مع الروس، وفي الوقت نفسه، سيتجنب أي مسار يؤدي للصدام معهم.

وسيحافظ أوباما أيضاً على استقرار علاقته المتوترة مع أنقرة، وكذلك مع الرياض. وسيراعي حساسيات هذين الطرفين، فلن يقبل بتصنيف “أحرار الشام”، أو “جيش الإسلام”، كقوى “إرهابية”، وفق الطلب الروسي. وفي الوقت نفسه، لن يرفع الفيتو عن تسليح المعارضة بأسلحة نوعية، مثل مضادات الطيران، بصورة تهدد التدخل العسكري الروسي، الذي يبدو أن الأمريكيين راضون عنه ضمنياً.

وهكذا، يبدو أن معادلة، “ألا تغلب المعارضة، وألا يغلب الأسد”، ستبقى الحاكمة لسياسة الأمريكيين في سوريا، في الأشهر الثمانية المتبقية من حكم أوباما.

في الوقت نفسه، من المستبعد أن تشهد تلك الأشهر أي اختراقات نوعية في ملف التفاوض بين المعارضة والنظام في جنيف.

التغيرات النوعية الوحيدة المُرتقبة، هي تلك التي ستقضم من المساحة التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة”، في سوريا. وهو الملف الوحيد الحافل بالمفاجآت، التي تتراوح بين نصر سريع ومشكوك في أسبابه، لقوات “سوريا الديمقراطية”، ذات المكوّن الكردي، في معركة السيطرة على الرقة. وبين معركة شرسة وطويلة، واستنزاف كبير لهذه القوات، في تلك المعركة. وهو ما يتوقف على كيفية نظر قيادة تنظيم “الدولة” للمعركة في الرقة، فهل يراها هؤلاء بأنها حرب وجود؟، أم ينظرون لها بأنها حرب كرّ وفرّ، يمكن أن يثأروا لها في معارك أخرى، وعلى جبهات أخرى؟ لكن المرجح أن الأشهر القادمة ستحفل بملف نوعي وحيد، وهو الحرب على تنظيم “الدولة” في سوريا.

لكن ماذا عن الروس؟، وكيف سيستغل هؤلاء الفترة المتبقية من حكم أوباما في سوريا؟ من المُرجح أن الروس لن يكونوا بصدد الإقدام على خطوات نوعية تهدد وجود قوى معارضة سورية رئيسية، مقرّبة من قوى إقليمية حليفة لواشنطن. لأن خطوة كهذه من شأنها إحراج الأمريكيين ووضعهم في مأزق يضطرهم للرضوخ لضغوط حلفائهم، بتقديم أسلحة نوعية قادرة على صدّ التقدم الروسي بسوريا.

وهو تحليل ينطبق على البعد الإيراني في هذا الصراع.

ما عدا ذلك، يبدو أن الصراع بين المعارضة والنظام سينحصر في معارك تكتيكية، دون أي تغيرات نوعية مفاجئة، إلا إذا فاجأنا أحد الأطراف بكسر حالة “الستاتيكو” القائمة، وألزم الأمريكيين بتغيير معادلاتهم، هم أيضاً.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى